كل عام وأنتم بخير
تاريخ النشر: 05/07/16 | 14:30غدا أو بعد غد سيتنفس الفجر بأنفاس دافئة حنونة ، وستشرق الشمس مرسلة أشعتها الذهبية لتخترق نوافذ القلوب فتثير فيها هزة خفيفة من الفرح، فتتبسم رغم الآلام ورغم الدموع، غدا أو بعد سينبلج الصبح مهللا مكبراً، والملائكة تصافح الناس في الطرقات سعيدة مستبشرة، فاليوم عيد.
غدا أو بعد غد سيطرق العيد كل الابواب، وستداعب فرحته كل الشفاه لتقطف منها ازهار الابتسامات التي كادت تضيع وتتلاشى على عتبات الحزن والجراح.
انه العيد، مساحة بهجة وهدوء نفس نستروح تحت افيائها ونتنفس براحة وطمأنينة بعد ان كادت تخنقنا الدنيا بمشاغلها ومتاعبها وهمومها ، لننسج من خيوطها المعقدة عباءة فرح بعد ان صنعنا البسمة من وحي العيد.
انه العيد هدية الرحمن المنعم المتفضل، وأي هدية، وهل تستقبل الهدايا الا بالابتسامة والأمل، كيف لا وهي هدية الوهاب ذي الجلال والاكرام، بنفحاتها النورانية ونسماتها الايمانية، وبسُحب الرحمة في طياتها التي تحمل كل معاني الحب والسلام والعطاء والاخوة والايثار.
انه العيد يطرق الابواب، فشرِّعوا له ابواب القلوب ولا تخالفوا وصية الحبيب صلى الله عليه وسلم في وجوب الفرح واظهاره ايام العيد، نعم هناك آلام غائرة، جراح نازفة، دموع مدرارة، أحزان عميقة، وجوه شاحبة، أحلام مسروقة، أماني مشنوقة، وغيوم سوداء متلبدة فوق سماء أمتنا، وهناك… وما اكثر ما هناك.
ولكن يبقى الأمل كالجبل الصامد لا تهزه رياح، ويبقى اليقين بغد مشرق تلوح تباشيره في الأفق القريب، ويبقى التفاؤل بتحقيق وعد الله، القوة التي تشحن النفوس بالعزم والهمة الذي يساعد ويساهم في تجاوز هذه المرحلة الصعبة وهذه المحطة القاسية من المحطات التي تمر بها أمتنا اليوم، تفاؤل ايجابي مبني على الثقة بالله والايمان بتحقيق وعده، فلنتفاءل ونبتسم، فاليوم عيد، ولنتفاءل ولتداعب الفرحة قلوبنا، فالمستقبل للإسلام ولهذا الدين العظيم ( ويومئذ يفرح المؤمنون)، فليس العيد الا أمل وتفاؤل وحب، فافتحوا أبوابكم على مصراعيها واقطفوا هذه الزهرات الجميلة الخلابة واستقبلوا كل الوافدين اليكم بعطرها وعبيرها وانعشوا بينكم روح الاخوة والمحبة واستنهضوا روح الايثار والتسامح والتغافر، وألقوا السلام وتلقّوه، فليس أروع ولا أجمل من سلام نتبادله في هذا الوقت العصيب، وليس أروع من تغافر وتسامح يحطم جدران الجفاء والنفور المنتصبة بين القلوب، وليس أجمل من أيادٍ تتصافح ومشاعر من نهر المحبة تتدفق، وأرواح تلتقي، ونفوس تتصافى وألسن انطلقت بشعار واحد تنطق بالتهاني والمعايدات والتبريكات مرددة: كل عام وأنتم بخير … فاليوم عيد، يوم الاطفال، بل يوم فرحتهم الكبرى التي ينتظرونها بفارغ الصبر، حيث نسائم السعادة تداعب رموشهم وترسم على وجوههم البريئة صورة جميلة من الفرح الصادق تعكس ما في قلوبهم الصغيرة التي لا تعرف التلوّن ولا النفاق، عرفوا ان العيد بهجة وسرور، فطاروا على أجنحة الفرح بالثوب الجديد، عرفوا ان العيد في العيديات، فطافوا على الاهل والاقارب والمعارف يجمعون ما تيسر لهم من عيديات، انها فرحة الاطفال، ولفرحة الاطفال رونق ومذاق خاص ، فأسعدوا الاطفال واشتروا سعادتهم بالغالي والنفيس، وزّعوا الحلوى عليهم والنقود، وعلّموهم معنى البذل والعطاء، واجعلوهم يقدمون الصدقات بأنفسهم، وعلّموهم ان العطف على المسكين والمحتاج خلق كريم، ومن واجبات المسلم تجاه اخيه المسلم، أثيروا في نفوسهم الشعور بالغير، فالعيد اعظم مناسبة للشعور بالغير، واليوم عيد فأخلصوا النية لله تعالى واطرقوا ابواب ارحامكم بمعايدة خالصة لوجه الله، واياكم ان تعتبروا هذه المعايدة ( ضريبة العيد) كما يعتبرها البعض او ( فاتورة العيد ) كما يعتبرها البعض الآخر، فإن يوم العيد هو يوم التقاء القلوب، يوم يتحقق فيه الاخاء بمعناه العملي وتظهر فيه فضيلة الاخلاص ويهدي الناس بعضهم بعضا هدايا القلوب المخلصة، فتكفي بسمة ود وحرارة مصافحة وزيارة مظللة بسحابة الأخوة، وأمنية خالصة نبعثها من كل عام وانتم بخير، فإن كانت صلة الارحام في غير ايام العيد واجبة، فهي في العيد اوجب لما لها الاثر الفعال في تقريب القلوب وريها بماء الرحمة والمودة وادخال السرور اليها.
فكم من الارحام من يأتي العيد تلو العيد وليس حصادها غير البعد والتجافي، فلا يد دافئة مواسية، ولا صوت حنون يبدد سكون الوحشة، ولا زيارة او معايدة تخمد نار الشوق وتجدد عهد الاخاء والمحبة.
فغدا أو بعد غد بإذن الله ستشرق الشمس ضاحكة مستبشرة بيوم جديد هو يوم العيد، فاجمعوا من حدائق الرحمات والبهجات أجمل زهرات، وأدخلوها الى بيوت ارحامكم واصدقائكم وجيرانكم ومعارفكم، فلا تنسوا بيوتكم واطفالكم وازواجكم ولا تبخسوهم حقهم فلهم من الفرحة نصيب، زيّنوا بيوتكم وجمّلوها بالمودة والامان، فالعيد فرح نتهادى به ونهديه ، وبسمات نزيّنها بالصدق، ودفء عاطفة يتجدد، واجتماع وتراحم وتعاون على البر والتقوى وابتسامة أمل وتفاؤل، وكل عام وانتم بخير …
ليلى غليون