ننهض بعطائنا ونتجاوز الحدود إلى فضاء العالم
تاريخ النشر: 07/11/13 | 7:31هناك من يحاول حصر الثقافة الفلسطينية العربية المحلية في حدود ال 67 على الرغم من ان الثقافة عموما لا حدود لها وهي من أهم آليات الحوار مع شعوب اخرى. تمكنت الثقافة المحلية من اختراق هذا الحصار بفعل مجهود فردي ومؤسساتي كبير خصوصا بعد سقوط الحكم العسكري، ومساهمة الاطر الحزبية في اختراق حصار المثقف الفلسطيني المحلي وأعطته فرص المشاركة والمساهمة والتعلم في دول المنظومة الاشتراكية سابقا والتي دعمت أيضا طباعة الكتب، تدريب سينمائيين وفنانين ومنح كتاب فلسطينيين المنصات العالمية من خلال مهرجانات عالمية. كما ساهمت صحف مثل "الاتحاد" ومجلة "الجديد" ومنصات أدبية مختلفة في كشف الثقافة الفلسطينية المحلية عربيا، اسرائيليا ودوليا.
وكان لمنظمة التحرير الفلسطينية ومؤسسات الحركة الوطنية الفلسطينية والأحزاب الشيوعية العربية ومنابرها الثقافية، دور كبير في اختراق الحصار. ونشأت في الثمانينيات مؤسسات ثقافية، بدعم من صندوق القدس، مثل: المؤسسة الشعبية للفنون، "عربسك"، جمعية الصوت ومؤسسة الأسوار العكية، والتي منها ما توقف عن العمل ومنها ما يواصل النشاط إلى اليوم، كما أنشئت في الفترة من بداية التسعينيات وإلى اليوم عشرات المؤسسات الثقافية وفي كافة المجالات الابداعية والفكرية والتراثية.
حالة ارتباك
طورت وزارة الثقافة الفلسطينية بعد اقامة السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1993 ومؤسسات مثل "القطان" و"التعاون" بعض مشاريع الثقافة والهوية مع جمعيات الثقافة الفلسطينية في الداخل. ورغم أن جميع المؤسسات الفلسطينية ترى وتعلن رسميا أن دعم الثقافة الفلسطينية في الداخل هو هدف استراتيجي الا انها لا تقدم الدعم بهذا المستوى من الاعتبار الأمر الذي ادى بالمؤسسات المعتمدة فقط على هذا الدعم إلى الغوص في أزمة مالية خانقة شلت عمل بعض المؤسسات.
بعد اوسلو تنافست الدول العربية على دعوة المثقفين الفلسطينيين والمؤسسات الثقافية الفلسطينية الى بعض مهرجاناتها. حيث فتحت الاردن وتونس والمغرب ومصر أبوابها لاستقبال الثقافة الفلسطينية المحلية. بدأت هذه الدول تتراجع عن استقبال وفود الثقافة منذ بدأت الانتفاضة الثانية وبالأساس بسبب حملات المقاطعة الثقافية ومناهضة التطبيع الثقافي مع الكيان الاسرائيلي وكان من ضحاياها ، بغير حق، في كثير من المواقع العربية مبدعونا وثقافتنا الوطنية في الداخل.
تتدفق بعض الاموال في السنوات الاخيرة لدعم المشهد الثقافي المحلي من بعض دول الخليج العربي. ولكن لأوساط محدودة.
بشكل عام لا يزال العالم العربي يحدد وصول الابداع الفني والأدبي الفلسطيني المحلي وحتى الفضائيات العربية وبخاصة الخليجية لا تعرض على شاشاتها أفلاما فلسطينية ولا أغنيات ولا تتابع بشكل منتظم نتاجنا الثقافي.
جبهة نضال
وأما على المحور الاسرائيلي فللمثقف الفلسطيني دور هام واستراتيجي في اختراق الثقافة الاسرائيلية وتقديم روايته ورواية شعبه وابداعه الشخصي، فنحن في الخط الأمامي بالمواجهة اليومية للفكر الصهيوني والهيمنة الثقافية وقد ترجم عدد من الكتب لأدباء فلسطينيين الى اللغة العبرية بمبادرات شخصية ويمكن الجزم ان دور النشر الاسرائيلية تتحفظ من نشر الادب العربي المحلي بحجة انعدام الاسواق أو أنها "ملتزمة". وقد باءت بالفشل محاولة "دار الاندلس" والتي ترجمت عددا من الادباء الفلسطينيين الى اللغة العبرية وأغلقت أبوابها. وفي مجالات المسرح والسينما والموسيقى والرياضة ايضا تألق مبدعون فلسطينيون بظهورهم الفني باللغة العبرية وعلى المسارح العبرية وشاشات السينما والتلفزيون ولكن في حدود هيمنة قوى الانتاج الاسرائيلية اليهودية الامر الذي ادى الى صراعات وانتهى بتوقف عدد من هؤلاء المبدعين او مقاطعة المؤسسة الفنية لهم عقابا لهم على مواقفهم الوطنية ضد الاحتلال والتمييز العنصري.
في مجال الفنون التشكيلية هناك تحديات كثيرة تعترض الفنان الفلسطيني في اساسها غياب الدعم لاقامة معارض وصالات العرض العربية التي تحتضن هؤلاء وهي تعمل بمبادرات شخصية غير ممولة ولا تستطيع ان تقدم الخدمة اللازمة للفنان كي يتواصل مع جمهور متلق لفنه. من ناحية أخرى قليلة هي الحالات التي اخترق فيها فنان اسرائيلي الفضاء الاسرائيلي اليهودي وعرض أعماله في صالات كبيرة ومتاحف. إن غيات حركة نقدية للعمل الفني وكذلك صحافة ثقافية وتوثيقية يضعف الحركة الفنية التشكيلية بعدم متابعتها وعدم مساعدتها في الوصول الى العالم الاوسع.
يمكننا الجزم ان المثقف الفلسطيني لا يستطيع ان يعتاش من الثقافة. طباعة الكتاب وتوزيعه تتم من ماله الشخصي ودور النشر المحلية تعاني من أزمة القراءة والتوزيع حيث اصبحت تستثمر في الكتب المدرسية وكتب الاطفال وكتب الطبيخ والتنجيم والابراج، بدلا من الكتاب الادبي الابداعي نثرا وشعرا.
مشاركة المثقف الفلسطيني في الحوار مع ثقافات العالم أصبح شخصيا وانهار العمل المؤسساتي خصوصا بعد انهيار العالم الاشتراكي. بذلت الخارجية الاسرائيلية جهودا كبيرة لاستغلال الثقافة الفلسطينية ولكن غالبية المثقفين والمؤسسات الثقافية رفضت ان تظهر ضمن المشروع الثقافي الاسرائيلي.
اقتراحات مستقبلية
يمكننا النهوض بالوضع الثقافي الفلسطيني المحلي من خلال تنظيم هذا القطاع واعطائه الاولوية المطلوبة. نعمل حاليا على مأسسة عملية تنسيق بين المثقفين والمؤسسات الثقافية من خلال اقامة الاطر المهنية والشبكات المطلوبة. فقد تم تأسيس منتدى جمعيات الثقافة العربية ومن المخطط تأسيس هيئة عليا للثقافة الفلسطينية في الداخل. وتعمل المؤسسات الناشطة على تنسيق الجهود مع المؤسسات الفلسطينية الرسمية والاهلية.
تتحمل المؤسسات الفلسطينية وخصوصا السلطة الوطنية مسؤولية دمج الثقافة في الداخل ضمن الحوار الثقافي مع العالم. وتتحمل مؤسسات الثقافة الفلسطينية في الداخل مسؤولية تقديم نتاجها الابداعي في الوطن والشتات.
تتحمل القوى الحزبية الفلسطينية في الداخل مسؤولية قيادة الحوار مع الانظمة والمؤسسات العربية بما يتعلق بمشاركة الثقافة الفلسطينية في المشهد الثقافي العربي الاقليمي، وهذا يعني ان تضع هذه الاحزاب الثقافة على راس سلم اولوياتها.
بدافع المواطنة وما ندفعه من ضرائب يحق لنا تحصيل الميزانيات من وزارة الثقافة الاسرائيلية وهذه معركة علينا أن نخوضها أسوة بكل معاركنا من اجل المساواة والديمقراطية ومكافحة التمييز العنصري وغيرها.
لثقافتنا دور استراتيجي هام في التأثير على الرأي العام اليهودي وتغيير انماط التفكير العنصري تجاه المجتمع الفلسطيني، الشعب الفلسطيني والمنطقة العربية والاسلامية.
مشاركة الفنان الفلسطيني في صناعة ثقافة تساهم في تغيير المفاهيم السائدة هي مهمة استراتيجية يجب عدم التنازل عنها. يتوجب على المؤسسات السياسية والحقوقية ضمان الدعم للمثقف الفلسطيني العامل على تغيير النهج النمطي والعنصري في المشهد الثقافي الاسرائيلي. يجب اعتبار هذا الدور السياسي ودعمه والتصدي لمحاولات دمغه بتهمة التطبيع.
من جهة ثانية يتحمل المثقف الفلسطيني المحلي مسؤولية عدم تبييض صفحة الاحتلال وعدم المشاركة في نشاطات ثقافية دولية ومحلية تمنح شرعية للعنصرية والاحتلال.
يتطلب الحوار مع حضارات العالم نتاجا ذا مستوي وجودة عاليين. ويتطلب ان نطور ألية عمل مهنية تسهل التواصل مع العالم وتقدم الخدمات المهنية المطلوبة للتشبيك مع العالم على مستوى الغناء والموسيقي، المسرح، الفن التشكيلي والتلفزيون والادب.
يتطلب الحوار مع العالم ايجاد الكفاءات التي تدمج بين الفن وتجنيد الموارد والعلاقات الدولية. يجب تجنيد الموارد لتوظيف منسق قطري للعلاقات الدولية للثقافة العربية.
علينا التأكيد على ان الحوار الثقافي يجب ان لا يقتصر على الحوار مع الثقافات العربية والاوروبية والامريكية فقط، بل يجب أن تصل ثقافتنا إلى الهند، تركيا، روسيا، افريقيا وجنوب امريكا وهذه مهمة مركزية علينا اعطاءها الاهتمام المطلوب، ونتوجه إلى الجاليات الفلسطينية في كل أنحاء العالم لتكون عنوانا لمبدعينا ومضيفا لهم في الدول التي يعيشون بها لكي تكون وحدة الثقافة الفلسطينية حقيقية ومتمكنة بحضور احد أهم أركانها: الثقافة القادمة من الجليل والكرمل والمثلث والنقب.
هذه هي رسالتنا الحضارية الثقافية الوطنية في هذا اليوم الدراسي. إلى انفسنا اولا وإلى شعبنا وأمتنا العربية وإلى العالم، كل العالم.