قراءة في المشهد الانتخابي المحلي
تاريخ النشر: 08/11/13 | 23:56من نافلة القول، ان الانتخابات الأخيرة للسلطة المحلية حملت بداخلها، وفي طياتها، آفات خطيرة وظواهر مدمرة لها انعكاسات سلبية على تطور ورقي ونهضة مجتمعنا العربي، ومستقبل العمل السياسي الحزبي والأهلي المدني في هذه البلاد. وهي ظواهر تكشف بكل وضوح وجلاء عمق الأزمة الحادة الراهنة التي تجتاح مجتمعنا، أزمة فكر، وأزمة أخلاق، وأزمة قيادة، وأزمة تنظيمات سياسية.
لقد أثبت المشهد الانتخابي المحلي الأخير ان الثقافة السياسية السائدة هي ثقافة عصبوية قبلية عائلية حمائلية عشائرية وطائفية، وان الانقسامات الاجتماعية، التي تكرس الانتماءات التقليدية، تدق مساميرها في نعش العمل الحزبي والتنظيمي. فقد عادت العائلية والطائفية السياسية وكشرت عن أنيابها من جديد، وبقوة، وبرز التفسخ الاجتماعي والاحتراب الحمائلي، قياساً بالثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي، عندما انتصرت الجبهات المحلية في العديد من الأماكن والمواقع. كذلك اتسعت رقعة المحسوبيات واللهاث وراء المصالح الانانية والفردية الضيقة، وانتشرت أساليب الاغراء والاغواء وشراء الذمم والضمائر والأصوات واستغلال اصحاب الاحتياجات الخاصة وضعاف النفوس، فضلاً عن تلاشي القيم والمعايير الاخلاقية، التي نشأنا وتربينا عليها وشربناها مع الحليب من أمهاتنا. في حين هزمت الأحزاب والقوى والتيارات السياسية الفكرية والعقائدية، التي كانت فاعلة على الساحة. ولا أغالي إذا قلت، انها اندحرت وتهاوت في هذه الانتخابات، وخاصة الجبهة الديمقراطية، التي تلقت ضربة قوية في اعقاب الهزة السياسية العنيفة بفوز علي سلام من الجولة الأولى، الذي انشق عنها، وخسارتها للمجلس البلدي في الناصرة، الذي ظلت في ادارة شؤونه لأكثر من اربعين عاماً.
ان الأمر الغريب والمؤلم، هو الموقف الانتحاري، السياسي والاجتماعي والأخلاقي، والعمل المعيب والمخجل، الذي مارسته وقامت به قيادة الجبهة ورامز جرايسي، بالتوجه الى المحكمة لمنع نشر نتائج الانتخابات إلا بعد فرز أصوات الجنود..!. فهذا العمل فاق كل التوقعات، وشكل صدمة كبيرة لكل الشرفاء والعقلاء، وللقوى والأوساط الوطنية الغيورة على الجبهة صاحبة التاريخ النضالي والوطني والسياسي، التي لم تستوعب بعد مثل هذا الموقف المخزي والمشين، الذي يفتقر للمصداقية الأخلاقية والفكرية والسياسية والعقائدية، وأضر بها، وأساء الى تاريخها العريق.
وإذا كان التجمع الوطني أحرز بعض النجاحات في بعض المواقع إلا انه تراجع أيضاً. وقد خسرت النائب حنين الزعبي المنافسة الانتخابية لرئاسة المجلس البلدي في الناصرة، وعادت بخفي حنين الى الكنيست بعد ان أشبعتنا كلاماً وتنظيراً وأوهاماً بأنها قاب قوسين أو أدنى من الرئاسة، ويا دوب حصلت على حوالي اربعة ألاف صوت..! كما ان التجمع ذاب في قلب قوائم عائلية ومستقلة، كما حدث في ام الفحم، حيث انخرط في قائمة الشيخ خالد حمدان، الذي خرج على قرارات الحركة الاسلامية وخاض الانتخابات بدونها شكلياً، ولكن في العمق ووراء الستار بدعمها ومؤازرتها.
أما بالنسبة للحركة الاسلامية فقد غابت واختفت عن الساحة الانتخابية بعد أفول نجمها، الذي سطع في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.
وفي قراءة لمجريات ومسار المشهد الانتخابي يستدل أن المرشحين للرئاسة فاق عددهم كل التوقعات والتصورات، ما يثبت ويؤكد ان رئاسة السلطة المحلية أصبحت في زماننا أكبر مشروع اقتصادي استثماري، وأهم مركز للنفوذ والسيطرة والوجاهة الاجتماعية.
وفي المقابل برزت في هذه الانتخابات مشاركة المرأة في الحملات الانتخابية والدعائية، رغم تهميشها في أماكن العضوية. وكان للشباب الحضور الساطع والمؤثر والمشاركة الفعالة والدور البارز والهام في الحراك الانتخابي، والمساهمة في صنع واتخاذ القرار وتنفيذه، وفي عملية التحشيد وجلب الأصوات يوم الانتخابات الى صناديق الاقتراع سعياً لاحداث التغيير المرتجى والمشتهى.
وعلى ضوء ما تقدم يمكننا القول بالمختصر المفيد، ان الصراع والتنافس على السلطة المحلية لم يكن تنافساً سياسياً، بل هو صراع على المناصب والمقاعد والغنائم. وان العائلية والطائفية السياسية التي تسيطر على المشهد الانتخابي، ويساهم في تجذيرها وتعميقها أناس ينتمون الى شريحة “المثقفين” و”الاكاديميين، ويشاركون في برايمرز العائلة أو القبيلة، هي وباء اجتماعي يجب التخلص منه واستئصاله من حياتنا، لكي ننهض بمجتمعنا ونبني واقعاُ مختلفاُ وجديداُ. وعلى الأحزاب السياسية التي هزمت واندحرت، وفي مقدمتها الجبهة الديمقراطية، اجراء مكاشفة حقيقية وشفافة، ونقد ذاتي، وجلد للذات، وحساب للنفس، لمجمل مسيرتها واجندتها ومواقفها، والتعلم من الأخطاء المتراكمة، واستخلاص العبر من افرازات المنافسة الانتخابية. عدا عن الانفتاح على الآخرين وقبول مبدأ التعددية السياسية والفكرية، وتغيير النهج والتكتيك السياسي، والاقتراب من الناس وهمومهم، وسماع نبض الشارع، والمشاركة في المناسبات الاجتماعية، والقيام بمبادرات جديدة وانشطة وفعاليات تعيد ثقة الناس بها.