صدمة خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي وأثرها على الأسواق المالية
تاريخ النشر: 13/07/16 | 0:01أن الانفصال البريطاني سيكبح جماح مشروعات أميركية كبرى في بريطانيا، إذ تتخذ الشركات من بريطانيا بوابة للتجارة الحرة مع أوروبا وهو ما لم يعد قائما بعد اليوم. أن المخاوف مبالغ فيها، وهي محاولة مقصودة لتخويف الناس والمستثمرين.
إن خطوة يقوم بها أحد أعضاء الاتحاد للخروج منه منطقة اليورو يمكن أن تزعزع الاستقرار بشكلٍ خاص، وكذلك حتى مع احتمال أن يتخلى بلد معين عن العملة المشتركة يمكن أن يتسبب بتهافت على سحب الودائع من المصارف والهجومات التوقعية على الدين السيادي للدولة وعلى الدول الأخرى التي قد تفكر في السير على الخطى ذاتها.
ولعبت لندن دورا مهما في إضفاء الطابع الدولي على اليوان الذي يعرف أيضا باسم الرينمنبي. وكانت العاصمة البريطانية ثاني أكبر مركز لتسوية المعاملات الخارجية باليوان في العالم في مارس آذار وفقا لما قالته جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت). وعلى مدى السنوات الخمس الأخيرة أسست البنوك الصينية الكبرى بنية تحتية واسعة لتداول اليوان وتسوية معاملاته في لندن كما شهدت العاصمة البريطانية في يونيو حزيران إدراج أول سندات سيادية صينية باليوان تصدر خارج الصين.
ولكن مع بدء استقرار الأمور يرى بعض المصرفيين والمحللين أن حالة التشاؤم كان مبالغا فيها. ولا يعني ذلك أنه لن يكون هناك تأثير لكن تلك الخطوة قد تشجع الصين على تعزيز تداول اليوان في مدن البر الرئيسي الأوروبي ومن ثم توسيع النطاق العالمي لتداول العملة. إنّ التحدي الذي سيواجهه القادة الأوروبيون هو أن يحافظوا على استمرارية عملية التوحيد الشاملة، بينما يبحثون عن وسائل لمواجهة مخاوف الدول التي يُحتمل أن تترك الاتحاد. من المشاكل التي يمكن إعادة مراجعتها نذكر التزام الاتحاد الأوروبي بالسماح للأفراد بحرية التنقل التامة عبر الحدود،
الذي يعتبر مبدأ سياسياً أكثر منه اقتصادياً؛ وفكرة أن المملكة المتحدة قد فقدت السيطرة على حدودها كانت من الحجج الأكثر فعالية للتصويت لخروج المملكة من الاتحاد، بالإضافة إلى استغلال التيارات الانفصالية في أماكن أخرى لهذه المسألة. على الصعيد العالمي،
تنعكس صدمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بمعظمها على الأسواق المالية، في ظل بيع المستثمرين للأصول الخطرة كالأسهم واحتشدوا في الملاذات التي يُفترض أنها آمنة كالدولار والدين السيادي للولايات المتحدة وألمانيا واليابان. قد يكون المستثمرون أكثر تجنباً للمخاطر مما كانوا ليكونوا عليه في خلاف ذلك لأنهم يدركون أنّ المساحة المتاحة أمام المصرفيين المركزيين في الاقتصاديات المتقدمة لتسهيل السياسة النقدية هي أقل مما كانت عليه في الماضي.
ومن بين البلدان الأكثر تضرراً هي اليابان حيث المعركة ضدّ الانكماش قد تنتكس في ظل ارتفاع الين وانخفاض أسعار الأسهم اليابانية.إنّ حالة عدم اليقين هذه ستكسد تشكيل الأعمال، والاستثمارات الرأسمالية، والتوظيف. في الواقع، بدأت هذه الانعكاسات تظهر حتى قبل التصويت. إنّ التباطؤ الاقتصادي الذي ستشهده المملكة المتحدة سيتفاقم بسبب انخفاض قيمات الأصول (كالمنازل والعقارات التجارية والأسهم) وتناقص الثقة من جانب الأسر والشركات. ومن المفارقات، قد يشكّل الانخفاض الحاد في قيمة الجنيه الإسترليني مخففاً للصدمة في هذه المرحلة في حال عدم حدوث تغيرات، إذ سيجعل الصادرات البريطانية أكثر قدرة على المنافسة.
إن هبوط الإسترليني إلى أدنى مستوى له في 31 عاما الجمعة الماضي – وقال الملياردير جورج سوروس الذي اشتهر بالمراهنة على هبوط الجنيه في 1992 إن الإسترليني قد ينخفض إلى 1.15 دولار – سيؤدى إلى تكوين أغلب البنوك المصرية وخصوصاً ذات رؤوس الأموال الأجنبية لمخصصات لوجود فروق تقييم عملة أجنبية بالسلب بأغلب البنوك التي تمتلك أصول بالعملات الأجنبية وخصوصاً بالإسترليني واليورو وهو ماسيؤثر سلباً على صافى أرباحها. إن المستثمرين يفضلون الاستقرار والجوانب اليقينية وعدم وجود شك، وفي حال البقاء ضمن الاتحاد فلن يكون هناك أي تعويم أو فقدان قيمة للجنيه الإسترليني، وكذلك فيما يتعلق بالمفاوضات والاتفاقيات التجارية والاستثمارات الأجنبية المباشرة.
أما على المدى الطويل، فستتبدّد حالة عدم اليقين هذه، بيد أنّ التكاليف الاقتصادية على المملكة المتحدة ستبقى أعلى من الفوائد. ستكون الخدمات المالية وغيرها من الصناعات ذات التوجه العالمي، والتي تعتمد على الوصول غير المقيد إلى الأسواق والتبادلات الأوروبية، تحت الضغط. وفي الوقت نفسه، ستكون المكاسب المزعومة من تحرير المملكة المتحدة من يد بروكسل القوية على المستوى التنظيمي محدودة، لأنه سيكون على بريطانيا على الأرجح أن تقبل معظم تلك القواعد (من دون القدرة على التأثير عليها) كجزء من اتفاقيات التجارة المعاد هيكلتها. ليست الهجرة شائعة كثيراً في المملكة المتحدة، وإبطاؤها كان دافعاً للبعض ممن صوتوا للخروج من الاتحاد الأوروبي، ولكن من شأن قوة عمالية تنمو بوتيرة أبطأ أن تقلل أيضاً من النمو الاقتصادي العام.
وبلغت واردات بريطانيا إلى مصر خلال النصف الأول من العام المالي 884,7 مليون دولار مقابل 1003,8 مليون دولار خلال الفترة المقابلة من العام وبلغت الاستثمارات الواردة من بريطانيا خلال السنوات المالية الخمس الماضية 24.2 مليار دولار تشكل 43.8% من إجمالي الاستثمارات الداخلة إلى مصر والتي بلغت 55.2 مليار دولار كما بلغت الاستثمارات الواردة من بريطانيا خلال النصف الأول من العام المالي الحالي 2.4 مليار دولار تشكل نسبة 40% من إجمالي الاستثمارات الداخلة إلى مصر والتي بلغت 6 مليار دولار خلال النصف الأول من العام المالي الحالي.
إن الدول الأوروبية ستفكر في الاستفادة من هذه الأزمة دون منح بريطانيا صفقة خروج جيدة تشجع دولا أخرى على مغادرة الاتحاد.لان هناك خطابا محافظا ذا نزعة “يمينية كنسية” يسيطر على الأجواء السياسية في أوروبا، بعدما ابتعدت الليبرالية نسبيا، وهو ما ينعكس سلبا على تركيا. كما أن الخروج قد يؤثر على المنافسة، إذ إن أي شركة بريطانية تريد الاستحواذ على شركة في الاتحاد عليها الحصول على موافقة سلطات منع الاحتكار في بريطانيا وفي الاتحاد، ما يعني كلفة قانونية أكبر ومخاطر الحصول على حكم مختلف من الجهتين. وسيسمح الخروج لبريطانيا بتقديم الدعم لأي من قطاعات اقتصادها دون الحصول على موافقة بروكسل، لكن في المقابل لا يمكنها أن تعترض على أي دعم ممكن أن تقدمه دول الاتحاد لشركاتها الكبرى.
وفي قطاع الطاقة، قد يؤدي خروج بريطانيا إلى رفع تكلفة الاستثمار في القطاع وتأخير المشاريع الجديدة، في ظل عجز متوقع في المعروض من الطاقة الكهربائية في البلاد. وسيتردد المستثمر في قطاع الطاقة، فضلاً عن أنباء حول تحذير شركتي شل وبي بي بخصوص الخروج. أنه لابد من التوافق على إحداث تغييرات سياسية في الاتحاد الأوروبي تتوافق مع التفضيلات البريطانية خاصة فيما يتعلق بقواعد الرفاهية الاجتماعية الخاصة بالعمال المهاجرين والسماح للبرلمانات الوطنية بالعمل على تحدي مقترحات ومشروعات القوانين الصادرة من المفوضية الأوروبية. فقد عرض رئيس مجلس أوروبا – هو مجلس استشاري أنشىء في 1949 لمناقشة القضايا الأوربية والعالمية – دونالد توسك مقترحات مهمة على أمل إبقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي, من بينها الإعانات الاجتماعية للعمال المهاجرين لمدة اربع سنوات, وتأمين حمايه للدولة التي ليست ضمن مجموعة اليورو.
الدكتور عادل عامر