مصر: اختفاء وتعذيب المئات وسط موجة من القمع الوحشي
تاريخ النشر: 13/07/16 | 14:39يستعرض التقرير بالتفصيل سبعة عشر حالة لأشخاص تعرضوا للاختفاء القسري، وتم إيداعهم بمعزل عن العالم الخارجي لمدد تتراوح بين عدة أيام وعدة أشهر، مع حرمانهم من الاتصال بمحاميهم أو أهاليهم، ودون أي إشراف قضائي مستقل.
كما يتضمن التقرير روايات مروعة عن تعذيب الضحايا خلال جلسات الاستجواب التي تصل إلى سبع ساعات؛ وذلك بغرض انتزاع “اعترافات” تستخدم لاحقا كدليل ضدهم خلال استجوابهم أمام النيابة، والتوصل إلى الإدانة في المحاكمة. وفي بعض الحالات كان أولئك الذين تعرضوا للتعذيب من الأطفال.
من أكثر هذه الأمثلة الصادمة: حالة مازن محمد عبد الله الذي تعرض للاختفاء القسري، وهو في الرابعة عشرة في سبتمبر/أيلول 2015، وتعرض لانتهاكات بشعة مثل الاغتصاب المتكرر بعصا خشبية بغرض انتزاع “اعتراف” ملفق منه.
كما تعرض آسر محمد، الذي كان يبلغ من العمر 14 عاما أيضا عند القبض عليه، للضرب والصعق بالكهرباء على جميع أنحاء الجسد، والتعليق من الأطراف، بغرض انتزاع “اعتراف” ملفق؛ وذلك عندما اُخفي قسرياً لمدة 34 يوما في يناير/كانون الثاني 2016 في مقر الأمن الوطني بمدينة السادس من أكتوبر بالقاهرة الكبرى. وفي النهاية، تم عرضه على أحد وكلاء نيابة أمن الدولة الذي أنذره أنه قد يتعرض للمزيد من الصعق بالكهرباء عندما حاول التراجع عن “اعترافاته”.
هذان الفتيان كانا من بين خمسة أطفال تعرضوا للاختفاء القسري لمدد بلغت 50 يوما، ويوثق هذا التقرير حالاتهم. وفي بعض الحالات، عندما كانت النيابة العامة تفرج عن الطفل، كانت قوات الأمن تخضعه للاختفاء القسري مرة ثانية قبل توجيه تهم جديدة إليه.
وفي حالات أخرى، ألقي القبض على بعض أفراد الأسر بغرض الضغط على المطلوب الأصلي للإدلاء “باعتراف”. ففي يوليو/تموز 2015، ألقي القبض على عاطف فراج مع ابنه يحيى البالغ من العمر 22 عاما. وتعتقد أسرتهما أن عاطف قبض عليه لمشاركته في أحد الاعتصامات، أما ابنه الذي يعاني من إعاقة فقد قبض عليه للضغط على الأب “للاعتراف” بجرائم خطيرة. وقد احتجز كلاهما مدة 159 يوماً، وهما الآن متهمان بالانتماء إلى “جماعة الإخوان المسلمون” المحظورة.
جدير بالذكر أنه قد حدث ارتفاع حاد ملحوظ في استخدام الاختفاء القسري في مصر منذ تعيين مجدي عبد الغفار وزيراً للداخلية في مارس/آذار 2015، والذي كان قد خدم قبل ذلك في مباحث أمن الدولة، التي تعد بمثابة جهاز الشرطة السرية المعروف بانتهاك حقوق الإنسان خلال حكم مبارك، والذي تم حله بعد انتفاضة 2011، وسمي بالاسم الجديد “قطاع الأمن الوطني”.
وفي حالة مروعة، هي حالة إسلام خليل البالغ من العمر 26 عاما، تعرض إسلام للاختفاء القسري لمدة 122 يوماً في عام 2015، حيث ظل معصوب العينين مقيد اليدين طوال هذه المدة، كما تعرض للضرب المبرح، والصعق بالكهرباء في مناطق مختلفة من الجسم، منها الأعضاء التناسلية، كما تم تعليقه عاريا من الرسغين والكاحلين لساعات في المرة الواحدة على أيدي المحققين بقطاع الأمن الوطني بمدينة طنطا الواقعة إلى الشمال من العاصمة القاهرة، حتى كان يغيب عن الوعي.
وذات مرة قال له المحقق: “انت فاكر ان ليك ثمن، احنا ممكن نقتلك ونلفك في بطانية ونلقيك في أي صندوق زبالة، ولن يسأل عنك أحد”.
بل إن ضابطاً آخر دعاه إلى أن النطق بالشهادتين خلال صعقه بالكهرباء.
وقد نقل إسلام لاحقاً إلى مقر الأمن الوطني في لاظوغلي بقلب القاهرة، الذي يصفه بأنه “الجحيم”، حيث قضى 60 يوماً تعرض خلالها للمزيد من التعذيب.
ومن المقدر أن المئات محتجزون بمقر الأمن الوطني في لاظوغلي – أسوء مكان اعتقال حسبما قال المعتقلون – والذي يقع داخل مقر وزارة الداخلية. ويقع هذا المقر على مسافة قريبة من ميدان التحرير الشهير بالقاهرة، حيث تظاهر الآلاف منذ خمس سنوات احتجاجاً على التعذيب والوحشية التي كانت قوات الأمن تمارسها في عهد مبارك.
وكان اختفاء الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، الذي عثر عليه ميتاً في القاهرة، في يناير/كانون الثاني 2016، وبجسده آثار تعذيب، قد لفت انتباه الإعلام الدولي. إلا أن السلطات المصرية أنكرت مراراً أن لها يداً في اختفائه ومقتله، لكن تقرير منظمة العفو الدولية خلص إلى أن التطابق بين إصاباته، وإصابات المصريين الذي ماتوا داخل أماكن الاحتجاز، توحي بأن موته ليس إلا بداية خيط، وأنه قد يكون جزءاً من نمط موسع للاختفاء القسري يستخدمه قطاع الأمن الوطني، وغيره من أجهزة الاستخبارات في شتى أنحاء مصر.
وإلى جانب رفع معدلات خطر التعذيب، وغيره من ضروب سوء المعاملة، وحرمان الضحايا من الحماية القانونية، فإن الاختفاء القسري له أيضا تأثير مدمر على أسر الضحايا الذين يجهلون مصير ذويهم.
وقال فيليب لوثر: “يجب على الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يأمر جميع الأجهزة الأمنية بالدولة بإيقاف الاختفاءات القسرية والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، والتنبيه بأن من يأمر بهذه الانتهاكات أو يرتكبها أو يتواطأ فيها سيقدم إلى العدالة”.
“كما يجب السماح لكل من لا يزالون في هذه الظروف بالاتصال بمحاميهم وأهاليهم. أما المحتجزون، لمجرد ممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير والتجمع، فيجب الإفراج عنهم فوراً بدون قيد أو شرط”.
كما يدعو التقرير الرئيس السيسي إلى الإسراع بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة للتحقيق في كافة مزاعم الاختفاء القسري والتعذيب وغيره من سوء معاملة المعتقلين من جانب قطاع الأمن الوطني وغيره من الأجهزة، مع تخويلها صلاحية التحقيق مع كافة الأجهزة الحكومية، بما في ذلك القوات المسلحة، ودون أي تدخل في عملها.
التواطؤ والخداع
يرسم التقرير صورة شديدة الإدانة للنيابة العامة في مصر، التي خلص إلى أنها تقبل بأدلة يرقى إليها الشك، مقدمة من قطاع الأمن الوطني الذي دأب على تزوير تواريخ القبض لإخفاء المدة الزمنية التي يقضيها المعتقلون في ظل ظروف الاختفاء القسري. كما يذهب التقرير إلى أن النيابة تستند في توجيه الاتهام إلى “اعترافات” منتزعة بالإكراه، ولا تقوم بالتحقيق في مزاعم التعذيب فلا تأمر، مثلاً، بتوقيع الكشف الطبي وتسجيل نتائجه في الأوراق الرسمية. وفي الحالات النادرة التي أحالت فيها النيابة العامة بعض المعتقلين إلى فحص طبي مستقل لم يكن يسمح لمحاميهم بالاطلاع على نتائج الفحص.
وقال فيليب لوثر: “إن التقرير يوجه نقداً لاذعاً للنيابة العامة في مصر، التي تواطأت في هذه الانتهاكات، وأخلت إخلالاً بالغاً بواجبها طبقا للقانون المصري في حماية الناس من الاختفاء القسري، والقبض التعسفي، والتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة. وإذا لم يتم إصلاح النيابة العامة لضمان استقلالها عن السلطة التنفيذية فسوف تظل غير مؤهلة لتحقيق الغاية المرجوة منها”
وقال فيليب لوثر: “إن جميع الدول، وخاصة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، يجب عليها استخدام نفوذها للضغط على مصر لكي تنهي تلك الانتهاكات المفزعة، التي ترتكب زوراً بذريعة الأمن ومكافحة الإرهاب”.
“وبدلا من الاستمرار في إمداد مصر بالمعدات الأمنية والشرطية بوتيرة عمياء، يجب على هذه الدول وقف كافة شحنات الأسلحة والمعدات التي تستخدم لارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في مصر، وذلك حتى يتم وضع ضمانات فعالة ضد إساءة استخدامها، وإجراء تحقيقات شاملة ومستقلة، وجلب هؤلاء المسؤولين عن تلك الانتهاكات إلى ساحة العدالة”.