المطالبة بتقديم بوش و بلير للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة غزو العراق

تاريخ النشر: 14/07/16 | 0:12

إن تدمير العراق، من خلال تدمير المؤسسات المدنية، وعمليات الاضطهاد السياسي، التي تبعت الغزو، تمثل عدداً من الحالات القانونية التي يمكن استخدامها في تحضير ملف إدانة بلير وبوش. إن تدمير البنية التحتية العراقية أثَّر على الخدمات الأساسية التي حرمت المواطنين العراقيين من الحياة الإنسانية الكريمة، بما في ذلك المستشفيات ومراكز العلاج الصحي. كما أن الغزو، دمر التراث الثقافي العراقي بواسطة النهب والسرقة والتدمير التي تعرضت لها المتاحف والمؤسسات الثقافية العراقية، خاصة المتحف العراقي الذي يحتوي على معظم تراث العراق الإنساني. ومثلما فشل الغزاة في حماية المؤسسات المدنية، فقد فشلوا في حماية المعالم التاريخية، بما في ذلك المتاحف والمكتبات. وإن البريطانيين شجعوا على النهب في البصرة، الذي نجم عنه عمليات سرقة وتدمير كبيرة، وهذه الأفعال تعتبر خرقاً لعدد من المواثيق التي تلزم المحتل والغازي بحماية واحترام السكان الذين وقع عليهم الاحتلال والغزو.
كما أن أمريكا وبريطانيا، من خلال السيطرة على موارد العراق وأرصدته، قد انتهكتا قوانين محكمة جرائم الحرب الدولية. وأسرى الحرب يُربطون بأسلاك بلاستيكية. وهذا التصرف يعتبر خرقاً لميثاق جنيف. وتكميم الأسرى بأكياس بلاستيكية تحرمهم من الهواء النقي، لهو من مظاهر التعذيب وخرق واضح لمواثيق دولية تدعو لمعاملة إنسانية للأسرى. واستخدام الكلاب لترويع الأسرى وتخويفهم.
كما استخدمت الكلاب الضخمة في الدوريات البريطانية والأمريكية في الأحياء العراقية، الأمر الذي ترك أثراً على مشاعر العراقيين. وهناك حالات كثيرة عن معاملة الأسرى والمعتقلين التي استخدم فيها المحتلون أساليب عديدة لإذلالهم وتعذيبهم مثل الوقوف ساعات طويلة.
وعاش العراقيون كذلك حالة من الحصار بسبب الإجراءات القاسية أثناء الدوريات وعمليات المداهمة والتفتيش الليلي التي لم تراع حرمة البيوت. وكان الجنود يقتادون الرجال والشباب العراقيين مقيدين معصوبة أعينهم. أما إطلاق النار العشوائي، فلم يأخذ بعين الاعتبار وجود مدنيين، ويجعل البريطانيين شركاء في تصرفاتهم. والأدلة كثيرة على تصرفاتهم العشوائية. وسجلت الكاميرات الكثير من الحالات التي لم يحترموا فيها حرمة الموتى العراقيين، حيث كانوا يدوسون على رؤوس الجثث ويلتقطون الصور أمامها.
كما استخدم البريطانيون والأمريكيون علامات حبر لتعليم المعتقلين على صدورهم أو رؤوسهم، أي مثل تعليم الحيوانات. هذا ناهيك عن حالات القتل العشوائي، مثل عملية القصف الأمريكي لعرس في الصحراء، وقتل أطفال يلعبون في شارع حيفا. واستخدام القنابل العنقودية وأثر إشعاع اليورانيوم علي حياة العراقيين. كما جلب الأمريكيون جيشاً من المتعهدين جنود الحراسة الأمنية «المرتزقة». واستبعادهم من العقوبات عندما تخرق القوانين. أما عن عملية احتلال الفلوجة في نوفمبر من العام 2004 فهي عملية انتقام
لذلك إن التقرير التي أعلنته لجنة التحقيقات التي شكلت منذ عام 2009 في بريطانيا؛ لبحث وتحديد المسؤوليات عن اشتراك بريطانيا في الحرب على العراق ضمن التحالف غير الشرعي، الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية لغزو العراق في العام 2003.فقد أوضح التقرير عدم وجود أي أسباب مقنعة وراء هذه الحرب، وأن كل المعلومات التي استند إليها رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في هذا الوقت كانت خاطئة، وحملته المسؤولية كاملة عن دخول هذه الحرب، والاشتراك في هذا الغزو، بل إن التقرير تضمن – صراحة – أن الولايات المتحدة وبريطانيا احتلتا العراق طوال سنوات الغزو.
كما أن عشرات الآلاف من البريطانيين تظاهروا عقب إذاعة هذا التقرير؛ للمطالبة بمحاكمة توني بلير لمسؤوليته عن قرار دخول بريطانيا الحرب، والمشاركة في هذا الغزو، في ظل صمت أمريكي من بلد الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان على مجرم الحرب الأول، جورج دبليو بوش، الذي قاد هذا الغزو بمزاعم كاذبة، عن وجود أسلحة دمار شامل في العراق، رغم يقينه هو وحلفاؤه بكذب هذه المزاعم.
وأسفرت جرائم غزو العراق عن سقوط أكثر من مليون شهيد وملايين المصابين والنازحين واللاجئين، وكانت على مرأى ومسمع من العالم، الذي لم يحرك ساكنا وكانت بداية الحرب الأهلية والطائفية والمذهبية والعرقية في العراق، ثم في ظهور التنظيمات الإرهابية وأصحاب الفكر المتطرف كداعش وغيرها الذي غذته ومولته وسلحته أجهزة المخابرات الغربية وحلفاؤها ثم امتد وانتشر الإرهاب كالسرطان في جسد الأمة العربية كلها حتى ضربت الفوضى أطنابها في طول البلاد وعرضها.
كل ذلك بغرض تمزيق الأمة العربية، وتحويلها إلى دويلات واهنة لصالح الكيان الصهيوني المتحالف مع الإمبريالية الدولية، متزامنا مع حملات شعواء ضد الإسلام والمسلمين لوصمهم جميعا بوصمة الإرهاب.
وجاء التقرير من لجنة التحقيقات البريطانية، كاشفا للمؤامرات المستمرة التي تحاك ضد الوطن العربي والشرق الأوسط، لتحقيق الأطماع الغربية والصهيونية، في الاستيلاء علي هذه الأوطان، ونهب ثرواتها واستعباد شعوبها، ومن العجيب أن يعين توني بلير نفسه رئيسًا للرباعية الدولية لحل المشكلة الفلسطينية ولا عجب أن طوال هذه السنوات لم تفعل هذه الرباعية أو تقدم شيئًا للشعب الفلسطيني المحتل بل كان التواطؤ واضحًا مع المحتل الإسرائيلي.
لذلك إن ما آلت إليه الأحداث؛ ليستوجب سرعة التحرك من الجمعية العمومية للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي باعتبارهما معنيين بالسلم والأمن الدوليين؛ للمطالبة بما يلي:
1- سرعة تقديم المسئولين عن غزو العراق، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي الأسبق ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق للمحكمة الجنائية الدولية باعتبارهم مجرمي حرب.
2- تكليف لجنة دولية بحصر كل الخسائر المادية والاقتصادية والسياسية التي تكبدها العراق منذ الغزو، وإلزام أمريكا وبريطانيا بدفع كل التعويضات المناسبة عن هذه الخسائر.
3- استصدار قرار ملزم بعدم التدخل عسكريا تحت أي مظلة من دولة على أخرى، وتحت أي مسمى لا بد من موافقة جماعية من الجمعية العامة للأمم المتحدة.
4- تقديم الدعم المادي والعسكري واللوجستي للعراق بموافقة حكومته في حربه ضد الإرهاب وتقديم كل العون اللازم للجيش والشرطة العراقية لعودة الأمن والاستقرار، ولم شمل الوطن الممزق.
5- كما تطالب اللجنة جامعة الدول العربية إدراج هذا الموضوع على جدول أعمال القمة العربية المزمع عقدها بعد أيام في موريتانيا؛ لتأكيد دعم العراق، والحفاظ على وحدة أراضيه في مواجهة المخططات الاستعمارية والإرهابية على حد سواء.
“يجب أن تحرَّم الحرب، و أن يكون هذا هدف نضالنا الآن. نعم، علينا النضال من أجل العدالة والتخلص من الاضطهاد، ومن الهيمنة الاقتصادية، ولكن يجب علينا أولا إزالة خطر الحرب. فما دام هذا السيف مسلط على رؤوسنا لا يمكن أبدا أن نتقدم لضمان مصالح بلداننا. ولذلك يجب أن يتم تحريم الحرب. ويجب أن يتم ذلك بجهود قوات متعددة الأطراف تحت سيطرة الأمم المتحدة. يجب ألا يسمح لأي دولة واحدة أن تلعب دور الشرطي في العالم، ناهيك عن تقرير ما يتعين اتخاذه من اجراءات، و متى. “أن تجريم السلوك العدواني الدولي و الحروب والجرائم ضد الإنسانية تهدف لإغاثة ضحايا الشعوب، وخصوصا العراقيين، الذين كانوا على وشك التعرض للهجوم، والفلسطينيين، الذين عانوا طويلا من الطرد الجماعي والاحتلال الغاشم. ويبدو أن شنّ الولايات المتحدة حربها العدوانية ضدّ العراق قد رسخّت بضرورة تجريم الحروب
لقد دفع العراقيون الثمن الباهظ لهذا القرار وانزاحت الكوارث أيضاً إلى سوريا بعد الفراغ الأمني الذي صنعته الثورة على النظام فيها، كما ترك الحدث بصماته على أوضاع فلسطين والأردن ومصر ودول الخليج وحتى دول شمال إفريقيا العربية.
لقد أدّى التكسّر الهائل الذي تعرّض له السنّة العرب في العراق إلى تغذية ماكينات التطرّف والإرهاب والنزاع الإقليمي مع الشيعة وإيران والأكراد، وأسهم، من ثم، في تحوّل الحدث المحلّي إلى جرح عالميّ متنقّل بفعل المظلومة الكبيرة التي تعيشها شعوب المنطقة تحت وطأة أنظمتها والهيمنة الإيرانية على مقدرات أربعة بلدان عربية.
على عكس الحروب السابقة التي قادت إلى ازدهار صناعات أمريكية كبرى فقد ساهمت حرب العراق في خسائر كبيرة للاقتصاد الأمريكي قدّرت بأكثر من تريليون دولار، وهو ما كان له دوره في فترة الركود الاقتصادي التي تبعت الحرب؛ وبدل السيطرة التي كان يسعى لها الأمريكيون على حقول النفط فقد التهبت الآبار وحوصرت المدن والتهب العراق بالمقاومة العنيفة فتصاعدت أسعار الوقود مما أعاد الدور الروسيّ بقوّة للمنصّة العالمية، وبدلاً من «نهاية التاريخ» المفترضة التي كانت أمريكا طامحة فيها لفرض «ديمقراطيتها» بقوة السلاح وإعلان سيطرتها الكاملة على العالم عادت ظاهرة الأقطاب الدوليين للانتعاش وصار على أجندات الدفاع الأمريكية أن تواجه الصين وروسيا ودول اتفاقية «بريكس»، كما فتح ثغرة كبيرة في مصداقية السياسيين البريطانيين رأينا نتائجها في قرار الخروج من أوروبا، إضافة إلى الالتهاب الكبير في المنطقة العربية.
يصرّ بلير مثل شخص منوّم مغناطيسيّاً على القول أن العالم صار أحسن بعد سقوط صدام حسين ولكن الحقيقة الفاضحة أن العالم صار أسوأ بكثير، وفي حالتنا، كعرب، فقد دمّر قرار بوش وبلير حياة أجيال قادمة وخلخل أسس المنطقة العربيّة وأمّن لإيران هيمنة سهلة على مقدّرات العراق وسمح لروسيا بأن تزيد نفوذها على المنطقة العربية وتحتلّ سوريا عمليّاً، وسمح باشتداد قبضة إسرائيل المطلّة على خراب عربيّ هائل بحيث تنحسر إمكانيات التسوية العادلة، وأعطى عمراً أطول لأنظمة الاستبداد العربية.
لقد أنجز بلير، من خلال تبعيّته المذلّة لبوش كارثة لا حدود لها ولكننا، نحن العرب، من دفع ثمنها الأكبر. أي تجاوب إزاء مطالب محاكمة مجرمي الحرب في العراق وفلسطين ولبنان وجوانتنامو. وإلى جانب تأثير الاعتبارات السياسية على فعالية عمل المنظمات غير الحكومية، توجد عدة اعتبارات قانونية أخرى تؤثر على هذا الدور، ومنها: الحصانة التي يتمتع بها رؤساء الدول وفق مناصبهم، والتي تحول دون مساءلتهم قضائيًا، وكذلك عدم الاعتداد بالتقارير غير الرسمية التي تقدمها تلك المنظمات أمام القضاء..
إن ما يهمنا من هذا التذكير بأن مفهوم التقدم نسبي جدا، والمطالبة بالحصانة لمجرد التمتع بمنصب سلطة هي من نقائص الأعراف القانونية الغربية التي أصبحت بقوة التأثير وإعادة الاستهلاك من قبل دول لا يملك حكامها حتى حق التعبير عن سيادة الدولة أو تمثيلها.. أصبحت بفضل هذا وذاك عالمية الطابع. كما أن نمو اتجاه مقاوم مختلف سيأخذ حقه عالميا في العقود إن لم نقل السنوات القادمة
بيد أن هذه الاعتبارات السياسية والقانونية التي تؤثر على فعالية دور المنظمات غير الحكومية إزاء قضايا جرائم الحرب، لا تقلل من أهمية النشاط الإعلامي والسياسي الذي تقوم به هذه المنظمات من خلال نشر التقارير ورفع الخطابات وتنظيم التظاهرات، باعتبارها خطوات مهمة على طريق محاكمة مرتكبي جرائم الحرب ومحاسبتهم، ولا تقلل من الدور الذي تلعبه أيضًا من حيث تمويل الدعاوى القضائية التي يرفعها الأفراد على مرتكبي هذه الجرائم أو اللقاءات غير الرسمية مع أعضاء اللجان الحقوقية الدولية أو غيرها من التحركات الأخرى.
الإدارة الأميركية تخوض منذ استلام جورج دبليو بوش الحكم معركة مفتوحة مع القانون الجنائي الدولي، في محاولة لإنشاء منظومة عدالة موازية تخضع لشروطها السياسية ومصالحها القومية.
“يجب أن يكون المبدأ هو أن لا حصانة لأحد من مرتكبي الجرائم الجسيمة، بدل أن تكون الحصانة للقوي مع استباحة الضعيف”رغم أن المحكمة الجنائية الدولية لم تنشأ كما طالبت المنظمات غير الحكومية والمجتمعات المدنية في العالم، فإن مجلس الأمن يستطيع رفع دعوى أمامها أو سحب أخرى منها أيضا. وكما قلت يوما فإن مشكلة العدالة الجنائية الدولية أنها قضاء جالس (القاضي) وقضاء واقف (المحامي) وذئب متربص (مجلس الأمن).

الدكتور عادل عامر
3adel3amer

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة