كتاب:"ماذا علمتني الحياة؟"
تاريخ النشر: 23/12/13 | 5:22بفكر عميق و قلم شديد السلاسة -يحول امين سيرته الذاتية الى اداة سبر للمجتمع الذي نشأ فيه ..فأذا به يقارن بين ظروف نشأته وظروف نشأة والده ومن ثم اولاده واحفاده، ويرجع الملاحظات الخاصة (التي قد تكون عادية ويعتبرها البعض عابرة) الى ظواهرها واصولها العامة فيربط الخاص بالعام ويتحول الفرد الى مرآة عاكسة لمجتمعه.. ويتحول كتاب السيرة الذاتية الى كتاب يتناول حياة اجيال بكاملها..
يتناول الكتاب بعض التفاصيل الشخصية ولكن بهذا الربط الحيوي والذكي مع الاسباب العامة فعندما يتحدث عن اخوته الثمانية والاختلاف في شخصية كل منهم رغم نشوئهم في بيئة واحدة يكاد يرسم "بورتريه" لكل منهم بطريقة شديدة الذكاء والصراحة ايضا.. ويتناول طبعا تحوله الفكري العميق والهادئ من القومية في بواكير شبابه الى الاشتراكية الى المادية الوضعية الى ان وصل الى مرحلته الاخيرة في نظرته الايجابية والمتعاطفة مع الدين عموما والاسلام خصوصا، وهي نظرة اخرجته من صف اليساريين ولكن لم تضعه بالضبط في خانة "الاسلاميين" وان كان واضح التعاطف معهم..
تحوله الى التعاطف مع الدين جاءت بعد ان عاش في الغرب ولاحظ الخواء الروحي الموجود مما جعله يشكك بجدوى مفهوم "التقدم"- يتوسع ايضا بشكل اكبر في هذا المفهوم في كتابه الاخر المهم "خرافة التقدم" الصادر عن دار الشروق ايضا 2006-.
في الكتاب مواقف كثيرة يقدمها الكاتب بهذه الطريقة العبقرية التي تجعل القارئ يستعيد حياته الخاصة ويحاول ربطها بالاطار العام الذي يعيش فيه.
من اجمل ما كتبه المؤلف وهو يحكي عن الجيل الرابع من اسرته "اولاد الاحفاد": اتساءل ماذا كان سيكون شعور ابي لو علم ان واحدا من احفاده سيكسب رزقه من الغناء بالانكليزية اغاني تروج لصابون امريكي مشهور في واحدة من القنوات العربية؟!
سيرة جلال امين(ومعها كتاب المسيري: رحلتي الفكرية) هما من اهم كتب السيرة التي صدرت في العقدين الاخيرين فكل منهما لا يؤرخ لسيرة ذاتية بل لسيرة مجتمع ومسيرة تطوره الفكرية.