الخطبة الموحدة للمساجد تأميم للفكر والإبداع
تاريخ النشر: 17/07/16 | 7:55أن تطبيق هذا القرار لا يصب في مصلحة تجديد الخطاب الديني الذي يتطلب منح الإمام فرصة أكبر لشرح الأفكار خاصة المتعلقة بالفكر التطرف، لان الخطبة المكتوبة نوع من التدخل في حياة الإمام العملية، وطالب بأن يظل الأمر كما كان عليه، وهو الخطبة الاسترشادية التي تحدد موضوع الخطبة والعناصر الرئيسية، ويكون هناك فرصة للإمام، بأن يجتهد في توصيل موضوع الخطبة لرواد المسجد بالطريقة التي تناسبهم، لان الخطبة المكتوبة لن تكون مناسبة لجميع المساجد، فهذا النص الذي يكتب باللغة العربية الفصحى لن يناسب رواد المساجد في القرى، ومن الأفضل أن تكون هناك مساحة للإمام، لأنه قادر على أن يصل لجميع المصلين، لأنه يعرف واقع وظروف رواد المسجد.
أنه يقتل إبداع الخطباء والمفوهين. أنّ “الخطبة المكتوبة” تحوّلهم إلى مجرّد قرّاء للخطبة. أن القرار سيؤثر على روح الإبداع لدى الخطيب ويزعزع مكانته لدى جمهور المستمعين، بالإضافة إلى قتل التشويق لسماع الخطبة لديهم، وهو ما يجعل القرار ضربة قاضية تنهي دور المسجد.
في عالم أصبح التغيير السريع سمته والتطوير المستمر نحو الأفضل حركة أساسية فيه في عالم مثل هذا يصبح الثبات على الموروث والاعتقال في الواقع ليس توجها للخلف فقط ، بل هو حركة ارتجاعية متقهقرة نحو الخلف . وإذا التمسنا عذرًا ولن نفعل للحكومات نظرًا لتعقد الواقع وتداخلاته وضخامة الهيكل الذي يراد تغييره فمن المفروض أن يتسرب الجمود إلى حركتنا النهضوية التي تكافح لطرح مشروع جديد مغاير للواقع ويفترض فيه أن يكون مستقبليًا وعلى مستوى هذا الواقع المتقافز نحو مزيد من التطوير والتنضيج بكل خلجاته وحركاته الظاهرة المستمرة .
نخلص من ذلك إلى قيمة مؤداها أن التطوير الدائم ــ في حد ذاته ليس ضرورة وجود فقط ــ هو معيار تمايز وتفاضل بين الاتجاهات المتعددة التي تطرح نفسها في المستقبل كبديل أو كفرس رهان وإذا تجاوزنا الخلفية الإسلامية التي تؤصل لهذا المعنى. فإننا نجد أنفسنا أمام ميراث ضخم من الثبات والديمومة والجمود على مستوى الفكر والطرح والهياكل التنظيمية ويمتد الأمر بالبعض فيجعلون هذا الميراث جزءً لا يتجزأ من التراث الإسلامي نفسه وبالتالي فهو مقدس وغير قابل للنقد والدراسة .
والحركة الإسلامية الأمة واقعة لذلك ضمن دائرة من الجمود في برامجها التربوية التي تقوم على أدبيات مؤسسة الحركة وما يدور في فلكها من شروح ومتابعات وعلى مستوي الهياكل والأوعية التربوية نجدها كما هي منذ وضعها المؤسس دون تطوير ويدعم هذه البرامج ميراث ضخم من الأمثال والعبر و النوادر والمواقف بل والنوادر موروثة من جيل التأسيس ونفس الشيء يتكرر على مستوى الخطاب الإعلامي فقد خالف كثير من أئمة المساجد وزير الأوقاف في خطبة اليوم الجمعة بعدما خرجوا على موضوع الخطبة الموحدة المقررة من الوزارة، وتجنبوا القراءة من ورقة مكتوبة في مثلما فعل الوزير في حين استنكر مصلون فكرة توحيد خطبة الجمعة. إن “توحيد الخطبة فصل للخطاب الديني عن العوام، وقد يبدو للبعض أنها فكرة لمحاصرة التطرف، إلا أنه قد يحرم الخطبة من وظيفتها الأساسية، في اشتباكها مع واقع الناس وتهذيبه وإصلاحه وتغييره، فما يصلح لمكان لا يصلح لأخر لان النبي محمد كان يقول “حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يُكذب الله ورسوله؟” .
و “إذا كنا نتحدث عن توحيد الخطاب الديني، فان أمامنا خطاب ديني رسمي، وهو ما يصدر عن المنابر الرسمية التي يسيطر عليه أئمة تابوين للأوقاف، وخطاب ديني آخر تابع للحركات الإسلامية ،ويتحرك هؤلاء في المساحة التي تركها الخطاب الرسمي.”
الاثنان يخضعان لتوجهات خاصة ويتم توظيفهم سياسيا، الأول لحساب الدولة والثاني يتم توظيفه لصالح التنظيم الحركي، وبين هؤلاء وهؤلاء هناك خطاب ديني مستقل وهو الذي يحاول تحري مراد الشارع وصوت ضمير في مواجهة الحاكم والمحكوم.” لان “مشكلتنا مع داعش إنها تحاول إكراه المجتمعات على نموذج قيمي محدد وفكرة الأحادية التي هي ضد التنوع.”
لأن المساجد لها دور اجتماعي وإنساني وأخلاقي، فالمواطن يلجأ للإمام أو الداعية لإلقاء مظلمته وشكواه ومضرته، ويستمع لرأي الإمام فيها، كما أن موضوع الخطبة يختلف من بيئة لأخرى ومن ثقافة لأخرى، فالمواطن المقيم في أرقى المناطق السكنية ستلقى عليه نفس الخطبة التي ستلقى على المواطن المقيم في المناطق الفقيرة والعشوائيات، ومن هنا تفقد الخطبة قيمتها والهدف منها، فهي اجتماع لتعريف الناس بأمور دينهم ودنياهم، ومثل هذه الأمور فيها المتغير والثابت، ولا يصح أن نجعل إزاها الخطبة ثابتة.
و إنها تخفي تميّز إمام عن آخر في الأداء وتضعف قدرات الأئمة بمرور الوقت، لان اختلاف القضايا التي تشغل رواد مسجد دون الآخر والتي يجب أن تتركز عليها الخطب.
بناء علية :-
رفض أكثر من 90 في المائة من أئمة المساجد على مستوى محافظات مصر اليوم، “خطبة الجمعة” المكتوبة التي فرضتها عليهم الوزارة، وفضّلوا ما هو متبع من الارتجال في الخطبة. أن الخطب الموحدة مدخلا للخضوع إلى النظام و تصيب الإمام والجمهور بالملل وتقتل الإبداع والاطلاع و القدرات والمواهب عند الأئمة والدعاة، كما تنعدم فيها المنهجية في شمولية الإسلام لكل جوانب الحياة ولا تلامس المعايشة للواقع باختلاف البيئات حيث إن ما يصلح لبيئة ومكان لا يصلح لآخر، موضحين أن التقيد بالموضوع والمدة والمراقبة وكاميرات التصوير والدواعي الأمنية كل ذلك يؤدي إلى تجميد الخطاب الديني.
أن هناك اجتماعاً قريباً لمجمع البحوث الإسلامية بخصوص هذا الشأن لاتخاذ قرار بات، لان الاتجاه العام يؤكد رفض القرار لعدم جدواه.
وما أقبحَ الحقَّ يوم يُكسى ثوباً من القذاعة والبذاءة! ولو لم تكن سيئة ذلك إلاّ صرف الناس عن الحق وصاحبه – ولا سيما إن استغل المبطِلُ سوءَ أدب صاحب الحق في التنفير – لكفى، وإن لم يفعل فبالفحش والبذاءة قل أن تُنشر أو تُنصر دعوةٌ. وكم من بدعة راجت بفعل المنطق الحسن، والأدب الرفيع. فتأمل أي عاقبة وُعد الذي يدفع بالحسنة، وأي حظ قسم الله له من دون الخليقة، فلا يُذهبن حظك الأبالسةُ من الموسوسين، ولا تفسدن بينك وبين أخيك الشياطين، واستعذ بالله منهم، ولا تسكت عن باطل أو تترك حقاً، بل دافع
ولكن بالتي هي أحسن، فذلك والله طريق نُجح المقاصد، وعنوان السعادة والفلاح، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “وأدبُ المرء عنوانُ سعادته وفلاحه، وقلةُ أدبه عنوانُ شقاوته وبواره، فما استجلب خير الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استجلب حرمانها بمثل قلة الأدب
وتأمل أحوال كل شقي ومغتر ومدبر؛ كيف تجد قلة الأدب هي التي ساقته إلى الحرمان وهكذا أهل الحجا لا تستخفنهم الخصومة، بل يعقل ألسنتهم ما حباهم الله من العقل، فيمنعهم الخروج عن حد الأدب، ولا تدفعهم الإساءة لمثلها، وقد قيل: إذا خرجت من عدوك لفظة سفاهة فلا تلحقها بمثلها تلقحها؛ فنسلُ الخصام نسلٌ مذموم… إذا اقتدحت نار الانتقام من نار الغضب ابتدأت بإحراق القادح، أوثِق غضبك بسلسلة الحِلْم؛ فإنه كلب إن أفلت أتلف
الدكتور عادل عامر