حكمة الله من إبتلاء الإنسان بالمرض
تاريخ النشر: 28/07/16 | 5:04الله سبحانه و تعالى له الحكمة في كل ما يحدث للإنسان في حياته و يعود عليه بالنفع لذلك فأن الإبتلاء بالمرض له حكمة و فائدة كبيرة كما ذكر في الأحاديث النبوية الشريفة و التي تم نقلها من عمالقة الدعاة و المفسرين لتصل الينا و نحمد ربنا سبحانه و تعالى على نعم كثيرة قد يجهلها البعض منا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السّنة النّبويّة: “خلقُ أحد الضّدين ينافي خلق الضّد الآخر، فإنّ خلق المرض الذي يحصل به ذلّ العبد لربه، ودعاؤه، وتوبته من ذنوبه، وتكفيره خطاياه، ويرقّ به قلبه، ويذهب عنه الكبرياء، والعظمة، والعدوان، يُضادّ خلق الصّحة التي لا يحصل معها هذه المصالح، وكذلك خلق ظلم الظّالم الذي يحصل به للمظلوم من جنس ما يحصل بالمرض، يُضادّ خلق عدله الذي لا يحصل به هذه المصالح، وإن كانت مصلحته هو في أن يعدل، وتفصيل حكمة الله في خلقه وأمره يعجز عن معرفتها عقول البشر”.
وما ذكره الطّحاوي ـ رحمه الله ـ في عقيدته، حيث قال: “أصل القدر سرّ الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، والتّعمق والنّظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلّم الحرمان، ودرجة الطّغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظراً، وفكراً، ووسوسةً، فإنّ الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه”، كما قال تعالى في كتابه: “لا يُسأل عمّا يفعل وهم يسألون”، فمن سأل: لم فعل؟ فقد ردّ حكم الكتاب، ومن ردّ حكم الكتاب كان من الكافرين”.
فائدة المرض:
أنّه تهذيبٌ للنّفس، وتصفيةٌ لها من الشّر الذي فيها، قال تعالى: “وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ”، الشّورى/30، وأخرج البخاريّ عن أبي هريرة أنّ النّبي قال: “ما يصيب المؤمن من وصبٍ ولا همّ ولا حزنٍ ولا أذى، حتى الشّوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه”.
أنّ ما يعقبه من اللّذة والمسرّة في الآخرة أضعاف ما يحصل له من المرض، فإنّ مرارة الدّنيا حلاوة الآخرة والعكس بالعكس، وقد أخرج التّرمذي عن جابر مرفوعاً، قوله صلّى الله عليه وسلّم:”يودّ النّاس يوم القيامة أنّ جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدّنيا، لما يرون من ثواب أهل البلاء”.
أنّه يُقرّب المريض من الله تعالى، وهذا قربٌ خاصّ، يقول الله تعالى في الحديث القدسيّ: “بن آدم، عبدي فلان مرض فلم تعده، أما لو عدته لوجدتني عنده”، رواه مسلم ، وقال: “أنا عند المنكسرة قلوبهم”.
أنّه يُعرف به صبر العبد، فعن أنس رضي الله عنه مرفوعاً: “إنّ عظم الجزاء من عظم البلاء، وإنّ الله إذا أحبّ قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرّضا، ومن سخط فله السّخط”، رواه التّرمذي ، وأخرج مسلم من حديث صهيب قال: قال رسول الله:”عجباً لأمر المؤمن، إنّ أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابه سرّاء فشكر الله فله أجر، وإن أصابته ضرّاء فصبر فله أجر، فكل قضاء الله للمسلم خير”.
أنّه ينزل بالمسلم من الضرّ والشّدائد ما يلجئه إلى المخاوف، حتّى يلجئه إلى التّوحيد، ويتعلّق قلبه بربّه، فيدعوه مخلصاً له الدّين.
أنّه يُظهر أنواع التّعبد، فإنّ لله على القلوب أنواعاً من العبوديّة، كالخشية وتوابعها، وهذه العبوديّات لها أسباب تهيّجها، قال تعالى: “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ”، الحجّ/11، ويروى أنّه لمّا أصيب عروة بن الزبير بالأكلة في رجله قال: “اللهمّ كان لي بنون سبعة، فأخذت واحداً وأبقيت ستةً، وكان لي أطراف أربعة فأخذت طرفاً وأبقيت ثلاثةً، ولئن ابتليت لقد عافيت، ولئن أخذت لقد أبقيت، ثمّ نظر إلى رجله في الطّست بعدما قطعت فقال: إنّ الله يعلم أنّي ما مشيت بك إلى معصية قطّ وأنا أعلم”.
أنّ فيه انتظاراً للفرج، وأفضل العبادات انتظار الفرج، الأمر الذي يجعل العبد يتعلّق قلبه بالله وحده، خصوصاً إذا يئس المريض من الشّفاء من جهة المخلوقين.
أنّه إذا كان للعبد منزلة في الجنّة ولم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده، أخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: “إنّ الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل، فما يزال يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها”.
أنّه إحسانٌ ورحمةٌ من الرّب للعبد، فما خلقه ربّه إلا ليرحمه، لا ليعذّبه، قال تعالى: “مَا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً”، النّساء/147.