إسداء المشاعر جسر التواصل بين القلوب
تاريخ النشر: 12/11/13 | 9:00يرفض الإسلام أن يعيش أتباعه في معزل عن الناس، حتى وإن كان ذلك لانشغالهم بالعبادة، ويدعوهم إلى مخالطة الناس ومعاشرتهم، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أعظم أجرا من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم". (رواه ابن ماجة).
بل ويحث الإسلام أتباعه على أن يكونوا في مخالطتهم هذه نافعين لغيرهم بكل أشكال النفع الممكنة، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس". (رواه الطبراني).
وتتعدد أشكال نفع المسلم لغيره، فقد يكون نفع بالمال أو نفع بالعلم أو نفع بالجهد، ولكن قد يعجز الانسان عن نفع الآخرين بهذه الأشكال لقلة بضاعته منها، لكن يظل نوع من النفع يستطيع أي إنسان مهما قل ماله أو علمه أو جهده أن ينفع به من حوله، ألا وهو إسداء جميل المشاعر والمحبة للآخرين.
مكانة رفيعة
وهذا النفع بالمشاعر يمنح الله عز وجل عليه جزيل العطاء، ويرفع مكانة أصحابه يوم القيامة حتى يغبطهم النبيين والشهداء على هذه المكانة الرفيعة، فعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قضى صلاته أقبل إلى الناس بوجهه فقال: "يا أيها الناس اسمعوا واعقلوا واعلموا أن لله عز وجل عبادا ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله"، فجاء رجل من الأعراب من قاصية الناس وألوي بيده إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله ناس من الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله؟! انعتهم لنا، يعني صفهم لنا، فسر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لسؤال الأعرابي، فقال رسو الله: "هم ناس من أفناء الناس ونوازع القبائل، لم تصل بينهم أرحام متقاربة، تحابوا في الله وتصافوا، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسهم عليها، فيجعل وجوههم نورا وثيابهم نورا، يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون، وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون". (رواه أحمد).
إعلان للمحبة
ومن صور نفع الآخرين بالمشاعر، أن يعلن المرء عما يكنه من مشاعر طيبة تجاه الآخرين، فهذا يعمق روح المحبة والمودة بين الناس، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه". (رواه أبو داود).
وعن أنس بن مالك أن رجلا كان عندى النبي صلى الله عليه وسلم فمر رجل فقال: يا رسول الله، إني لأحب هذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أعلمته؟" قال: لا، قال: "أعلمه"، قال فلحقه فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الله الذي أحببتني فيه. (رواه أبو داود).
محبة الخير للآخرين
ومحبة الخير للآخرين صورة أخرى من صور نفع من حولنا بالمشاعر، بل وجعلها النبي صلى الله عليه وسلم من علامات إكتمال الإيمان، وأن غيابها إشارة إلى نقصانه وذلك في قوله: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". (رواه البخاري).
ومن علامات تلك المحبة أن يشعر المرء بسعادة حقيقية لما أصاب غيره من خيرات، بل وتكتمل هذه الصورة الرائعة من حب الخير للآخرين حين يرفع يده متوجها إلى الله تعالى يسأله الخير لهم، فيكافأ على ذلك بأن يكون له مثل ما دعا به لأخيه، فعن أبي الدرداء أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل". (رواه مسلم).
مساندة ومؤازة
وحين تعتري المرء بعض الشدائد والأزمات يشعر معها بالعناء والضعف وربما العجز، وهنا تتجلى أسمى صور نفع الآخرين بالمشاعر، فحين نؤازرهم، ونسري عنهم، ونخفف عنهم، ونبشرهم بالخير، ونبث الأمل في نفوسهم، يكون ذلك عونا لهم في هذه الأوقات العصيبة على الصبر ومقاومة الأزمات والصمود أمام الشدائد؛ ويضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم مثلا على ذلك بدعوته لنا للتخفيف عن المسلمين في واحدة من هذه الأزمات ألا وهي المرض، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يعود مسلما غدوة، إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة". (رواه الترمذي).
ويعلمنا كذلك أن نواسي من أصابته مصيبة الموت في أحد أقاربه، وأن نخفف عنه ونصبره ببعض الكلمات: "إنَ لله ما أخذ وله ما أعطى، وكلٌّ عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب". (رواه البخاري).
جسد واحد
هكذا ينبغي أن تكون علاقاتنا بمن حولنا، فلا نكن لهم إلا الحب وسلامة الصدر، فتلهج ألسنتنا بالدعاء للمحتاج ونخفف عن المريض ونساند صاحب البلاء منهم حتى يصدق فينا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" رواه مسلم.