الرشوة إقتصاد خفي في مصر
تاريخ النشر: 20/07/16 | 20:50مقدمة :_
يطلق “اقتصاد الظلام” علي العديد من الأنشطة التجارية والاقتصادية في اقتصاد الدول النامية والمتخلفة وهو ما يسمي في علم الاقتصاد بالاقتصاد الخفي والذي يمثل 30% من حجم الناتج المحلي الإجمالي كما تؤكد الدراسات العلمية ان هذا النوع من الاقتصاد يمثل نحو 300 مليار جنيه اذا وصل حجم الناتج المصري الي تريليون جنيه كما تتوقع المصادر والدوائر الاقتصادية في مصر.
وبينما تبحث الحكومة ليلاً ونهاراً عن موارد لخزينتها التى تخطى العجز بها حاجز 240مليار جنيه، وبينما تلهث خلف صندوق النقد الدولى من أجل القرض، يبرز دور الاقتصاد الموازى أو “غير الرسمى”على السطح كطوق نجاة يراه البعض بديلاً منطقياً وضرورياً لزيادة موارد الدولة والاستغناء عن فكرة الاقتراض الخارجى.
يمثل الاقتصاد غير الرسمى فى مصر ما نسبته أكثر من 80%، بينما تقدر الدراسات الحديثة حجم نشاط الاقتصاد الموازى بحوالى تريليون جنيه، بينما تقدّر دراسة دولية أجراها الخبير الاقتصادى العالمى هرناندو دى سوتو، هذا الحجم بـ2.6 تريليون جنيه مصرى،
فيما تقدر قيمة الضرائب التى يمكن تحصيلها حال تقنين أوضاع المنشآت غير الرسمية بـ150 ملياراً، أى ما يقرب من العجز الحالى بالموازنة العامة للدولة، وتقدّر دراسة اتحاد الصناعات، الاقتصاد غير الرسمى فى مجال الصناعة بنحو 40 ألف مصنع غير قانونى، تمارس نشاطها فى أماكن غير مرخص بها، أو تعمل فى إطار بعيد عن إجراءات الأمن الصناعى أو شروط السلامة والصحة.
أن الاقتصاد الخفي يضم المتهربين من دفع الضرائب والرسوم الحكومية وهذه الفئة في مصر تمثل نسبة تصل الي 30% بالفعل، كما يضم أيضا صناعة بئر السلم والتي تمثل ما يزيد علي 70% من حجم صناعة الغذاء في مصر فعلي سبيل المثال يصل حجم تجارة بئر السلم الي نحو 75 مليار جنيه من اجمالي قطاع التجارة الداخلية في مصر الذي يصل الي 150 مليار جنيه سنويا. مما يترتب عليه ضياع مليارات الجنيهات من موارد الدولة سنويا بسبب التهرب الضريبي وعدم خضوع مصانع بئر السلم للضرائب التجارية أو الصناعية.
أن تجارة الأرصفة أو من يطلق عليهم الباعة الجائلون والذين يصل عددهم الي أكثر من 3 ملايين بائع جائل في مصر هؤلاء ينضمون الي الاقتصاد الخفي علي الرغم من أنه حتي الآن لم يتوصل أحد من رجال الاقتصاد والباحثين الي قيمة تجارتهم الفعلية في مصر وان كانت بعض الدراسات المحلية تؤكد أن حجم تعاملاتهم لا يقل عن 30 مليار جنيه.
وعن آثار هذا النوع من التجارة يشير الباحث علاء حسب الله إلي خطورتها التي ظهرت بعد ثورة 25 يناير حيث انتشر الباعة الجائلون بقوة وبشكل مفزع في ميادين وشوارع وأزقة الجمهورية مما يؤكد حجم بيزنس أرصفة الشارع المصري والذي يعتمد اعتمادا رئيسيا علي الصناعة الصينية الرديئة الصنع ويضيع علي الدولة مليارات الجنيهات من المتحصلات الضريبية سنويا.
تتنوع السلبيات التي تقع على عاتق الاقتصاد المصري من ممارسات الاقتصاد غير الرسمي، فمنها ما يعود على الدولة كمؤسسة، ومنها ما يعود على أداء الشركات العاملة في الاقتصاد الرسمي، ومنها ما يعود على الأفراد العاملين بالقطاع غير الرسمي، ومنها ما يعود على المجتمع ككل سواء كمستهلكين أو سكان محيطين ببعض الكيانات العاملة في الاقتصاد غير الرسمي، وخاصة تلك العاملة في قطاع الصناعة.
وتحتل سلبيات الاقتصاد الموازي ضياع جزء لا يستهان به من الإيرادات على الخزانة العامة للدولة، سواء المتعلقة بالتهرب الضريبي أو تلك المتعلقة برسوم التراخيص وتقديم الخدمات الحكومية.
وتقدر المبالغ الخاصة بالتهرب الضريبي للاقتصاد غير الرسمي بنحو 150 مليار جنيه مصري،فالمؤسسات العاملة في الاقتصاد غير الرسمي لا تقدم فواتير لزبائنها، وهي بالضرورة لا تحصل على فواتير لمشترياتها، حتى لا يستدل عليها لدى مصلحة الضرائب. وتتبين أهمية هذه المبالغ إذا ما علمنا أن الحصيلة الضريبية في مصر لا تزيد عن 260 مليار جنيه سنويًا. وتحتل المرتبة الثانية من السلبيات مخالفة شروط السلامة والصحة في مؤسسات الاقتصاد غير الرسمي، فلا تتوفر الشروط الصحية لدى العاملين بهذا القطاع، ولا تخضع مستلزمات الإنتاج للشروط الصحية التي تشرف عليها جهات رسمية من قبل الحكومة بشكل منتظم أو فجائي، وفي الغالب يتم تجاوز الشروط الصحية بغية توفير التكاليف، ولكن في النهاية يتحمل المستهلك هذه المخاطرة، ويتكبد المجتمع تكاليف العلاج ومواجهة العديد من الأمراض.
كما تُعد حقوق العاملين الضائعة أبرز السلبيات بمؤسسات الاقتصاد غير الرسمي، بدءا من اختيار العاملين من حيث العمر، إذ لا تمانع هذه المؤسسات في تشغيل الأطفال، كما لا تلتزم بالتواجد في المناطق الصناعية المعدة لذلك والتي تتوافر بها مواصفات الأمن الصناعي، فيخضع العاملون لظروف عمل غير مناسبة مما يعرضهم لكثير من الأمراض، كما لا يتمتعون بأية نوع من الحماية سواء كان على شكل تأمين صحي أو اجتماعي. كما يخضعون لساعات عمل أطول، وبأجور متدنية مقارنة لما عليه الوضع في الاقتصاد الرسمي.
فضلاُ عن إضعاف منافسة الاقتصاد الرسمي، إذ عادة ما يعتمد الاقتصاد غير الرسمي على السلع المهربة من الداخل أو الخارج، فيتم عرض سلع الاقتصاد غير المنظم بأسعار تقل بفارق ملحوظ عن نظيرتها المنتجة في الاقتصاد الرسمي، فيضعف ذلك من قدرة منافسة الاقتصاد الرسمي، وهنا باب آخر للإضرار بحصيلة الإيرادات العامة للدولة، حيث تكون السلع المهربة غير خاضعة لرسوم الجمارك.
الاقتصاد غير الرسمي ليس بالظاهرة الجديدة على المجتمع المصري، ولكنه موجود منذ سنوات كنتيجة لسلبيات نموذج التنمية المستخدمة في مصر على مدار السنوات الماضية، حيث كان يتم التركيز على المحافظات الحضرية، أو تنمية مدن المحافظات، وإهمال ما عداها وخاصة الريف. كما كان تعسف الإدارة المحلية وانتشار الفساد فيها دافعًا لانتشار الاقتصاد غير الرسمي.
ألا ينظر إلى إصلاح الاقتصاد غير الرسمي من منطق الجباية وتحسين الحصيلة الضريبة للبلاد فقط، ولكن لابد من الأخذ في الاعتبار أن هذا القطاع يعد المشغل الأكبر في سوق العمل المصري، فحسب دراسات أجريت منذ سنتين، تبين أن الاقتصاد غير الرسمي يوظف نحو 73% من الداخلين الجدد إلى سوق العمل المصري، وبالتالي لا بد من إشراك العاملين في هذا القطاع والاستماع إليهم في الإجراءات التي يقترح أن يتم التعامل بها معهم لضمهم إلى الاقتصاد الرسمي.
ان تيسير إجراءات الترخيص، وخفض الرسوم الخاصة بمنشآت الاقتصاد غير الرسمي، حتى يتنسى لهذه المنشآت أن تنضم إلى الاقتصاد الرسمي، وتقديم بعض الحوافز من قبل الحكومة، مثل تخفيض التأمينات الاجتماعية للعاملين بنسبة 30 إلى 50%، على أن تتحمل الحكومة من موازنتها هذه التخفيضات، وعلى أن تكون لفترات محددة، حتى يتم تشجيع هذه المؤسسات على توفير حماية للعاملين لديها على الجانب الصحي والاجتماعي.
فضلا عن مطالبات بتفعيل دور الأجهزة الرقابية بشكل أكبر، وعودة الأجهزة الأمنية لممارسة دورها المنوط بها في مساعدة الأجهزة الرقابية في القيام بدورها لمنع الممارسات الخاطئة من قبل مؤسسات الاقتصاد غير الرسمي.
ومن جهة أخرى لا بد من تفعيل دور المجتمع الأهلي، وتشجيع جمعيات حماية المستهلك، والجهاز الحكومي المعني بهذا الجانب بتوعية المجتمع بخطورة غياب اشتراطات الصحة والسلامة لمنتجات الاقتصاد غير الرسمي، وتخفيض هوامش الضرائب على أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تمثل غالب نشاط الاقتصاد غير الرسمي، حتى يتمكن أصحاب هذه المنشآت من الانتقال إلى الاقتصاد الرسمي، وأن تتوفر خدمات مصلحة الضرائب ومأموريها بالأسواق التي تنتشر فيها أنشطة الاقتصاد غير الرسمي، وتتبع أطراف التعامل فيها حتى يمكن ضمهم إلى المجتمع الضريبي.
إن الاقتصاد غير الرسمي كان -ولا يزال- يمثل أحد أهم العناصر الاقتصادية في مصر، سواء من خلال تعاملاته مع المؤسسات والكيانات الاقتصادية للدولة أو من خلال ارتباطه الوثيق باقتصاديات الأفراد والدورة المالية والاستهلاكية والمعيشية للمواطنين ومختلف الأسر المصرية، مما يجعل من تذليل كل العقبات التي تواجهه ضرورة من أجل تيسير عملية ضمه إلى نشاط الاقتصاد الرسمي، بما يساعده على التوسُّع في نشاطه في إطار من الشرعية والشكل القانوني الذي لا يزال يفتقده، والذي يحفظ له كامل حقوقه المادية والأدبية، كما يحفظ للدولة حقوقها القانونية والضريبية.
لان العمالة غير المنتظمة تقدر بحوالى 50% من إجمالي القوى العاملة المنتظمة في مصر، حيث تعمل فى مختلف القطاعات بداية من قطاع المقاولات والبناء ومختلف القطاعات الخدمية، مروراً بالقطاعات الصناعية والتجارية، وانتهاء بالعاملين في المناجم والمحاجر.
أن الاقتصاد غير الرسمي يحتوى على ما يقرب من 40% من حجم العمالة الحقيقية بالبلاد، لافتاً إلى أن الكثير من هذه المشروعات والصناعات ذات نشاط صغير وتحتوى على الكثير من العمالة الماهرة، البعض يحتاج إلى العديد من البرامج التدريبية، حتى تكون مؤهّلة للاندماج في المنظومة الرسمية للدولة.
لان هناك العديد من المزايا التي ستحصل عليها الدول، جراء دمج هذه الصناعات في منظومتها، منها توفير مدخلات عالية الجودة للإنتاج وتأهيل العمالة الفنية الماهرة وصقلها بالتدريب، للاستفادة منها فى كل القطاعات، بجانب تقليل الاعتماد على الاستيراد الخارجي، خصوصاً مع توفير الكثير من المنتجات التي يحتاج إليها السوق ومجتمع الأعمال.
لان الحكومة ستستفيد من هذه الصناعات من خلال تحصيل ضرائب ورسوم تزيد معها حصيلة الدولة وتسهم فى خفض العجز فى ميزان الموازنة العامة، بجانب إخضاع المنتجات غير المطابقة للرقابة ومصادرتها، وكذلك تحسين جودة المنتجات المصنّعة، وزيادة الفرص التصديرية والمنافسة مع الدول الأخرى.
1- ظاهرة الاقتصاد الخفي
تعانى معظم دول العالم من ظاهرة الاقتصاد الخفى، وعلى الرغم من اختلاف مسميات وتعريفات وحجم الاقتصاد الخفى إلا أن الدول المتقدمة تعانى منه كما تعانى الدول النامية . أما عن أسباب وجود الاقتصاد الخفى فنجد أنها تعددت واختلفت من نظام اقتصادى إلى آخر، بل قد تختلف في حدتها وأهميتها من دولةٍ إلى أخرى، وعلى الرغم من ذلك فهناك مجموعة من الأسباب التى قد تدفع إلى التحول للاقتصاد الخفى، وفي مصر كانت هذه الأسباب تتمثل في: زيادة العبء الضربيى، وزيادة البطالة، وتعقد الإجراءات، والبيروقراطية، وزيادة حجم الأنشطة الإجرامية . أما عن آثار أنشطة الاقتصاد الخفى، فيجب التمييز بين الأنشطة ذات الآثار الاقتصادية والاجتماعية السلبية مثل: تجارة المخدرات، والإرهاب، وغيرها من الأنشطة الأخرى، والأنشطة ذات الآثار الإيجابية مثل المساهمة في حل مشكلة البطالة، إلاأن التعرف على حدة الأنشطة وتدعيمها ورفع كفاءتها يحتاج إلى المزيد من البحث .
يعتبر الاقتصاد الخفى من الظواهر القديمة فى كافة المجتمعات الإنسانية ، فجرائم السرقة والنصب والاحتيال والابتزاز وغيرها من الجرائم ذات الدوافع الاقتصادية قديمة قدم الإنسان نفسه على هذه الأرض. كذلك يمكن افتراض أن جرائم التهرب الضريبى والتحايل على القوانين والإجراءات الحكومية قد بدأت فعليا مع إدخال نظم الضرائب والإجراءات المنظمة لممارسة الأنشطة الاقتصادية المختلفة فى المجتمعات المختلفة. إلا أنه مع ذلك فان الاهتمام بهذه الظاهرة لم يبدأ إلا منذ أعوام قليلة مضت. ويوجد شبه اتفاق بين دارسى الاقتصاد الخفى على أن الظاهرة تشترك فيها كافة دول العالم المتقدم منها والنامى. بل ويمكن التأكيد بأن كل منا قد شارك بالفعل بشكل أو بآخر فى أنشطة هذا الاقتصاد ، سواء كان يعلم أو لا يعلم أنه يتعامل فى الاقتصاد الخفى. على سبيل المثال عندما ندفع نقودا فى مقابل درس خصوصى لأبنائنا ، أو عندما نستدعى سباكا أو نجارا أو غير ذلك ، أو عندما نشترى سلعة من بائع جائل ، أو عندما ندفع بقشيشا أو رشوة … الخ، فإننا نتعامل فى الاقتصاد الخفى. ذلك إن أمثال هؤلاء لا يكشفون عن مثل هذه الدخول إلى السلطات الضريبية. ونحن نسمع من وقت لآخر من وسائل الإعلام عن قصص حول الاقتصاد الخفى ، كذلك قد نسمع عن بعض المعاملات التى تتم بالمقايضة أو نسمع عن بعض الأنشطة والمبادلات غير القانونية التى تتم ولا تسجل أو لا تقاس.
ويعد Gutmann ( 1977 ) أول من لفت الانتباه إلى هذه الظاهرة عندما نشر بحثه عن الاقتصاد السفلى Subterranean Economy ، والذى أشار فيه إلى أن المعاملات الاقتصادية التى لا يتم تسجيلها ضمن حسابات الناتج القومى ليست بهذا القدر الهين الذى يمكن معه إهمالها. ونتيجة لذلك حاول الكثير من الاقتصاديين إثبات الفرضية التى طرحها Gutmann وذلك من خلال التأكد من الأهمية النسبية للاقتصاديات الخفية فى دول العالم المختلفة. ولقد أثبتت هذه الدراسات إن الاقتصاديات الخفية كما ادعى Gutmann بلغت نسبا لا يمكن إهمالها من إجمالي النشاط الاقتصادى فى كل من دول الشرق والغرب. بل وأنها فى بعض الحالات تنمو بمعدلات لم تشهدها الاقتصاديات الرسمية. ولقد أدى ذلك إلى تصاعد الاهتمام فى الكثير من دول العالم ، خصوصا المتقدم منها ، بحجم ومستوى نمو أنشطة الاقتصاد الخفى ، وما إذا كان الاقتصاد الخفى يتزايد أم لا؟، وما إذا كان من الممكن قياس حجم الاقتصاد الخفى والتحكم فيه؟، وما إذا كانت التكاليف الاجتماعية المصاحبة لوجود الاقتصاد الخفى كبيرة أم لا؟. وغير ذلك من القضايا المرتبطة بوجود هذا الاقتصاد.
ولقد أطلقت تعبيرات متعددة على هذا القطاع من الاقتصاد. فقد أسمى بالاقتصاد التحتى Underground Economy ، والاقتصاد الخفى Hidden Economy ، والاقتصاد الأسود Black Economy ، والاقتصاد غير المرئى Unobserved Economy ، والاقتصاد المغمور ( الغاطس ) Submerged Economy ، والاقتصاد السفلى Subterranean Economy ، والاقتصاد غير الرسمى Informal Economy، والاقتصاد الثانى Second Economy ، والاقتصاد غير المسجل Unreported Economy ، واقتصاد الظل Shadow Economy ، والاقتصاد المقابل Counterpart Economy ، واقتصاد الباب الخلفى Back Door Economy ، وغير ذلك. وأيا كانت التسمية فان الاقتصاد الخفى يعد من الظواهر المعقدة والتى تضم الكثير من الجوانب المختلفة والمتشابكة والتى تحتاج إلى درجة أكبر من التحليل والفهم.
ويهدف هذا الفصل إلى تحليل القضايا النظرية المرتبطة بوجود الاقتصاد الخفى وذلك من خلال تعريف المقصود بالاقتصاد الخفى ، وأسباب نمو هذا الاقتصاد والتعرف على الطرق المختلفة لتقدير حجم المعاملات التى تتم فى الاقتصاد الخفى. ثم محاولة التعرف على الآثار السلبية المرتبطة بوجود هذا الاقتصاد ، وكذلك الآثار الإيجابية له وأخيرا كيفية التغلب على ظاهرة الاقتصاد الخفى.
2 – تعريف الاقتصاد الخفى.
يعتبر تعريف المقصود بالاقتصاد الخفى من الأمور المهمة خصوصا فى مجال الدراسات التطبيقية لهذا الاقتصاد. إذ أنه بناءا على التعريف سوف تتحدد مهمة القياس أو التقدير. ومن المهم الإشارة إلى أنه ليس هناك اتفاق على تعريف محدد للمقصود بالاقتصاد الخفى. فالمقصود بعبارة الاقتصاد الخفى يختلف من شخص لآخر حسب مفهومه للأنشطة التى تتم فى مثل هذا الاقتصاد. على سبيل المثال فان مفهوم الاقتصاد الخفى بالنسبة لكل من Gutmann ( 1977 ) و Fiege ( 1979 ) ينصرف إلى الناتج القومى غير المحسوب ، أو ذلك الجزء من الناتج القومى الإجمالي الذى كان يجب أن يدخل فى حسابات الناتج القومى الإجمالي ولكنه لسبب أو لآخر لم يدخل ضمن هذه الحسابات.
أما بالنسبة لـTanzi ( 1982a ) فان الاقتصاد الخفى ينصرف إلى كافة الدخول التى لا يتم الكشف عنها للسلطات الضريبية والتى قد تدخل أو قد لا تدخل ضمن حسابات الدخل القومى ( يعتمد ذلك على طبيعة مصادر هذه الدخول ). إن كل من هذين التعريفين مهم وكلاهما مفيد ولكن لابد أن ندرك أن هذين التعريفين ينصرفان إلى أشياء مختلفة.
ويتفق الكثير من الباحثين فى مجال الاقتصاد الخفى على أن مصطلح الاقتصاد الخفى يضم مجموعة مختلفة من الأنشطة التى تشترك فى محاولة التهرب الضريبى أو الحاجة إلى تجنب القيود الروتينية الموضوعة على عملية ممارسة النشاط الاقتصادى. غير أن هناك جانبا لا يمكن إهماله من الأنشطة التى تتم فى هذا الاقتصاد بسبب الطبيعة الخاصة لهذه الأنشطة والتى تعد مخالفة للقانون. على سبيل المثال فان أنشطة الرشوة والعمولات والسرقة وبيع السلع المسروقة وتجارة المخدرات وأنشطة التهريب السلعى Smuggling وتهريب الأموال وأنشطة القمار والدعارة وأنشطة المافيا أو فرض الإتاوات… إلى آخر هذه القائمة الطويلة من الأنشطة التى تعد مخالفة للقانون قد تمثل جانبا لا يمكن إهماله.
ويشير Mirus, Roger, & Smith [ 1994a ] إلى أن ما نطلق عليه بأنشطة الاقتصاد الخفى سيعتمد على المنظور الذى ننظر منه إلى هذا الاقتصاد. فقد ننظر إلى الاقتصاد الخفى على أنه يضم كافة الأنشطة المصاحبة لعمليات التهرب الضريبى الناشئ عن وجود هذا الاقتصاد. أو قد ننظر إليه من منظور أثر وجود هذا الاقتصاد على مدى دقة حسابات الناتج القومى فى الاقتصاد ككل. ومن المنظور الأول فان نقطة الانطلاق هى النظام القانونى الذى يحدد طبيعة الدخول التى تخضع للضريبة. ووفقا لذلك فان الاقتصاد الخفى يشمل كافة الأنشطة التى تولد دخلا يخضع للضريبة والتى يتم إخفاءها عن السلطات الضريبية فى البلاد بهدف التهرب من دفع الضريبة. أما من المنظور الثانى فان الاقتصاد الخفى سيتسع ليشمل كافة الأنشطة التى يترتب عليها توليدا للدخل ، سواء أكانت هذه الأنشطة قانونية أو غير قانونية ، أو سواء إذا كانت خاضعة أو غير خاضعة للضريبة.
ولكن هل يمكن أن نطلق على هذا الاقتصاد عبارة الاقتصاد غير القانونى. إن مدى دقة هذا اللفظ سوف تعتمد على مفهومنا حول ما يمكن أن نطلق عليه غير قانونى. فهل الأنشطة المولدة للدخل فى الاقتصاد الرسمى والتى لا يعلن عنها للسلطات الضريبية تعد غير قانونية ، أم أن عملية التهرب الضريبى ذاتها هى التى تعد غير قانونية. أن المشكلة الأساسية التى نواجهها هنا لها جانبان ، جانب حسابى وجانب قانونى. فالجانب الحسابى يتمثل فى أن هناك جزءا من النشاط الاقتصادى يتم فى إطار قانونى كامل ويتمتع بالصفة القانونية ولكنه لم يسجل ضمن حسابات الدخل القومى لتعمد إخفاؤه بهدف التهرب من الضريبة. أما الجانب الآخر، وهو التهرب الضريبى ، فهو الجانب غير القانونى فى القضية. ولذلك يصعب أن نطلق على كافة المعاملات التى تتم فى الاقتصاد الخفى بأنها معاملات غير قانونية.
من ناحية أخرى نجد أن بعض الاقتصاديين مثل Molefsky [ 1982 ] يشير إلى أن عبارة الاقتصاد الخفى لا تعنى أن كافة المعاملات التى تتم فى الاقتصاد الخفى لا تسجل فى الإحصاءات الرسمية للدخل القومى. فهناك احتمال أن يشمل الاقتصاد الخفى جانبا من المعاملات التى تتم أصلا فى الاقتصاد الرسمى. فقد تنتج بعض السلع فى الاقتصاد الرسمى ، ومن ثم تسجل بالتبعية ضمن حساباته ، ومع ذلك يتم استخدامها فى الاقتصاد الخفى ، ولا تسجل بالتالى القيمة المضافة التى تتم عليها فى الاقتصاد الخفى ضمن حسابات الناتج القومى.
ومما سبق يمكن تعريف الاقتصاد الخفى بأنه ” كافة الأنشطة المولدة للدخل الذى لا يسجل ضمن حسابات الناتج القومى إما لتعمد إخفاءه تهربا من الالتزامات القانونية المرتبطة بالكشف عن هذه الأنشطة ، واما بسبب أن هذه الأنشطة المولدة للدخل بحكم طبيعتها تعد من الأنشطة المخالفة للنظام القانونى السائد فى البلاد “. ووفقا لهذا التعريف فان أنشطة الاقتصاد الخفى تشمل الدخول المولدة بطرق شرعية ولكن لا يعلن عنها للإدارات الضريبية ، وكذلك الأنشطة الإجرامية التقليدية مثل الاتجار بالمخدرات والقمار والتهريب وغيرها. وأخيرا عمليات المقايضة التى تتم بدون استخدام النقود.
3 – أسباب نمو الاقتصاد الخفى.
تختلف أسباب نمو الاقتصاد الخفى من دولة لأخرى ، إلا أنه من الممكن بصفة عامة حصر هذه الأسباب فى الآتى:
3/1 – ارتفاع مستوى الضرائب.
يتزايد الحافز نحو التحول إلى العمل فى الاقتصاد الخفى إذا كانت الأنشطة فى الاقتصاد الرسمى تتعرض للمزيد من الضرائب من وقت لآخر. ويعتمد قرار المشاركة فى الاقتصاد الخفى للتهرب من الضرائب على أساس الموازنة بين العقوبات التى قد يتعرض لها الفرد فى حالة اكتشاف التهرب ، وكافة المخاطر الأخرى ، وبين الدخول الإضافية التى ستعود عليه من التهرب من دفع الضرائب ، أخذا فى الاعتبار مدى استعداده لتحمل المخاطرة. وبناءا على هذه الموازنة يتخذ الفرد قرارة بالتهرب أو عدم التهرب.
ويؤدى نمو العبئ الضريبي سواء أكان ذلك بالنسبة للضرائب المباشرة أو الضرائب غير المباشرة إلى رفع نسبة الضرائب إلى الناتج القومى. وهو ما يدفع إما إلى محاولة تجنب الضرائب أو التهرب من دفع الضرائب. ويؤدى ارتفاع العبئ الضريبى إلى تحويل بعض الأنشطة إلى الاقتصاد الخفى ، حيث تصبح هذه الأنشطة غير مسجلة وبالتالى لا تدفع ضرائب. ويتوقع أن تؤدى كل أشكال الضرائب إلى تحول المشروعات نحو الاقتصاد الخفى ، إلا أن أهمية ودرجة تأثير نوع معين من الضرائب تختلف من دولة إلى أخرى. على سبيل المثال فان نمو الاقتصاد الخفى فى الولايات المتحدة يعزى إلى الضرائب على الدخل. بينما يعزى نمو الاقتصاد الخفى فى أوروبا إلى ارتفاع اشتراكات التأمينات الاجتماعية والضرائب على القيمة المضافة. أما إذا ما أخذنا الدول النامية فى الاعتبار فان الضرائب المرتفعة على التجارة الخارجية لهذه الدول يمكن إدخالها أيضا فى قائمة العوامل المسئولة عن تحول المشروعات نحو الاقتصاد الخفى.
على سبيل المثال يشير Hansson ( 1982 ) إلى أن ارتفاع معدل الضريبة على الدخل الاضافى يمثل العامل الرئيسى فى ظهور الاقتصاد الخفى فى السويد. فوفقا لمعدلات الضريبة السائدة فى السويد يؤدى قيام الممول بعدم الكشف عن دخوله الإضافية إلى تهرب ضريبى نسبته 65% من الدخول غير المكشوف عنها. الأمر الذى يمثل حافزا كبيرا للممولين نحو التهرب الضريبى والتحول نحو الاقتصاد الخفى. ويعطى Hansson ( 1982 ) مثالا على ذلك فى حالة السويد ، حيث يشير إلى أن العامل الذى يعمل فى الاقتصاد الخفى ساعة إضافية بنصف الأجر الذى يعمل به فى الاقتصاد الرسمى سيحصل على إيراد صافى يساوى ضعف إيراده من تلك الساعة إذا ما عمل فى الاقتصاد الرسمى ودفع الضريبة المفروضة فى الاقتصاد الرسمى عن هذه الساعة الإضافية. وبالرغم من كون النظام الضريبى فى السويد من الأنظمة ذات الكفاءة العالية ، بالإضافة إلى انخفاض نسبة الفساد الادارى بين العاملين فى مجال الضرائب ، والتى تكفل حصر الاقتصاد الخفى فى أضيق نطاق ممكن بالمقارنة بباقى الدول ، إلا أن Hanson ( 1982 ) يشير إلى أن آثار ارتفاع معدلات الضريبة ، وبصفة خاصة على الدخول الحدية على المدى الطويل ، تنعكس فى صورة ازدهار للاقتصاد الخفى ، وتوفر بالفعل دوافع نحو المخاطرة والتحول نحو الاقتصاد الخفى.
وتمثل العلاقة التبادلية بين التضخم وارتفاع مستويات الضريبة على الدخل عاملا إضافيا يؤدى إلى ازدهار أنشطة الاقتصاد الخفى. فعندما تزداد الدخول الاسمية مع ارتفاع معدلات التضخم ينتقل دافعى الضرائب إلى شرائح أعلى من الدخل ، وهو ما يؤدى إلى ارتفاع معدلات الضرائب بالرغم من أن الدخل القابل للتصرف بعد فرض الضريبة قد ينخفض من الناحية الحقيقية بفعل وجود التضخم. لذلك يعمد بعض الأفراد إلى التهرب الضريبى من خلال إخفاء جانب من دخولهم عند كتابة إقراراتهم الضريبية ، أو قد يميلون إلى تفضيل إجراء المعاملات من خلال نظام المقايضة حتى يتجنبون انخفاض مستويات المعيشة الناجمة عن التضخم وارتفاع معدلات الضريبة فى ذات الوقت.
على أن السؤال الذى يطرح نفسه هنا هو هل يؤدى تخفيض معدلات الضريبة إلى القضاء على الاقتصاد الخفى؟. إن تخفيض معدلات الضريبة قد لا يعنى بالضرورة القضاء على الاقتصاد الخفى. ذلك أن المتعاملين فى الاقتصاد الخفى يتمتعون بمعدل ضريبة فعلى يساوى صفرا. وبالتالى فان تخفيض معدل الضريبة بعدة نقاط ليس من المحتمل أن يؤثر على رغبة هؤلاء الأفراد فى إظهار دخولهم الحقيقية ودفع الضريبة المطلوبة. على انه على احسن الفروض يمكن تخيل أن تخفيض معدل الضريبة سوف يقلل من الحافز نحو دخول مزيد من الأفراد إلى الاقتصاد الخفى. أما هؤلاء الذين يتعاملون فعلا فى الاقتصاد الخفى فيصعب تصور أن تتأثر أعدادهم بتخفيض معدلات الضريبة.
كذلك فان إدخال أشكال أخرى من الضريبة غير المباشرة مثل ضريبة القيمة المضافة Value Added Tax ( VAT ) ، أو ضريبة المبيعات Sales Tax بدلا من الضرائب على الدخل لن يقضى على الاقتصاد الخفى. على سبيل المثال فان الدول الأوروبية تعانى من وجود اقتصاد خفى بالرغم من استخدام ضريبة القيمة المضافة على نطاق واسع. ذلك أن من الممكن التهرب من ضريبة القيمة المضافة من خلال الاتفاقات التى يمكن أن تتم بين المنتجين والمشترين ، وكذلك من خلال تزييف الفواتير. وإذا ما نجح المتعاملون فى التهرب من الضريبة على القيمة المضافة فان ذلك سوف يمكنهم من تحصيل الضريبة والاحتفاظ بها لأنفسهم.
وبالرغم من أن التحليل الاقتصادى الجزئى Microeconomic Analysis للضريبة يشير إلى أن أرباح المنتج تميل إلى الانخفاض مع زيادة مستوى الضريبة لان المنتج قد يضطر إلى تحمل جانبا من الضريبة ، يعتمد ذلك على درجة مرونة الطلب السعرية. إلا أن التحول نحو الاقتصاد الخفى يجعل من الضريبة مصدرا جيدا للدخل للكثير من تجار التجزئة. بل وقد يمكنهم من زيادة مستوى أعمالهم وذلك عن طريق منح خصم لعملائهم يعادل قيمة – أو جزء من – الضريبة.
ويرتبط بهذا العنصر مدى شعور الأفراد بالرضاء عن السياسات الحكومية ، وقناعتهم بالأهداف التى تسعى السلطات إلى تحقيقها. إذ يعد ذلك من العوامل الفعالة فى رفع درجة الالتزام الأدبي من جانب الأفراد نحو دفع الضريبة. فإذا أحس الأفراد بعدم جدوى البرامج الحكومية ، أو أن هناك إسرافا مبالغا فيه فى إنفاق حصيلة الضرائب ، أو أحس الأفراد بان ليس هناك عائد ملموس يعود عليهم ، فانهم قد يميلون إلى محاولة التهرب من أو تجنب دفع الضريبة.
3/2 – النظم والقيود الحكومية.
يرى البعض أنه إذا لم يكن هناك ضرائب فان الاقتصاد الخفى سوف يستمر أيضا فى الظهور بسبب القيود الحكومية الأخرى المفروضة على النشاط الاقتصادى للأفراد. وتفرض هذه النظم أو القيود إما بهدف تنظيم ممارسة أعمال معينة أو رفع مستوى الرفاهية الاقتصادية للأفراد وضمان مستويات مناسبة من المعيشة أو الرفاهية أو الأمان. أو قد تفرض بسبب أن الأنشطة ذاتها أنشطة إجرامية أو غير قانونية من المنظور الاقتصادى أو الاجتماعى. وإذا كانت هذه القيود مصحوبة بغرامات مرتفعة ونظام فعال للرقابة فقد تحول دون وجود مثل هذه الأنشطة ، إلا أنها للأسف فى أغلب الأحوال ستحول هذه الأنشطة إلى الاقتصاد الخفى.
أن الكثير من الدول وبصفة خاصة الدول الصناعية تمنح بعض المزايا لأغراض رفع مستويات الرفاهية العامة للأفراد المقيمين داخل حدود دولهم. وتتناسب هذه المدفوعات بصورة عكسية مع الدخل. وعادة ما يبدأ صرفها عندما ينخفض الدخل إلى مستوى معين. وقد تؤدى نظم الضمان الاجتماعى ومدفوعات الرفاهية التى تدفعها الحكومة للأفراد إلى دفعهم نحو دخول الاقتصاد الخفى. فعندما يتعدى الدخل مستوى معين ، يصبح الفرد غير مؤهل للحصول على الإعانة الاجتماعية ، أو يحصل على جزء منها فقط. وقد يدفع هذا الأمر هؤلاء الأفراد إلى دخول الاقتصاد الخفى حتى لا تتأثر مدفوعات الضمان الاجتماعى لهم. ولهذا السبب تنتشر عمالة الأفراد الذين أحيلوا إلى التقاعد فى الاقتصاد الخفى ، خوفا من تأثر مدفوعات المعاش لهم من جراء انكشاف مصادر الدخل التى يحصلون عليها من عملهم إذا ما قرروا العمل فى الاقتصاد الرسمى.
وفى كثير من الأحيان تتطلب ممارسة بعض أنواع الوظائف أو الحرف الحصول على إذن رسمى أو ترخيص. كما قد تهدف هذه النظم إلى الحد من الكمية المعروضة من سلع أو خدمات معينة ، وهو ما ينشأ عنه فى بعض الأحوال فجوة بين الكمية المعروضة والكمية المطلوبة من هذه السلع والخدمات ، مما يوفر دافع لدى الأفراد الذين ليس لديهم ترخيصا بمزاولة المهنة أو بإنتاج هذه السلع والخدمات إلى دخول الاقتصاد الخفى والعمل بأجر اقل أو الإنتاج بسعر أقل فى الاقتصاد الخفى بدون تحمل الاستثمارات المتمثلة فى تكاليف استخراج مثل هذه التراخيص.
كذلك فان بعض القيود الحكومية على إنتاج سلعة معينة قد تهدف إلى تحقيق بعض الأهداف الاقتصادية والاجتماعية. مثل حماية مستوى المعيشة للعمال أو حماية المستهلكين. إلا أن ذلك يدفع بعض المنشآت إلى الظهور بهدف الحصول على ميزة تنافسية من خلال تجنب هذه القوانين. كذلك فان هناك مجموعة من القيود القانونية الأخرى التى تساهم فى تحول المشروعات نحو الاقتصاد الخفى ، مثال ذلك القيود القانونية أو المفروضة من قبل نقابات العمال حول مستويات الأمان والسلامة الواجب توفيرها أثناء أداء الوظيفة. أو القيود القانونية الخاصة بالمواصفات الواجب الالتزام بها فى تصميم المشروعات بهدف حماية البيئة. أو القيود على الحد الأدنى للأجور.
3/3 – دور المشروعات الصغيرة.
يعتبر الاقتصاد الخفى مهم جدا بالنسبة للمشروعات الصغيرة ، كما أن المشروعات الصغيرة مهمة جدا لوجود الاقتصاد الخفى. فالمشروعات الصغيرة تميل إلى إجراء معاملاتها باستخدام النقود السائلة ، ومن المعلوم أن مجالات الأعمال التى تقوم على استخدام النقود السائلة فى إجراء المعاملات تسهل من الأنشطة الخفية. ولهذا السبب نجد أن أى محاولة لتطبيق النظم الضريبية بالقوة يترتب عليها إفلاس عدد كبير من المشروعات الصغيرة ، لان هذه المشروعات تعمل أصلا فى ظل افتراض عدم وجود ضرائب.
ويؤدى تزايد أعداد المشروعات الصغيرة التى تقوم أساسا على استخدام النقود السائلة فى إبراء المعاملات إلى زيادة الأهمية النسبية للاقتصاد الخفى فى العديد من الدول. حيث يصبح من السهل التهرب من الضريبة عندما يكون حجم المشروعات صغير نسبيا.
3/4 – ندرة السلع.
تختلف طبيعة العوامل المسئولة عن نمو الاقتصاد الخفى من الدول النامية إلى الدول المتقدمة. فمما لا شك فيه أن جانبا كبيرا من التحليل عن أسباب نمو الاقتصاد الخفى تم على أساس حالة الدول المتقدمة ، والتى تلعب فيها الضرائب دورا أساسيا. أما فيما يتعلق بالدول النامية فان الأمر يختلف بعض الشئ. إذا أننا نواجه فى هذه الحالة اقتصادا على جانب كبير من السيطرة والتحكم فيه من جانب الحكومة ويعانى من عجز فى عرض بعض السلع. كما أن جانبا كبيرا من هيكل الضريبة ينصب على الضرائب الغير مباشرة وليس الضرائب على الدخل ، والتى يفترض أنها العامل الأساسى فى نمو الاقتصاد الخفى فى الدول المتقدمة. ولذلك نجد أن السبب الرئيسى فى نمو الاقتصاد الخفى فى هذه الدول هو نقص عرض السلع الاستهلاكية والرأسمالية ، وسهولة التلاعب فى السلع التى توفرها الحكومة ، والتى يفترض أن يتم توزيعها من خلال المنافذ المختلفة التى تتولى الحكومة الإشراف عليها.
إن النظام الخاص بالأسعار فى هذه الدول عادة ما يكون غير مناسبا ولا يعكس مستوى الندرة. فالسلع الأساسية تباع بأسعار مدعمة. وتؤدى هذه الأسعار المنخفضة إلى انتشار ظاهرة الطوابير وأحيانا زيادة فائض الطلب على السلع الاستهلاكية. ويؤدى ذلك الأمر إلى ازدهار أنشطة الاقتصاد الخفى أما من خلال إعادة بيع هذه السلع بصورة غير قانونية ، أو من خلال محاولة إنتاج هذه السلع فى الاقتصاد الخفى للوفاء باحتياجات الطلب عليها.
3/5 – دور المعلومات.
تلعب المعلومات دورا حيويا فى أداء الاقتصاد الخفى. فكل من المشترين والبائعين فى سوق السلع والعمل يحتاجون إلى معلومات عن الأطراف موضع المعاملات التى تتم على أرض الواقع. كذلك قد تكون هناك حاجة إلى المعلومات عن الأسعار والجودة والبدائل المتاحة. وبدون توافر هذه المعلومات فان السوق لا يمكنه العمل. وعلى ذلك لكى ينمو الاقتصاد الخفى فلابد من توافر المعلومات بسهولة وبتكلفة قليلة.
على أنه تنبغى الإشارة إلى انه إذا كانت البيانات متاحة بهذه السهولة للأطراف المتعاملة فى الاقتصاد الخفى ، فانه من المتوقع بالتالى أن تكون متاحة أيضا للحكومة. ومما لاشك فيه أن المعلومات سوف يكون لها تكلفة لمن يريد التعامل فى الاقتصاد الخفى. ومن ثم فان ازدهار الاقتصاد الخفى فى هذه الحالة سوف يعنى أن الحكومة أما لا تستطيع جمع هذه المعلومات أو لا ترغب فى جمعها أصلا.
4 – طرق تقدير حجم الاقتصاد الخفى.
يتفق دارسو الاقتصاد الخفى على انه من المستحيل تقدير حجم هذا الاقتصاد لأنه أصلا اقتصاد خفى. إلا أن ذلك لم يمنع من محاولة التوصل إلى تقدير ما لحجم الاقتصاد الخفى. وعندما تمت محاولات لتقدير حجم الاقتصاد الخفى ، وجد أن هذه التقديرات متضاربة حتى بالنسبة للاقتصاد الواحد وذلك بسبب عدم الاتفاق على تعريف محدد للاقتصاد الخفى ، ومن ثم يختلف التقدير باختلاف تعريف الأنشطة التى يتم تقديرها. كذلك تتعدد الأساليب المستخدمة فى تقدير حجم الاقتصاد الخفى وتختلف من حيث المدخل المستخدم فى القياس. ولذلك لا يستطيع أي من الذين تناولوا هذا الموضوع الادعاء بأنهم قد قاموا بتقدير حجم الاقتصاد الخفى بدقة.
ويوجد هناك فى الواقع مجموعتين من الأساليب لتقدير حجم الاقتصاد الخفى. وتسمى المجموعة الأولى بالأساليب المباشرة ، والتى تقوم على أساس تقدير الأنشطة التى تتم فى الاقتصاد الخفى وتجميع هذه الأنشطة لنحصل على تقدير للمعاملات التى تتم فى هذا الاقتصاد. ونظر لصعوبة مثل هذه الأساليب المباشرة فقد استخدمت طرق أخرى غير مباشرة. وتقوم هذه الأساليب على محاولة اكتشاف الآثار التى تترتب على وجود مثل هذا الاقتصاد.
ويرى Frey & Bruno [ 1982 ] أن ما يتم قياسه فى هذه الدراسات التى تقوم على تقدير حجم الاقتصاد الخفى يعد أمرا غير واضح. فقد يكون حجم المبادلات التى تتم فى هذا الاقتصاد ، مثال ذلك المبيعات من المخدرات وغيرها من الأنشطة ، أو قد يتناول جانبا واحدا فقط من هذا الاقتصاد ، مثل عملية التهرب الضريبى. ولذلك فانهما يريان أنه من الأفضل محاولة تحديد العوامل المسئولة عن الاقتصاد الخفى بدلا من محاولة تقديره. وبالرغم من وجاهة وجهة النظر هذه فإننا لا يمكننا التقليل من أهمية عملية تقدير حجم الاقتصاد الخفى. فلا شك أن إلحاح الحاجة نحو تحديد العوامل المسئولة عن وجود الاقتصاد الخفى ستعتمد أساسا على مدى كبر أو صغر حجم الاقتصاد الخفى. فالحاجة الماسة لتمييز العوامل المسئولة عن الاقتصاد الخفى تنشأ فقط إذا كان حجم هذا الاقتصاد جوهريا بالدرجة التى تؤثر على أداء الاقتصاد الرسمى.
وفيما يلى نتناول المداخل المختلفة التى تناولت عملية تقدير حجم الاقتصاد الخفى بالتفصيل.
4/1 – مدخل الفروق بين الدخل والإنفاق.
يسمى هذا المدخل بأسلوب الفروق المكشوفة بين إنفاق القطاع العائلى ودخله. فالأفراد الذين يقل دخلهم المعلن عن إنفاقهم ربما يخفون جانبا من دخلهم والذى قد يرجع الى دخول مولدة أصلا فى الاقتصاد الخفى. ويقوم هذا المدخل على فرض الرئيسى مؤداه أن الأفراد يحصلون على دخول من مصادر مختلفة وأن هناك جانبا من هذه الدخول لا يتم الإفصاح عنها أو على الأقل إخفاء جانبا منها. إلا أن هذه الدخول المخفاة سوف تتحول الى إنفاق أن آجلا أو عاجلا. وبمعنى آخر فان هذا الأسلوب لتقدير حجم الاقتصاد الخفى يقوم على أساس أن معاملات الاقتصاد الخفى لن تظهر فى صورة دخل ولكنها ستظهر فى صورة إنفاق. فإذا ما كان ذلك صحيحا فان هذه الفروق بين الدخول المسجلة والإنفاق تعطينا معلومات حول حجم الاقتصاد الخفى. أكثر من ذلك فان التغيرات السنوية فى حجم هذه الفروق بين الدخل والإنفاق تشير الى الاتجاه العام Trend للاقتصاد الخفى. ويمكن وفقا لهذا المدخل تقدير حجم الاقتصاد الخفى بأسلوبين ؛ الأول يقوم على أساس المقارنة بين الدخل والإنفاق على المستوى الكلىMacro . أما الأسلوب الثانى فيتناول القضية على مستوى التحليل الجزئى Micro وذلك من خلال مقارنة الدخل بالإنفاق للمجموعات المختلفة من الأفراد ثم تعميم النتائج على مستوى الاقتصاد ككل. وعلى المستوى الكلى يتم تحديد حجم الاقتصاد الخفى من خلال مقارنة تقديرات الحسابات القومية للدخل مع تقديرات الدخل التى تتم اعتمادا على الإيرادات الضريبية. أما الفروق فلابد وأن تمثل تقديرا للدخل الغير معلن عنه للسلطات الضريبية. ولقد تمت مثل هذه المقارنات للعديد من الدول.
على سبيل المثال قام Park [ 1979 ] بدراسة عن الولايات المتحدة فى محاولة لقياس ” الفروق غير المبررة Unexplained Differences ” ” بين تقدير الدخل الشخصى بواسطة مكتب التحليل الاقتصادى ” Bureau of Economic Analysis ” وتلك الخاصة بالتقديرات المعدلة للدخل على أساس عينة من الإيرادات الضريبية بواسطة إدارة الضرائب Internal Tax Revenue . وبإجراء بعض التعديلات لتجنب اثر الفروق فى التغطية الإحصائية لبيانات الحسابات القومية وبيانات الضرائب ، وكذلك لاختلاف المفاهيم الخاصة بالدخل ، بهدف جعل هذه التقديرات أكثر توافقا توصل الى أنه فى عام 1977 كانت التقديرات – المعدلة – لبيانات الدخل الكلى بواسطة مكتب التحليل الاقتصادى تتعدى تلك الخاصة بإدارة الضريبة بأكثر من 82 مليار دولار ، أو 4% من الناتج المحسوب. أما بالنسبة للسنوات السابقة فقد توصل Park الى نسب 5.5% عام 1968 و 9.4% عام 1948. ويعنى ذلك أننا لو اعتبرنا ذلك انعكاسا للاقتصاد الخفى فان تقديرات Park تشير الى أن حجم الاقتصاد الخفى قد انخفض فى الولايات المتحدة الأمريكية منذ الحرب العالمية الأولى .
وعلى العكس من تلك التقديرات يشير Frey & Pommerehne [ 1982 ] الى أن الفروق بين قياسات الدخل القومى وتقديرات الدخل القائمة على أساس إيرادات الضريبة ( المعدلة ) تضاعفت خلال الفترة من 1970-1978 بحوالى 9 أضعاف بالرغم من أن القياسات الرسمية للناتج القومى تشير الى أن الناتج تزايد 3 مرات فقط. كذلك يشير Frey & Pommerehne ( 1982 ) الى أن هذه الفروق قد قدرت بحوالى 4.7% عام 1978 فى الولايات المتحدة ، وفى الدانمرك بحوالى 6% فى عام 1974 / 1975 ، وحوالى 8.9 % فى ألمانيا الغربية ( سابقا ) ، و20% فى بلجيكا فى أعوام 1965-1966 و 1970 ، كذلك قدرت تلك الفروق بحوالى 23% بالنسبة لفرنسا عام 1965. أما( 1982 ) Dilnot & Morris فيشيران الى أن تقديرات الدخل تقل عن تقديرات الإنفاق فى المملكة المتحدة بحوالى 4% عام 1975.
ويمكن إيضاح هذه الفروق أيضا على مستوى التحليل الجزئى ، وذلك من خلال تقدير الفروق غير المغطاة بين الدخل والإنفاق للقطاع العائلى. وفى هذا المجال فقد تمت بعض الدراسات على بعض الفئات من القطاع العائلى أو بعض المنتمين الى مهنة معينة أو فئة دخلية معينة. ويشير كل من Frey & Pommerehne [ 1982 ] الى أن بعض الدراسات أشارت الى المنتمين الى القطاع العائلى الخاص فى المملكة المتحدة ، وعلى رأسه الأفراد الذين يعملون لحسابهم Self Employed ، لم يعلنوا عن 2.1 مليار جنيه استرلينى من دخولهم فى إجاباتهم عن مسح المستهلك Consumer Survey. وهو ما يمثل حوالى 2% من الدخل القومى. ونفس النتائج توصل إليها مكتب الإحصاء المركزى CSO فى المملكة المتحدة. كذلك فقد توصل مسح على 1000 أسرة من الأسر المهاجرة الى إسرائيل من الجزء الأوروبى فى الاتحاد السوفيتى الى أن حوالى 10% – 12% من دخول هذه الفئة أتت من مصادر خاصة ، وأن حوالى 18% من إنفاقهم الاستهلاكى يتم من خلال مؤسسات خاصة ، وأنه بأخذ الأشكال المختلفة للتعديل فان الاقتصاد الغير رسمى فى إسرائيل يصل الى حوالى 6% الى 7% من الناتج القومى الإجمالى فى عام 1973.
وتنبغى الإشارة الى ضرورة أخذ الحذر عند تناول هذا المدخل. فمن الممكن أن تكون زيادة الإنفاق عن الدخل راجعة الى الادخار السلبى ، أو بسبب ظروف طارئة أو بسبب العوامل المرتبطة بدورة الحياة Life Cycle. من ناحية أخرى فان Greenfield [ 1993 ] يشير الى أن هناك احتمال قوى أن يلجأ الأفراد الى إعطاء إجابات زائفة ، أو أنهم قد لا يعلمون أن من يقدمون لهم السلع أو الخدمات يعملون أصلا فى الاقتصاد الخفى.
4/2 – مدخل المراجعات الضريبية.
يتناول هذا المدخل المعلومات عن الاقتصاد الخفى على أساس الجهود التى تبذلها الإدارات الضريبية لكشف الدخول التى لا يتم الإفصاح عنها. ويتم ذلك من خلال المراجعة الضريبية المكثفة لعينة من الممولين الذين قدموا إقراراتهم الضريبية للتأكد من مدى صحة هذه الإقرارات. ويفترض فى هذه الحالة أن يقوم الممول بصورة تطوعية ( بالطبع تحت وطأة التهديد القانونى من أن يقع فريسة قوانين التهرب الضريبى ) بالكشف عن كافة مصادر دخله. ويقوم هذا الأسلوب على أساس اختيار عينة عشوائية من دافعى الضرائب فى المجتمع ثم إخضاع أعمال هؤلاء للفحص الدقيق والمراجعة فى محاولة لاكتشاف نسبة التهرب الضريبى ثم تعميم هذه النتائج على المستوى القومى.
ويتميز هذا الأسلوب فى انه يعطى تقريبا دقيقا لكمية الدخل التى يتم إخفاؤها من قبل الممولين. على سبيل المثال يشير Greenfield [ 1993 ] الى أن عمليات المراجعة الدورية لعينة من 50000 شخص من دافعى الضرائب فى الولايات المتحدة ، والتى تمت من جانب إدارة الضرائب فى الولايات المتحدة الأمريكية IRS أوضحت أن عمليات إخفاء المستوى الحقيقى للدخل ترتفع بالنسبة لبعض الفئات الى مستويات خطيرة قد تصل الى 60 %. كذلك يذكر Hansson ( 1980 ) أن هناك نسبة تتراوح ما بين 8% – 15% من الدخول المعلنة لا يتم الكشف عنها فى حالة السويد.
على أن هذا الأسلوب يعانى من عدة عيوب منها العيوب المصاحبة لعملية المعاينة Samplling بصفة عامة. كذلك فان بعض أشكال الدخل يصعب قياسها أو اكتشافها. مثال ذلك أنشطة التهريب السلعى وتهريب المخدرات وغيرها. وهكذا فان هذا المدخل لا يسمح بتقدير الحجم الكامل للدخول المخفاة بالنسبة لبعض القطاعات أو المجموعات والتى ترتفع بينها درجة التهرب الضريبى. ولهذا السبب فانه من الأمور المشكوك فيها أن يؤدى هذا الأسلوب الى إعطاء معلومات كافية عن مستوى واتجاه الاقتصاد الخفى. وأخيرا فان تقديرات الاقتصاد الخفى يمكن أن تتأثر بسهولة بالتغيرات التى تحدث فى أساليب كشف التهرب الضريبى وهيكل الضريبة وكذلك التشريعات الضريبية.
4/3 – مدخل سوق العمل.
ينعكس تصاعد أهمية الاقتصاد الخفى فى شكل انخفاض معدلات مشاركة قوة العمل Participation Rates ، بالمقارنة بتلك الخاصة بالفترات أو الدول التى تقل فيها أهمية الاقتصاد الخفى. وبالتالى فان الفرق بين معدلات المشاركة الفعلية وتلك المسجلة بشكل رسمى قد تمكن من تقدير حجم العمالة غير المنتظمة Irregular Labour Force وبالتالى حجم الاقتصاد الخفى.
الدكتور عادل عامر