جولة أدبية (8)
تاريخ النشر: 25/07/16 | 10:03ثمة خلاف على اسم الشاعر الذي تُعزى إليه الأبيات المشهورة:
قل للمليحة في الخمار الأسود *** ماذا صنعت براهبٍ متعبـد
قد كان شمّر للصلاة ثـيابـه *** حتى وقفت له بباب المسجد
فوجئت إذ وجدت هذين البيتين في شعر أبي نواس، فظننت في الحال أنهما له (ديوان أبي نواس- الهجائيات- ص 565)، لكن تبين لي بعد مراجعة أنه تمثّل بهما، وكان ذلك مألوفًا لدى الشعراء.
يذهب الكثيرون -كما ذهبت أنا أولاً- إلى أن الشعر لمسكين الدارمي، وهو ربيعة بن عامر المتوفى سنة 673 م، ولقب مسكينًا لأنه قال بيتًا فيه كلمة (مسكين):
أنا مسكين لمن أنكرني *** ولمن يعرفني جدّ نطَقْ
لكني لم أجد أن الشعر لمسكين في المصادر القديمة المعتمدة مما أتيح لي أن أتصفّح، اللهم إلا في كتاب ابن خَلِّـكان (وَفََيات الأعيان) في مادة “أبي علي التنوخي” حيث يذكر هذا الشعر على أنه منسوب لمسكين الدارمي.
أما عشرات المصادر التي أوردت القصة فتكتفي بذكر اللقب (الدارمي) دون أن تذكر الاسم الأول.
غير أن صاحب الأغاني- أبو الفرج الأصفهاني- أشار إلى أن الشاعر هو سعيد الدارمي، وكان من ظرفاء مكة، وقد ذكر ذلك قبل ترجمة (الدارمي)، حيث أثبت شعرًا له من الأصوات المختارة. ثم ذكرفي ترجمته -التي تختلف عن ترجمة (مسكين)- أنه عاش إلى خلافة بني العباس.
في رأيي أن الأغاني هو أوثق وأدق في رواياته المتعددة عن الأصمعي، وأنا أذهب هذا الرأي، فالشاعر هو سعيد الدارمي.
ثمة بيت ثالث لم يرد في الأغاني، وقد ورد في مصادر أخرى:
ردّي عليه صلاته وصيامه *** لا تقتليه بحق دين محمد
أما ما زاد على ذلك فهو من وضع المتأخرين.
إليكم قصة الشاعر والأخمرة كما وردت في (الأغاني):
“أخبرني الحرمي بن أبي العلاء…… عن الأصمعي، قال، وحدثني به النوشجاني عن شيخ له من البصريين عن الأصمعي عن ابن أبي الزناد، ولم يقل عن ابن أبي الزناد غيره:
أن تاجرًا من أهل الكوفة قدم المدينة بخُمُر فباعها كلها وبقيت السود منها فلم تنفق، وكان صديقًا للدارمي، فشكا ذاك إليه، وقد كان نسك وترك الغناء وقول الشعر؛ فقال له:
لا تهتم بذلك، فإني سأنفقها لك حتى تبيعها أجمع؛ ثم قال الشعر، وغنى فيه، وغنى فيه أيضًا سنان الكاتب، وشاع في الناس وقالوا:
قد فتك الدارمي ورجع عن نسكه؛
فلم تبق في المدينة ظريفة إلا ابتاعت خمارًا أسود حتى نفد ما كان مع العراقي منها؛
فلما علم بذلك الدارمي رجع إلى نسكه ولزم المسجد.”
(الأصفهاني، الأغاني ج 3، ص 46)- ذكر الدارمي وخبره ونسبه.
من الجميل ذكره أن هناك من الشعراء من جاروا الدارمي، وكتبوا بتكرار البداية:
“قل للمليحة في الخمار …”:
الأحمر: علي بن محمد بن أرسلان: تجد النص في “معجم الأدباء” لياقوت الحموي،
المذهب: القاضي التنوخي في “نشوار المحاضرة” وفي “وَفَيات الأعيان”،
العصفري: المحبّي في “نفحة الريحان”.
في الشعر الحديث ثمة قصيدة للشاعر العراقي (كريم عراقي) أتى بها على ألوان الأخمرة المختلفة حتى لا “تزعل” أية مليحة، فمن أراد الاطلاع عليها فعليه بمحرك (غوغل) ليبحث عنها.
ب. فاروق مواسي