وكالات العلاقات العامة..سلاح إسرائيل السري
تاريخ النشر: 31/07/16 | 16:24من فرط انشغال النخب السياسة والإعلامية في تحميل المسؤوليات الكونية للوبي الإسرائيلي الضاغط في أمريكا وأوروبا، وجعله السبب في كل الحروب والنزاعات والمجاعات والفقر والجهل، أحببت فعلاً أن أتعرف إلى حقيقة الأمر، وهل يستطيع اليهود في العالم الذين يبلغ تعدادهم ١٢ مليون شخص -وكثير منهم لا ينتمي أصلا لإسرائيل ولا لفكرة اليهودية- أن يقوموا بادوار فعلية في مجال التأثير المباشر على صناع القرار والمجاميع الإعلامية والنخبوية في المجتمعات المختلفة ؟
الحقيقة أن الأمر ينطوي علي نقطتين اثنتين في شكله العام:
النقطة الأولى: وهي قضية وجود نخب استراتيجية لدى اليهود تعلمت في الغرب تحديداً، ولديها خبرة وقدرة حقيقية على معرفة مفاصل القوة في المجتمعات الغربية وقد شكلت قاعدة بيانات حقيقية عن نخب المجتمع ومؤسساته وطبقاته السياسية والإعلامية والأكاديمية والأدبية، ورسمت آليات التواصل معها بالاسم اليهودي الصريح تارة، وبأسماء مؤسساتية أخرى تارة أخرى، لتكون هذه الشرائح في دائرة استهداف فكري مستمر بأكثر من لون وبأكثر من اسم تحت المضمون نفسه.
النقطة الثانية: وبها مسألتان هامتان، المسألة الأولى تتصل بجهلنا الذاتي في العالم العربي والإسلامي في فهم مكونات العقل الغربي وأسلوب التواصل معه وما يحبه من الصياغة والأدب وألوان النشر والملصقات وفنون الإعلام المؤثرة لديه، فكنا عامل هدم فعلي، نقدم لأعدائنا خدمات مجانية ومقالات وصور استخدمت كلها ضدنا تحت عنوان:من فمك أدينك.
أما المسألة الثانية فتتصل بوجود الصهاينة العرب، والكتاب والإعلاميين والوزراء والشخصيات السياسية المتهودة أصلاً، والتي تتخذ من أعمالها وإصداراتها قربة لعل اليهود يغدقون عليهم براتب شهري أو زيارة أسبوعية مجانية لإسرائيل على حساب ضياع فكر المجتمع.
لكن من يقوم بالمتابعة والدراسة والتحليل ورسم سياسات التواصل ووضع الخطط الإعلامية وسبل التواصل مع المؤسسات والشخصيات في أمريكا والغرب ؟ هذا أمر يحتاج اليهود كلهم ليقوموا به وهو أمر مستحيل..
لقد اعتمدت اسرائيل من خلال سنوات وعقود الصراع مع الشعب الفلسطيني ومن خلفه الأمة العربية والمسلمة على أركان أساسية تقوم بالعمل نيابة عنها في كل هذه الأمور مقابل مبالغ مالية يجري الاتفاق عليها بين الطرفين، إسرائيل أو لوبي المؤسسات الضاغط في الدول الغربية، ومؤسسات الخبرة المتمثّلة بمراكز الدراسات ومؤسسات العلاقات العامة وشركات الدعاية والإعلام الكبرى.
هذه المؤسسات تقوم – بحسب الاتفاق معها بتقديم تقارير دورية تصاغ بشكل علمي لقيادة الاحتلال، فيها قراءات لمزاج الشارع العام في الدول العربية والغربية تجاه إسرائيل، وما تحبه وتكرهه القيادات الحاكمة فيها، وأفضل سبل الاتصال بها،رسمياً أو بالمال أو بالشهرة أو بالمنصب أو بالنساء أو بالتوقيعات وإجراءات الدبلوماسية الدولية الروتينية لتكون زاداً لوزارة الخارجية الإسرائيلية وجماعات الضغط والمصالح في العالم لاتخاذ الأساليب المناسبة لبدء الحملات أو التعامل مع المستجدات وقت الأزمات مع شخصيات تم تحديدها وتحديد آليات الاتصال والتأثير بها مسبقاً.
قد تستغربون فعلاً أن مؤسسات العلاقات العامة الراسخة التي تأخذ فعلياً أجرة عالية بدل خدماتها وخدمات خبرائها ومستشاريها وفرقها التخصصية قادرة أن تقلب مزاج شعب كامل في فترة زمنية قصيرة، فألمانيا على سبيل المثال شاهد حي وواضح علي هذه الحملات الإعلامية والتفاعلية المؤثرة، فهناك اليوم شريحة سياسية تدافع عن اليهود في ألمانيا أكثر مما قد يفعل اليهود أنفسهم، وفي مجال القضاء والإعلام والاتحادات والنقابات وعالم السينما والأدب ونحوها تغلغل واضح لهذه المؤسسات القوية وأثر ملموس وفوري.
على سبيل المثال لا الحصر، وإبان العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة المحاصر، قامت أكثر من وسيلة إعلام ألمانية وبشكل مكرر ومتعدد المصادر ببث صور كاريكاتورية وبرامج تلفزيونية وتقارير صحفية كلها تركز على صورة الفلسطيني الملثم بالكوفية الملونة، وهذه الصورة ترتبط في ذهن الغربيين تلقائياً بمفهوم ومعنى الإرهاب، بل تعدى هذا الأمر لعرض مسلسلات مترجمة وأصلية باللغة الألمانية تظهر الفلسطينيين يعيشون بين أكوام القمامة في بيوت قذرة، وأظهروا المراة الفلسطينية بمشاهد تنتهك مكانتها وهويتها وطبيعتها، ليقولوا للمجتمع الألماني على المستوى العام وعلى مستوى النخب:لا سواء، إسرائيل دولة متحضرة حتى ولو أخطات، والفلسطينيون إرهابيون ومتخلفون وجهلة ولا مجال للتعامل معهم في الحال والاستقبال، فتسقط الرهانات على أبواب مؤسسات الدعاية والإعلام ذات الخبرة، وينتصر التوجه الإسرائيلي على توجه كل الدول العربية الفقيرة منها قبل الغنية.
السؤال هنا: بدل المليارات التي تدفع في سفارات العالم العربي دون جدوى، والمليارات التي تنفق على البرامج الإعلامية التي لا يتابعها أحد غير مخرجها ومقدمها وفريق عملها، ألا يمكن للدول العربية أن تعتمد سياسة خاصة بها للتعامل مع هذه المؤسسات التي تعتبر مؤسسات خدمة عامة تعمل لصالح من يدفع لها بشروط واضحة يتم الاتفاق عليها.
إن إنفاق دولة واحدة على مؤسسة علاقات عامة مؤثرة وذات خبرة ونفوذ في أمريكا أو أي دولة أخرى يعني مليون ضعف من الأثر الموجود في تأثير هذه الدولة بإعلانها وإعلامها وسفرائها ومؤسساتها، لأن العمل الذي يجري تحديده وتحليله وتخطيطه وهندسته بيد الخبراء المختصين من أهل البيئة لن يجانب الصواب ولن يكون ذَا أثر ضعيف ومرحلي عابر، والعبرة بمن أدرك فبادر !.
د.نزار نبيل الحرباوي