الحَمَــامَةُ والمِئْذَنَةُ
تاريخ النشر: 17/11/13 | 9:37حَمَامَةٌ بيضّاءٌ بَلَدِيَةٌ ،اتَخَذَت لَها مِن إحدى طَاقاتِ المسجِدِ القديمِ بُرْجاً تَهْجَعُ فيها عند المَساءِ،وملجأً تأوِي إليه عند المطرِ، ونزول المَخاطِرِ والأهْوال.
حَمَامَةٌ خَضّبَ هَديلَهَا المُخْمَلِيَّ نَدَى صَوْتِ المُؤذِنِ الشَجِيّ،ونَسائِمُ عِطْرِ الصلاةِ ،فَبَدت وكأنها زاهِدَةً تلتَحِفُ الخُشوعَ وَتَتَزَمَلُ الطمأنينَة بِوَرَعٍ وَسَكينَةٍ.
وَفي إحْدى الليَالِي الحالِكَةِ بَيْنَما خَلَدت حَمامَتُنا المتعَبَةُ في غَفْلَتِها الأولى،سرعان ما استفاقَت فزِعَةً على صَوْتِ حَشْرَجَةِ بُكاءٍ ورَشْحِ دُمُوعٍ ساخِنَةٍ بَلَلت ريشاتِها البيضاءَ وَقَضّت مَضْجَعَهَا.
استَطْلَعَت الحَمَامَةُ الفَزِعَةُ الأمْرَ بِعَيْنَيْها الحمْراوَتَيْنِ الغاَئِرَتَيْنِ فَوَقَعَ بَصَرُهَا عَلى هِلالِ المِئْذَنَةِ وكأنَهُ مِيزَاباً تَتَدَفَقُ مِنْهُ الدُمُوعُ .
– أفْزَعْتَني يا هِلالَ مِئْذَنَتِنَا ! مَا بَالُكُ تَبْكي ؟ ماذا دَهَاكَ تَأِنُ وَتَنوحُ ؟
– آهِ يا حَمَامَتَنَا الوادِعَةَ … تَبَاً لهَذا المَخْلوقِ الغَريبِ القَاسِي!!
– وَهَل تَفْزَعُ مِن الطُيُورِ الجارِحَةِ والوُحوشِ الكاسِرَةِ ؟وأنتَ في مَأْمَنٍ مِن شَرِها !
– انَهُ اشّدّ قَسْوَةٍ وَغِلْظَةٍ مِنْهَا ..لَمْ أعُدْ أحتَمِل عَنْفَهُ وَكَبَائِرَهُ وأنا ارْقبُهُ مِن عَلْيائِي،صُبْحَ مساء،ليل َنَهار، في أرجاءِ البلدة جميعها، انَهُ الإنسانُ أيتها الوَادعَةِ !
كَرّمّهُ اللهُ وَأحْسَنَ تَقْوِيمَهُ ،فأخَذَتْهُ العِزّةُ بالإثْمِ فَعَاثَ في الأرْضِ فَسَاداَ.
قَتَلَ النَفْسَ،أراقَ الدِمَاء،سَلَبَ الأمْوالَ وتَوَلى يهلِكَ الحَرْثَ والنَسْلَ.
ضَرَبَت الحَمَامَةُ جَنَاحَيْها ،وارْتَعَشَت وَجِلَةً مِما يُحَدِثُها الهِلالُ ،وَهَدَلَت بصَوتِها المَحْبوسِ:
– لمْ أعْهَدْ لَكَ ايها الهلال إلا صِدقاً ،وَلَم أسْمَعْ مِنْكَ إلا صَواباً ..آهٍ لَكَ يا ابن آدمٍ آهٍ !
وآهِ لَكِ أيتها البلدةَ الصمّاء الخرساءَ ،سأرْحَلُ ايها الهِلال فقد بِتُّ أخْشى على نَفْسي مِن هذه الأعمال النَكْراء ،سآوي إلى جَزيرَةٍ بَعيدةٍ ما بين الجوارحِ والوحوشِ الكاسِرَةِ تَعْصِمنِي من هذه الضغائن والأحقاد.
مَا كَادَت الحمامَةُ البلدِيّة تودع الهلالَ والمِئْذَنَةَ وإذ بِرَصاصةٍ طائِشَةٍ تَسْتَقِرُ في جِسْمِها النَحيلِ فَتُرْديهاً أرْضاً دونَما حِراكٍ ،فوَقَعَت أمَامَ بَوابَةِ المَسْجِدِ مُلَطَّخة بالدِماء،ليسيل دَمُها الزكِيُّ يَكْتُبَ وَصِيّةً تَسْتَقْبِلُ القادِمينَ لصلاةِ الفَجْرِ :
" أمَا آنَ للتَسامُحِ والتَراحُمِ أن يَسُودا بينَكُم؟ " .
جزاك الله خيرا انها قصة قصيرة هادفة ومعبرة ليت الناس يتعظون