سيِّدنا آدم عليه السلام
تاريخ النشر: 04/08/16 | 17:00اجتمع الأولاد حول جدِّهم في جلسة عائلية جميلة، وبعد تناولهم طعام الغداء بدأ الجدُّ يَحكي لأحفاده كيف أن الله خلَق السموات والأرض بكلِّ ما فيها مِن كواكبَ ونجومٍ ومَجرات، وخلَق المجموعات الشمسية الكثيرة التي لا يُعرف عددُها، ومِن تلك المجموعات الشمسية والنجمية كانت مجموعتنا الشمسية الكبيرة، والتي تضمُّ بينها الكرة الأرضية التي نَحيا عليها بما فيها من بحار وأنهار ومحيطات وجبال وغابات، لكن هذه الأرض لم يكن فيها بشَر، وكانت خالية إلا مِن الحيوانات والنباتات والجان.
قال شعيب: ألم يكن هناك مخلوقات سوى الحيوانات والنباتات؟!
الجد: في تلك الأثناء لم يكن هناك مخلوقات في الكون سِوى الملائكة والجنِّ.
إلياس: جدِّي، ممَّ خلَق الله الملائكة والجن؟
الجد: خلَق الله الملائكة مِن نور، وخلَق الجنَّ مِن نار.
مسعود: هل حقًّا يا جدي أن الجنَّ كانت تَسكن الأرض قبل خلق سيدنا آدم – عليه السلام؟
الجد صالح: نعم.
إلياس: فما الذي حدَث لهم بعد ذلك؟
الجد صالح: حدَث أن طغت الجنُّ وتمرَّدوا، وعصَوا أمر ربهم، فغيَّروا وبدَّلوا، وأفسدوا في الأرض.
وأراد الله – سبحانه وتعالى – أن يَخلق بشرًا مِن طين؛ ليسكن في الأرض؛ فقال – سبحانه وتعالى – للملائكة: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30]، ولم تعرف الملائكة حِكمة الله في ذلك، فخافتْ أن يكون ذلك المخلوق سيَسفِك الدماء ويُفسد في الأرض كما أفسدت الجن، إلا أن الله طمأَنهم، وقال لهم: ﴿ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30]؛ أي: إنه أعلم منهم بكل شيء، وهم لا يعرفون الغاية مِن خَلقِه.
وأمر الله الملائكة أن تجمَع حِفَنًا مِن تراب الأرض من كل اتجاه، فجاءت الملائكة بتُراب مُختلف الألوان؛ ولذا يَختلف الناس في اللون والطبْع.
وبعد ذلك مزَج الله التراب بالماء فصار صلصالاً مِن حمأ مسنون، ومِن هذا الصلصال خلَق الله – سبحانه وتعالى – آدم وسوَّاه بيدَيه.
شُعيب: لكن لماذا سماه الله – سبحانه -: آدم، يا جدِّي؟
تبسَّم الجد وقال: سمَّاه اللهُ – سبحانه وتعالى – بآدم؛ لأنه خلَقه مِن أديم الأرض؛ أي: ترابها.
وهنا أسرع إلياس يسأل جدَّه بلهفَة وشَوق لمعرفة ما حدث بعد ذلك: وماذا فعل الله – سبحانه وتعالى – بعد ذلك يا جدي؟
الجد صالح: ثمَّ علمه الله أسماء كل الأشياء؛ فهذا عُصفور، وهذه سماء، وهذا جبل، وهذه حمامة…. إلى آخِر الأشياء، وعرض كل الأشياء على الملائكة، وطلب منهم ذكْر أسمائها، لكنَّ الملائكة لم يَعرفوها، وقالوا: سبحانك يا ربِّ لا عِلم لنا إلا ما علمتَنا، فطلب مِن آدم أن يُخبرهم بتلك الأسماء، فلمَّا أخبرَهم بتلك الأسماء، عَلِموا ما أراده الله بخلْق آدم، وأن الله هو وحده من يعلم كلَّ شيء.
عندها أمر الله – سبحانه وتعالى – الملائكة أن تسجد لآدم، ليس تقديسًا؛ لأن سجود التقديس لا يكون إلا لله؛ وإنما تكريمًا لمكانته عند الله، وهذا مِن فضيلة العِلم والعلماء؛ فالأفضلية دائمًا لصاحبه في الدنيا والآخِرة.
وسجَد الملائكة كلُّهم إلا واحدًا لم يُطِع أمر الله – سبحانه وتعالى – في السجود لآدم – عليه السلام.
مسعود: ومَن يكون يا جدِّي؟ أهو أحد الملائكة؟
شُعيب: ولماذا عصى ربَّه ولم يسجد لآدم كما أمره؟
تبسَّم الجد وقال: إنه إبليس، وقد كان من الجن، يعني أنه أقل مرتبة مِن الملائكة، ولكنَّ غروره وتكبُّره منعَه مِن السجود لآدم، وقال لله – سبحانه وتعالى -: أأسجد لبشَر وأنا خير منه؛ خلقتني من نار وخلقته من طين؟
فقال له الله – عز وجل -: اخرُجْ مِن الجنَّة؛ فإنك مَلعون مِن هذه اللحظة؟
وقرَّر إبليس أن يكون عدوًّا لدودًا لآدم وأبنائه من بعده، وسوف يُغويهم ويَأمرهم بعِصيان الله وطاعته هو، فطلَب إبليس مِن الله أن يُبقيَه حيًّا إلى يوم القيامة، فأعطاه الله ما سأل؛ حتى يكون اختبارًا لبني آدم في مُحارَبة عدوِّهم إبليس.
وأخرجَه الله مِن الجنَّة، وتوعَّده بأن يملأ جهنم منه وممَّن يَتبعه ويُطيعه مِن أبناء آدم.
وهكذا خلَق الله آدم، وأسكنَه الجنَّة بعد أن طرَد إبليس، وعاش آدم وحده، هادئ البال، قرير العَين.
إلا أنه كان يَشعر أنه وحيد، وذات يوم استيقظ آدم مِن نومه ليجدَ مخلوقًا جميلاً ينظر إليه يُشبِهه في التكوين، وإن كان يَختلف عنه قليلاً، فتعجَّب، وقال لها: لمْ تكوني هنا قبل أن أنام فمَن تَكونين؟
قالت: امرأة.
ومِن أين جئتِ؟
قالت: جئتُ مِن نفسِك؛ خلقني الله منك وأنت نائم.
قال: ولم خُلقتِ؟
قالت: لتسكن إليَّ.
فقال آدم: الحمد لله لقد كنتُ أَشعُر بالوحدة.
فقالت له الملائكة يَنظرون مدى ما بلَغ مِن عِلمه: ما اسمُها يا آدم؟
قال: حواء.
عندها سأل مسعود مُسرعًا مُتلهِّفًا: لكن لماذا سماها حواء يا جدي؟
قال الجد: مهلاً يا مسعود ستعرف الآن؛ لقد سألَتِ الملائكة أبانا آدم نفس السؤال، فأجابهم: لأنها خُلقت منِّي، وأنا شيء حي، أعلمتَ إذًا لِمَ سمَّاها حواء؟
شُعيب: ومِصداق هذا قول الله – سبحانه وتعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً… ﴾ [النساء: 1] الآية، وقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾ [الأعراف: 189].
إلياس: صدَق الله العظيم؛ وما الذي حدَث بعد أن زوَّج الله – سبحانه وتعالى – أبانا آدم أُمَّنا حواء؟
الجد صالح: لقد عاشا معًا سعيدَين في الجنة، يتَمتَّعان بنعيمِها؛ حيث الأشجار الخَضراء المُتمايِلة، والهواء النقيُّ، والطيور المُغرِّدة، والمياه العذْبة الرقراقة، كانا يتمتعان بكل شيء، ويأكلان من كل ما يريدان، إلا شجرة واحدة؛ أمرهم الله -تعالى- بعدم الاقتراب منها، وأطاعا أمرَ ربِّهما؛ فالأشجار الجميلة غيرُها كثيرة، فليس هناك مِن ضرر في عدم الأكل منها.
لكن إبليس اللعين لم يهنأ له بال، فقرر أن يحرم آدم من النعيم الذي هو فيه، فبدأ يوسوس له ولزوجته حواء ويغريهما بالأكل من هذه الشجرة، وحلف لهما بالله أنه لهما لمن الناصحين، وأنه لأجلهما لحزين مهموم؛ لأنهما سيَخرجان مِن هذا النعيم إن لم يأكلا من هذه الشجرة.
نسي آدم – عليه السلام – تحذير الله تعالى له، من إبليس وعداوته، وغرَّه تظاهُرُ إبليس بالعطف عليه والحزن لأجله، كما زعم له.
فقال لإبليس: ولكن ما الحيلة لكي لا أخرج من هذا النعيم؟
فقال له إبليس: الحيلة لديك؛ شجرة الخلد، من يأكل منها لا يَمُتْ أبدًا.
وأشار إلى الشجرة التي نهى الله آدمَ وحوَّاء عن الأكل منها، وتابَعَ قائلاً لهما: ﴿ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ﴾ [الأعراف: 20].
وازدادت ثقة آدم – عليه السلام – بإبليس اللعين، وكادَ يطمئنُّ إليه وهو العدوُّ المبين، ثم إنَّه استذكر فقال له: “أحقًّا ما تقول”؟
فحلف إبليس بالله يمينًا كاذبًا أنَّهُ لآدم مِن الناصحين، وعليه مِن المُشفِقين، ثم قال له: “تأكل مِن تلك الشجرة أنت وزوجك، فتَصيرا في الجنة إلى الأبد”.
لم يظنَّ آدمُ – عليه السلام – أنَّ مخلوقًا لله -تعالى- يحلف بالله كاذبًا، فصدَّقه، وراح يأكل هو وحوَّاء مِن الشجرة، ونَسِيا ما أمرَهما به الله – سبحانه وتعالى.
مسعود وشُعيب – وقد بدا عليهما الحزن -: وما الذي حدَث بعد أن أكَلا منها يا جدي؟
الجد صالح: ما كادَ آدم وحوَّاءُ، يأكلان من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها، حتى ظهرا عاريَين، فأحسَّ آدم بالخجَل؛ لعِصيانه أمر الله، وأخَذا ورَق الشجر يَستُران به عوْرتهما، هنا عاقبهما الله بإخراجهما من الجنة، وذكَّرهما بتحذيره لهما مِن الشيطان، فاستغفَرا الله، وتاب الله عليهما، وأمر بإنزالهما إلى الأرض ليَعيشا فيها.
وبكى آدم – عليه السلام – وبكتْ أمُّنا حوَّاءُ لما سَمِعا الأمر الإلهيَّ لهما بالخروج مِن الجنَّة، وبكَت الملائكة لهذا المخلوق الذي سجدَتْ له تَكريمًا.
شُعيب: وهل معنى ذلك – يا جدي – أن خروجنا مِن الجنَّة بسبب خروج سيدنا آدم – عليه السلام – منها؟
الجد: لم يكن خروج آدم – عليه السلام – من الجنة سببًا في خروجنا منها؛ لأن الله -تعالى- قال للملائكة: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30]، وهكذا كانت الأرض، وكان آدم أول البشر الذي خلقه الله مِن التراب، ثم أسكنه الأرض ليملأها بأبنائه وأحفاده مِن كل الألوان والأجناس، وبدأت الرحلة في الحياة على الأرض، وكَثُر عدد أبنائهما، وأخذوا يَنتشِرون في الأرض، وهم يعبدون الواحد الرازق، حتى مات سيدنا آدم ولهُ مِن الذريَّة مِن ولده وأولاد ولده العدد الكثير، بعد أن عمِّر تسعمائة وستين سنة، ولم تُعمَّر أمُّنا حواء بعد آدم إلا قليلاً، عامًا واحدًا مرضتْ بعده وماتَت، ودُفنت إلى جانب آدم – عليه السلام.
شُعيب: جزاك الله خيرًا يا جدي.
الجد صالح: لم يبْقَ مِن جلستنا تلك إلا أن نَذكُر الدروس المستفادة مِن قصَّة سيدنا آدم – عليه السلام.
إلياس: تعلمْنا مِن قصَّة سيدنا آدم أن فضْل العِلم عظيم، وبه يَرتفِع شأن الإنسان إلى مراتِبَ عاليَةٍ سامقة في الدنيا والآخرة.
فتعلُّم الدِّين هو أفضل ما يُعطيه الله – عز وجل – للمسلم في الدنيا؛ لأن الله لا يُعطي هذا الدين إلا لمَن أحبَّه، وإذا أحبَّ الله عبدًا علَّمه الدِّين، وهداه إلى العمل به.
مسعود: إن الشيطان للإنسان عدوٌّ مُبين، يتربص ببني آدم في كل وقت وحين؛ ليُبعدهم عن عبادة الله، ويأمرهم بكلِّ قبيحٍ، ولكنه ليس له سلطان على عباد الله الصالِحين الذين يَذكرون الله في كل أحوالهم.
شُعيب: تعلمنا أن الكَذِب صفة مِن صفات الشيطان؛ فإن إبليس كذب على سيدنا آدم فصدَّقه؛ لأنه لم يتخيَّل أن مخلوقًا لله يَكذِب.
الجد صالح: أجل؛ إن الكذب لخلُق سيِّئ قبيح، ليس مِن صفات المؤمنين، بل من صفات الشياطين؛ فعندما سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “أيَكون المؤمن كذَّابًا؟”، قال: ((لا))، وهو هنا نَفى الكذب عن المؤمن؛ لأنه من صفات المنافقين.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يزال العبد يكذب وتنكت في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه كله؛ فيكتب عند الله من الكاذبين))، قال الله تعالى وهو أصدق القائلين: ﴿ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ [آل عمران: 61].
إلياس: أعاذَنا الله مِن ذلك؛ إن الكذب عاقبتُه وخيمة، وإن الصدق لخلُق كريم.
شعيب: أجلْ، وأحفظ حديثًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((عليكم بالصِّدْق؛ فإن الصدق يهدي إلى البرِّ، وإن البرَّ يهدي إلى الجنة، وما يَزال الرجل يَصدُق ويتحرَّى الصِّدق؛ حتَّى يُكتَب عند الله صدِّيقًا، وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يَهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال العبد يَكذِب ويَتحرَّى الكَذب؛ حتى يُكتَب عند الله كذابًا)).
الجد صالح: البِرُّ – يا أولادي – معناه: العمل الصالح الخالص مِن كل مذموم، والفجور هو الميل عن الاستقامة والبُعْد عنها.
وعلينا أن نتَحرى الصدق دائمًا في أقوالنا وأفعالنا، ويَكفي في فضيلة الصدق أن الله -تعالى- وصف الأنبياء به، ومدَحهم، وأثنى عليهم، فالصدق خلُق الأنبياء؛ فإبراهيم مدَحه الله، وقال: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ﴾ [مريم: 41]، وإسماعيل مدحه الله وقال: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ﴾ [مريم: 54]، ورفع الله سيدنا إدريس بالصِّدق، وأثنى عليه، وقال: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ﴾ [مريم: 56، 57].
شُعيب: إن الصِّدق خلُق الأنبياء، رزَقنا الله الصِّدق، وأبعدنا عن صفه الكذب الشنيعَة، صفة الشياطين والمنافقين.
الجميع: آمين.
مسعود: جزاك الله خيرًا يا جدي.
إلياس، وقد استوقف مسعود وهو يتهيأ للقيام مُسرعًا: انتظر قليلاً؛ علَّمنا رسولنا الكريم عند ختام المَجلِس أن نقول: ((سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك))، فمَن قاله غفَر الله له كل ذنْب ومعصية حدثت منه في المجلس.
الجد صالح: أحسنتَ يا إلياس؛ فهيا يا أولاد كَي نقوله جميعًا، وغدًا – إن شاء الله – سأقصُّ عليكم قصة سيدنا نوح – عليه السلام.
الجميع: سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت نَستغفِرك ونتوب إليك.