يوميّات ابراهيم جوهر المقدسيّة
تاريخ النشر: 21/11/13 | 1:11يوميات مقدسية-يوميات القدس والانسان- هو الاصدار الجديد للأديب ابراهيم جوهر، صدر مؤخرا عن وزارة الثقافة الفلسطينية في مقرها المؤقت في مدينة البيرة، ويقع الكتاب الذي صمّمه خالد عبد الهادي في 240 صفحة من الحجم المتوسط.
وفور صدور الكتاب، كتب مؤلفه الأديب جوهر أن اختار لكتابه اسم"اقحوانة الروح-يوميّات مقدسية-" لكن يبدو أن الناشر قد اجتهد وغيّر عنوان الكتاب كما يروق له، دون الرجوع الى صاحب الكتاب، وهذا أمر يدعو الى التساؤل، ولو ترك الناشر عنوان الكتاب كما اختاره صاحبه لأراح واستراح، وعلى رأي أحد فلاسفة الاغريق القدامي "صانع الحذاء يعرف خباياه أكثر من منتعله".
وهذه الكتاب يذكرنا بيوميات أديبنا الكبير محمود شقير التي صدرت قبل حوالي عامين تحت عنوان"مديح لمرايا البلاد" حيث كان ذلك الكتاب فاتحة خير لأكثر من كاتب لتدوين يوميّاتهم، خصوصا وأن الأديب شقير قد حثّ على ذلك. مع أن أديبنا ابراهيم جوهر المولود في جبل المكبر في العام 1957ليس بحاجة الى تحريضه على الكتابة، فهو يخوض غمار الكتابة الابداعية منذ كان طالبا في المرحلة الثانوية، ونشرت له بعض الصحف المحلية في حينه، لكنه بحاجة الى الوقت ليفرغ نتاج مخزونه الثقافي على الورق، فسعيه خلف رغيف"الخبز المرّ" كما غيره من مبدعي الوطن الذبيح يستنزف وقته وجهده.
غير أنّ أديبنا ابراهيم جوهر الذي عرفناه قاصّا للكبار وللصّغار، وناقدا متميزا يثري بقراءاته الأدبية أمسيات ندوة اليوم السابع الثقافية الدورية الأسبوعية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس، تلك الندوة التي شارك في تأسيسها ويواظب على حضورها مساء كلّ خميس منذ آذار-مارس- 1991، أعطانا نموذجا جديدا لكتابة اليوميّات الأدبية، بلغته الأدبيّة الجميلة اللافتة، وبمضامين موضوعاته اليومية والمتلاحقة منذ أكثر من عامين، وهو يثبت من جديد فيما كتبه مقولة أن"الكاتب ابن بيئته"، والأديب جوهر بالطبع ليس استثناء، ومع ذلك فيومياته ليست مذكرات شخصية، وليست حذلقة لغوية، ففي كل حلقة من حلقاتها يطرح موضوعا جديدا يعيشه، وتعيشه مدينته القدس الشريف، وما تمثله هذه المدينة له ولأبناء شعبه، كونها حاضنة أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومعراج الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه، وكنيسة القيامة وهي من أقدس مقدسات الديانة المسيحية، اضافة الى عشرات المساجد والزوايا والتكايا والكنائس والأديرة والمدارس التاريخية والمقابر وغيرها، وهي أيضا العاصمة السياسية والحضارية والدينية والتاريخية للشعب الفلسطيني ولدولته العتيدة، والمحنة القاسية التي تمرّ بها هذه المدينة تؤرّق كاتبنا وتقضّ مضجعه، وبالتالي فإن يومياته تصلح بأن تكون في جزء كبير منها يوميات مدينة ليست كغيرها من المدائن. وأديبنا في يومياته هذه يخطّ لنا أسلوب الأدب السياسي، فهو يعيش ومدينته واقعا سياسيا معقدا.
والأديب جوهر المربّي المعروف في يومياته يتطرق الى مواضيع تعليمية وتربوية، يطرحها لافتا الانتباه اليها، وموجها وناصحا فيما بين سطورها….تماما مثلما التفت الى جماليات الطبيعة حيث يعيش، فكانت كتاباته عن الحمامة البرّية التي تعشّش على نافذة غرفة نومه، وعن دالية العنب وبعض الورود المزروعة في فناء منزله، وكأنّي به يؤكد من جديد مقولة الراحل الكبير محمود درويش"على هذه الأرض ما يستحق الحياة".
والأديب جوهر لا ينسى أيضا البيئة المحلية في مكان سكنه-جبل المكبّر- فيكتب عن منغصات الحياة مثل المفرقعات في الأعراس وغيرها من المناسبات وما تسببه من ازعاج لأناس من مختلف الأعمار، كما يكتب عن ظواهر أخرى مثل موضوعه الطريف "في حيّنا بقرة" والذي أقرن خوارها بفقدانها لوطنها ومسقط رأسها.
وقارئ هذه اليوميات سيجد أن كاتبنا قد طرح مئات المواضيع التي تستحق التوقف عندها ومتابعتها، وضرورة البحث عن حلول لها.
يبقى أن نقول بأن هذه اليوميات تشكل بحق اثراء للمكتبة الفلسطينية بشكل خاص، وللمكتبة العربية بشكل عام، وأن هذه العجالة لا تغني عن قراءتها والاستفادة منها.