عميد وفارس الثقافة العربية يسرع في رحيله

تاريخ النشر: 10/08/16 | 19:49

لم يكن أحدٌ يتوقَّعُ أنَّ الصَّرحَ الشَّامخَ عميدَ الثقافة العربيَّة وفارس الكلمة الهادفة والصادقة الأستاذ والأديب المبدع والإنسان الإنسان سيتركنا ويرحلُ بهذا الشكل ِالمفاجىءِ وبهذه السرعة .
كان لموتهِ الجسدي ورحيلهِ السريع عن هذه المعمورةِ وقعٌ أليم ٌ كالصاعقةِ وكالزلزال على نفوس ووجدان كلِّ من يعرفهُ في قريتهِ والقرى والبلدان الأخرى في هذا الوطن … وإنَّها َلطامَة ٌ كبرى ولكارثة ٌ بكلِّ معنى الكلمةِ تعصفُ وتهزُّ مجتمعنا بأسرهِ من الأعماق دون ُمبَالغةٍ نظرًا لما كان لهذا الإنسان ِالعظيم الرائد والقائد من أعمالٍ وبصماتٍ ملوسةٍ في جميع المجالات : الفكريَّة والثقافيَّة والإجتماعيَّة والإنسانيَّة في مجتمعنا الذي يفتقرُ إلى أمثالهِ من الرجال ِ العظماء الشرفاء الأوفياء الحريصين والمتفانين لأجل ِخدمةِ مجتمعِهم ومصالحِهِ وتطورهِ والنهوض بهِ قدمًا نحو الإنجازات الفذ َّة والرُّقيِّ والإبداع .
لو أردنا أن نذكرَ ونحصي أعمالَ وإنجازات الأستاذ المرحوم أبي رفيق موفق خوري على مدار ثلاثين سنة ونيِّف في شتَّى الميادين والمجالات: الثقافيَّة والتربويَّة وغيرها لما وسعتها هذه الجمل والصفحات القليلة وسنحتاجُ إلى مجلدات كثيرة وضخمة لتدوين وتأريخ ما قام به هذا الإنسان العظيم . كان للمرحوم خالد الذكر الدَّور الأساسي والمباشر في طباعة آلاف الكتب الثقافيَّة والفكريَّة والتربويّةَ والدواوين الشعريَّة لشعرائِنا وكتابنا المحلَّيِّين … ففي كلِّ سنة كانَ يصدرُ عن طريق ِ دائرة الثقافة العربيَّة التي أدارها بكلِّ نزاهة ٍ وإخلاص ٍ وأمانةٍ عشرات الكتب ، وكما قام بافتتاح ِ العديد من المسارح وصالات العرض والمراكز الثقافيَّة والتربويَّة والمعاهد الفنيَّة والموسيقيَّة وبادرَ بإقامة مجمع اللغة العربيَّة وبافتتاح العشرات بل المئات من المكتبات العامة في معظم القرى والمدن العربيَّة في البلاد . ففي عهدهِ – عندما كان يعملُ مديرًا لدائرة الثقافةِ العربيَّة المذكورة – انتعشت وازدهرت الثقافة والآداب وتطوَّرت وانتشرت الحركة الفنيَّة والمسرحيَّة المحليَّة بشكل ٍ كبير … والكثيرون من الأدباء
والشعراء والفنانين خرجت أعمالهم وإبداعاتهم إلى النور وأصبحَ المجتمعُ والناس يعرفونهم بفضل أبي رفيق ورعايتهِ ودعمهِ لهم ماديًّا ومعنويًّا .
كان دائمًا بشوشًا سمحًا متواضعًا مُحبًّا للناس كريمًا مضيافا شجاعًا جريئا ً وصادقا وأمينا ونزيها يُحبُّ مساعدة َ الجميع ويعملُ لأجل ِ الجميع دون تمييز . ومهما حاولتُ أن اذكرَ أعمالَ وحسنات وإيجابيَّات هذا الإنسان العظيم فإنَّ اليراعَ ليعجزُ عن ذكر ووصفِ كلِّ آلائِهِ ومناقبهِ وأعمالهِ وإنجازاتهِ العظيمة الرَّائدة .
– فرحمة ُ الله ِ عليكَ يا أبا رفيق يا صديقا ً وأخا ً في زمن ٍ عَزَّ فيهِ الضميرُ الحيُّ واختفى الرِّجالُ الاوفياءُ الأنقياء الشرفاء … لقد عشتَ شريفا نظيفا مُتسَربلا ً بالمبادىءِ والقيم ِ والمثل ِ السَّاميةِ وكنتَ أسَدًا رئبالا ً رافعَ الهامة ورحلتَ عنَّا وأنتَ في أوج ِ تألقِكَ وشموخِكَ وعنفوانكَ وكرمِكَ وعطائكِ اللامحدود . ولكم حاولَ بعضُ المُغرضين الحاقدين الخبثاء ومرضى النفوس الحاسدين ( وهم معروفون ) الإساءة َ لكَ والنَّيلَ منكَ غدرًا دونما سببٍ لحقدِهم وجبنهم ونذالتهم … ولكنهم لم يستطيعوا أن يلمسوا قلامة َ ظفركَ أو يُؤثِّروا على الصَّرح الثقافي الشاهق الذي شيَّدَهُ بالعرق ِ والكدِّ والجهدِ وبالمُثابرةِ والشَّرف … فكنتَ بعدَ كلِّ هجمةٍ غادرةٍ حاقدةٍ وكلِّ مواجهةٍ تنتصرُ عليهم بسهولةٍ بفضل ِ حكمتكَ ورجاحةِ عقلكَ وصبركَ وحِلمكَ وبإيمانِكَ الكبير بالخالق ِ الباري – جَلَّتت قدرتهُ – ولأنَّكَ على حقٍّ دائمًا … وبأعمالكَ وإنجازاتِكَ الفذة الخالدة التي يشهدُ لكَ بها القاصي والداني والبعيدُ والقريبُ فيرجعُ هؤلاء مُندحرين خائبين . فدائمًا كانَ اللهُ في صفكَ وينصرُكَ على خفافيش الظلام الذين يحاولون الإصطيادَ في المياهِ العكرةِ … أعداء الضمير والحق والإنسانيَّة الذين لا يريدونَ لكَ ولا لمجتمعنا وشعبنا الخيرَ والسلامَ والتقدمَ والنجاحَ والإزدهار لعقدِهم ورواسبهم الدفينة .
إنَّ كلَّ من ينظرُ إلى تاريخِكَ وسفر حياتِكَ المُضيىء والمليء بالعطاء والسَّخاء والتضحيات الجليلة بالرغم ممَّا كنتَ تتعرَّضُ لهُ من مُضايقاتٍ وخطوبٍ جسام ٍ يتذكَّرُ دورَ الأنبياءِ والرُّسل ِ والقدِّيسين المُصلحين الذين ضحَّوا بحياتِهم لأجل ِ تنوير ِ وهدايةِ الناس ِ والبشر … ونتذكَّرُ ونتذكَّرُ مُباشرةً رسولَ السَّلام السَّيِّد المسيح عليهِ السَّلام ربّ المجد وكلَّيِّ القدرة الذي أخلى نفسَهُ من كلِّ شيىءٍ وهو القادر على كلِّ شيىء وبذلَ جسَدَهُ ذبيحة حَيَّة ً وَسُفِكَ دمهُ على الصَّليب لأجل ِ فداء وخلاص البشر أجمعين .
إنَّ رحيلَ الأستاذ الشَّاعر والأديب والكاتب (( أبو رفيق موفق خوري )) هو خسارة ٌ فادحة ٌ للثقافة ِ والفكر ِ والعلم ِ والأدبِ ولجميع ِ الناس الشرفاء الأنقياء وللمجتمع ِ بأسرهِ في زمن ٍ عزَّ فيه ِ الضَّميرُ وماتت المبادىءُ والقيمُ وأصبحت المادَّيَّاتُ هي الطابعَ والهاجسَ المُهيمنَ على على عقول ِ وأفئدة ِ الكثيرين من البشر . فبموتِ أبي رفيق تفقدُ الحركة ُ الثقافيَّة والأدبيَّة المحليَّة المحلِّيَّة صرحًا وعلمًا من أعلامِها وركنا ً من أركانِها المُهمِّين الذين كان لهم دورٌ هام ٌّ ورائدٌ في تطوير ودعم ِ مسيرة الحركة الأدبيَّة والشِّعريَّة والفنيَّة والثقافيَّة العربيَّة عامَّة ً في هذه البلاد . ولإن كانَ قد تركنا وفارقنا جسدًا فهو حيٌّ دائمًا بيننا لا يغيبُ عن ضمائرنا ووجداننا أبدًا … فمَنْ تركَ مثلهُ مناقبَ حميدة ً ومآثرَ وصيتا ً مُشرِّفا ً ونتاجًا فكريًّا وأدبيًّا إبداعيًّا سيبقى ذكرهُ خالدًا مدى الايَّام والدهور راسخا في ذاكرة ِ ووجدان شعبهِ إلى الابدِ الأبيد .
– رحمة ُ اللهِ عليكَ يا أبا رفيق يا مَنْ وهبتَ حياتكَ للعلم ِ والهديِ والعطاءِ ، نابذا ً الضغينة َ والشِّقاقَ ، داعيًا للتعاضدِ والتآخي والمحبَّةِ بين الجميع … فطوبَى للبلدِ التي أنجبَتْ أمثالكَ دُعاة َ محَبَّة ٍ وتسامح ٍ وسلام … وطوبى للأرض ِ التي احتضنت جَسَدكَ الطاهرَ … وطوبى و طوبى لكَ يا مَنْ أعمالكَ الخيِّرة ُ الفاضلة ُ وإيمانكَ العظيم وطريقكَ القويم هم الشُّهودُ لكَ يوم الدَّينونةِ والحساب … ففي أمثالكَ الرِّجال المؤمنين الشُّرفاء الأنقياء الطاهرين الودعاء قالَ رسولُ السَّلام السيِّدُ المسيح عليه السَّلام : (( ” طوبى للودعاء ، لأنهم يرثونَ الأرض”… ” ُطوبَى للأنقياءِ القلب لأنهم يُعَاينونَ الله ” … ” طوبى لصانعي السَّلام لأنهم أبناءُ الله ِ يُدعون ” )) .

بقلم : حاتم جوعيه – المغار – الجليل
7atemjo3ih

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة