حقيقة الوفاة الغامضة لعرفات قد تظل مدفونة الى الأبد
تاريخ النشر: 22/11/13 | 22:56لا تزال غرفة نوم الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات التي تتسم بالبساطة الشديدة على حالها إلى حد بعيد منذ غادرها في 2004 عندما نقل جوا إلى فرنسا للعلاج من مرض غريب قبل ان يعود بعد اسبوعين إلى وطنه في نعش.
والغرفة أشبه بزنزانة في سجن منها بمكان معيشة لزعيم عربي حيث تضم سريرا وحيدا يرتكن إلى جدار إضافة الى مبرد (ثلاجة) صغير لا تزال به بعض الأدوية التي انتهت فترة صلاحيتها منذ فترة طويلة وزيه المموه القديم المرصع بشارات لامعة يتدلى في خزانة ملابس صغيرة.
ويعطي الباب المؤدي إلى الغرفة المجاورة لمحة نادرة عن عالم مغلق منذ فترة طويلة ويكشف عن النعش الخشبي الذي عاد فيه جثمانه إلى رام الله.
ودفن جثمان عرفات ملفوفا بالعلم الفلسطيني قبل نحو تسع سنوات لكن نظريات المؤامرة التي تزعم وفاته مسموما لم تدفن قط حيث تطايرت الاتهامات في كل الاتجاهات.
وإذا ظهرت أدلة على أن إسرائيل قتلت الزعيم الفلسطيني فقد يقضي العداء الموروث على فرص السلام لسنوات قادمة. وظهور دليل على أن أحد المقربين من عرفات قتله يمكن أيضا أن يطيح بجيل من السياسيين لا تزال لهم الهيمنة في الضفة الغربية المحتلة وفق رويترز
ولا يساور عماد أبو زكي أحد الحراس الشخصيين لعرفات والذي كان مقربا منه أدنى شك بخصوص الفاعل. ويقول إن الزعيم الفلسطيني "الريس" لم يكن لديه أدنى شك في ذلك أيضا. وتذكر زكي كلمات لعرفات ذات يوم وهو على فراش المرض قال فيها إن الإسرائيليين قضوا عليه.
وطالما افترض اغلب الفلسطينيين أن إسرائيل قتلت زعيمهم رغبة منها في التخلص من رجل قادر على صنع السلام وتعززت تلك القناعة بالنتائج التي أعلنها هذا الشهر معمل سويسري للطب الشرعي وأظهرت أن عظام عرفات تحتوي على كميات أعلى من المعدلات الطبيعية من عنصر البولونيوم المشع النادر.
لكن الجميع لا يتفقون في توجيه الاتهام لجهة واحدة. فالبعض ومنهم سها أرملة عرفات لمحوا إلى أنه قتل على يد أحد المقربين منه.
وقالت سها عرفات إنها واثقة من أن المسؤولية تقع على عاتق احد المقربين منه واصفة وفاته بأنها "اغتيال سياسي" على الرغم من ان الجميع يعلم بان عرفات خط احمر مهما بلغت الخلافات بينه وبين خصومة فقد اتفق الجميع عليه وعلى اداءه في القيادة
وحاصر الجيش الإسرائيلي عرفات قبل وفاته لمدة 41 شهرا في مقره الذي تعرض للقصف في رام الله.
ورغم أن العالم الخارجي نبذه إلى حد بعيد فقد ظل عرفات رمزا للمقاومة الوطنية بالنسبة لشعبه.
ولمح رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الحين ارييل شارون بنبرة تنطوي على تهديد في حديث لصحيفة معاريف في سبتمبر ايلول 2004 إلى رغبته في التخلص من عرفات وقال شارون الذي يرقد في غيبوبة عميقة منذ أصيب بسكتة دماغية في 2006 "بخصوص مسألة عرفات سنعمل بنفس الطريقة .. في الوقت المناسب." وبعد شهر تقريبا من تصريحات شارون مرض عرفات بشدة.
ويتذكر إبراهيم أبو النجا وزير الزراعة الفلسطيني في ذلك الحين عندما كان يتناول العشاء مع عرفات في 14 اكتوبر تشرين الأول في منزله حيث كانت البراميل المملوءة بالاسمنت تسد النوافذ لتقليل ضرر الانفجارات في حالة وقوع هجوم إسرائيلي.
وقال أبو النجا متحدثا لأول مرة عن ذلك لوسيلة إعلام أجنبية إن عرفات كان على ما يرام عندما رآه وكان يبدو بصحة جيدة.
وقال إنه كان يوجد طبق حساء أمام عرفات تناول منه رشفة بملعقة لكنه بدا مختلفا ووضع يديه على فمه وتقيأ مضيفا أنه لم يسترد عافيته بعد ذلك أبدا.
ويتذكر بعض المسؤولين أن المرض بدأ في 12 اكتوبر تشرين الأول في حين يقول البعض إن الضعف بدأ ينال منه في بداية الشهر.
وكان مساعدوه قالوا في البداية إنه يعاني من الانفلونزا. وجاءت فرق طبية في البداية من مصر ثم من تونس لفحصه. لكنه نقل في نهاية المطاف إلى بارس في 29 اكتوبر تشرين الأول قبل ان يتوفى في 11 نوفمبر تشرين الثاني. وقال أطباء فرنسيون إنهم لم يتمكنوا من تحديد سبب الوفاة.
وبعد ذلك بأسبوعين فتح الفلسطينيون تحقيقا لم يتوصل إلى شيء. وعادت القضية لدائرة الضوء في العام الماضي عندما حصلت قناة الجزيرة القطرية على أجزاء من الملابس التي كان يرتديها عرفات بالمستشفى وقامت بتحليلها في سويسرا.
واكتشف معهد فيزياء الاشعاع التابع لمستشفى جامعة لوزان مستويات أعلى من المعدلات الطبيعية من عنصر البولونيوم 250 وفتح قضاة فرنسيون تحقيقا جنائيا.
واستخرجت جثة عرفات العام الماضي وسلمت عينات لخبراء من سويسرا وفرنسا وروسيا.
وقال السويسريون مرة اخرى إنهم اكتشفوا مستوى مرتفعا من البولونيوم.
وقال أحمد قريع رئيس الوزراء الفلسطيني وقت وفاة عرفات إنه كان متأكدا دائما من أن عرفات قد اغتيل مضيفا انه قال ذلك من البداية.
وأضاف أن الفلسطينيين كانوا بحاجة إلى الدليل معتبرا أن التقرير السويسري قدم هذا الدليل أخيرا.
واستطرد قائلا أن الجميع يعتقدون أن إسرائيل هي من قتل عرفات.
وقال مركز بتسيلم الإسرائيلي المعني بحقوق الإنسان إن إسرائيل دبرت نحو 150 عملية قتل تستهدف أشخاصا في الفترة بين سبتمبر أيلول 2000 وأكتوبر تشرين الأول 2004. واعترفت إسرائيل صراحة بتنفيذ الكثير من العمليات التي راح ضحيتها عشرات الابرياء من اطفال ونساء وشيوخ وقد رفع نشطاء قضايا ضد اسرائيل التي تنتهك حقوق الانسان وتمارس عمليات القتل الدوري بحق الفلسطينيين
وقال جيورا إيلاند مستشار الأمن القومي الإسرائيلي في الفترة بين عامي 2004 و2006 والذي شارك في عملية صناعة القرار "كان عرفات في نظر شارون رمز الشر." وأضاف "كانت هناك بعض المناقشات بخصوص إمكانية الإطاحة بعرفات أو طرده ولكنها كانت مجرد أفكار افتراضية. كان عرفات… الزعيم المطلق للفلسطينيين وادعى بانه "لم يكن من الممكن أن نفعل معه ما فعلناه مع قادة حماس وغيرها من الفصائل."
وكان الحارس الشخصي أبو زكي ملازما للرئيس الفلسطيني الراحل منذ عام 1988 وحتى وفاته في فرنسا وهو الشخص الوحيد الذي ظل له مكتب خارج غرفة عرفات.
وقال أبو زكي في أول تصريحات له منذ الكشف عن اتهامات تسميم عرفات بالبولونيوم إن فريقه بذل كل ما بوسعه لحماية الرئيس الراحل.
وأضاف أن المشكلة تكمن في اتساع شعبية عرفات الذي كان يلتقي مع مئات الأشخاص يوميا وهو ما يعني ببساطة أن الحقيقة قد تظل مدفونة إلى الأبد.