عن مصير المفقودين في تل الزعتر
تاريخ النشر: 11/08/16 | 15:16“خرجنا من المخيم بعد أن أعطونا الأمان، وأنا أمسك بيدي اليمنى يد سليم إبن أخي، وعند حاجز الكتائب على مدخل المخيم وأمام سمع وبصر الصليب الأحمر اللبناني والدولي، بالقوة أخذوا سليم مني وكان حينها في الخامسة عشر من العمر، رجوتهم وبكيت أمامهم أن يعطوني إياه، فهو لا يزال طفلاً وليس له شأن بالمعارك التي حصلت، جاوبوني بالحرف “ما تقلقي شويْ وبِلحَقِك”، وبعدني ناطرة”. قصة سليم علي ميعاري، نموذج لقصص الكثيرين من المفقودين من اللاجئين الفلسطينيين الذين لا يعرف مصيرهم حتى الآن على الرغم من مرور 40 سنة على سقوط المخيم. توفيت الحاجة صبرية ميعاري عمّة سليم وهي على أمل أن يعود من فقدته وقد كان لكاتب السطور عدة لقاءات معها، وقد شهدت بأم عينها الكثير من حالات الإعدام والقتل رمياً بالرصاص لمدنيين..!
سُمِّي بـ تل الزعتر نسبة إلى قرية تل الزعتر الفلسطينية قضاء مدينة عكا والتي احتلها الصهاينة إبان النكبة في العام 1948، ومخيم تل الزعتر ليس واحداً من المخيمات المسجلة في سجلات “الأونروا” على اعتبار أنه كان تجمع فلسطيني مجاور لمخيميْ الدكوانة وجسر الباشا اللذيْن أنشاتهما وكاة “الأونروا” في العام 1959، ويتبعان لمحافظة جبل لبنان بالإضافة إلى مخيمات شاتيلا وضبية وبرج البراجنة، لكن بات يعرف من قبل الأهالي بمخيم تل الزعتر تيمناً بالقرية الفلسطينية وتأكيداً على الحق في العودة.. حسب إحصاء وكالة “الأونروا” في 1/7/1969 كان عدد اللاجئين المسجلين في مخيم جسر الباشا 1.176 لاجئ، ومخيم الدكوانة 7.235 لاجئ يقيمون داخل المخيمين، أما خارج مخيمات العاصمة اللبنانية فكان يقيم في منطقة بيروت 23.690 لاجئ فلسطيني مسجل.
طبيعة المكان الجغرافي لمخيم تل الزعتر؛ شرق العاصمة بيروت، وفي منطقة صناعية تكثر فيها المصانع والمعامل، جعل من المخيم مكاناً لسكن الآلاف من العمال وعائلاتهم سواءً الفلسطينيين أو اللبنانيين وجنسيات أخرى، لا سيما بعد العام 1968، اذ كانت المساحات المجاورة للمخيم قبل ذلك التاريخ تشتهر بالزراعة وببساتين الحمضيات والخضروات، حتى قدرت أعداد المقيمين في المخيم بحوالي 30 ألف مقيم، جلهم من اللاجئين الفلسطينيين، ذلك كان قبل الحصار الذي استمر 52 يوماً، وارتكاب المجزرة المروعة، وسقوط وإحتلال وتسوية المخيم في الأرض من قبل الكتائب والميشيات المتعاونة في 12/8/1976.
وصل عدد شهداء المجزرة حوالي 4.280 شهيد غالبيتهم من المدنيين من النساء والأطفال وكبار السن من الذين أنهكهم الجوع والعطش..، والآلاف من الجرحى والثكلى والمعوقين، والآلاف من المهجرين. حتى الآن لا يوجد إحصاء دقيق لعدد المفقودين من اللاجئين الفلسطينيين الذين يقدر عددهم بالمئات، فقد كانت نكبة تهجير جديدة تضاف الى نكبات أخرى بعد النكبة الكبرى عام 1948. بعد إتفاق الطائف في العام 1989 الذي حل الأزمة اللبنانية بتسويات وحمل شعار “العفو عما مضى”، رفضت الدولة اللبنانية إعادة إعمار المخيم، كما رفضت عودة اللاجئين المهجرين إليه ولا تزال معالم المخيم باقية وشاهدة تذكِّر بمأساة أربعة عقود خلت.
تشكلت “لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان” منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي وفيها من يمثل الفلسطينيين. يقدر عدد المفقودين في لبنان بين العام 1975 و 1990 بحوالي 17.000 مفقود من بينهم الفلسطينيين، وحتى الآن لا نتائج ملموسة ترتقى لمستوى جهد عقود من الزمن. دعت السطات اللبنانية لتجميع فحص الحمض النووي الـ (DNA) من أهالي المفقودين لمقارنتها بالجثث التي يمكن العثور عليها في المقابر الجماعية وغيرها، إلا أن الكثيرين من السياسيين أصحاب القرار في لبنان يعتبر – حتى الآن – نبش هذا الموضوع سيعمق الكراهية والشحن الطائفي والمذهبي في البلد وسيفتح ملفات بغنىً عنها، وعلى هذا يبقى مصير المفقودين مجهولاً وبالإنتظار ..!
علي هويدي/ كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني-بيروت