يوم دراسي بعنوان "ثقافتنا بعالم التعدديات الثقافية"
تاريخ النشر: 23/11/13 | 22:33شارك اكثر من 200 مبدعة ومبدع ومنتجي الثقافة ومتلقيها في اليوم الدراسي حول "ثقافتنا في عالم التعدديات الثقافية" الذي بادر اليه مركز مساواة بالتعاون مع اتحاد الكتاب الفلسطينيين في الداخل، جمعية "ابداع"، جمعية "المشغل" وجمعية امناء المكتبات العربية.
وشارك اكثر من 30 باحثا وباحثة ومبدعا ومثقفا في الحديث عن ثقافتنا وطرح الأسئلة وذلك في جلسة فكرية ونظرية وأربع ورشات حوار ناقشت آليات العمل الثقافي على تخصصاته لتطوير ودعم المشهد الثقافي محليا واعطائه فرصة الانطلاق نحو الحوار مع ثقافات العالم.
وقد حل على اليوم الدراسي وفد أكاديمي من جامعة النجاح في نابلس تالف من الاستاذ الدكتور خليل عودة الذي القى تحية حارة باسم جامعة النجاح أكد فيها على أهمية التعاون واثنى على نشاطات المشروع الثقافي في مساواة، وشارك ضمن الوفد ايضا الاستاذ الدكتور احسان الديك والاستاذ الدكتور نادر قاسم والاستاذ الدكتور غانم مزعل. وقدم الوفد درع جامعة النجاح للكاتب سلمان ناطور ولمركز مساواة على الجهود المبذولة للنهوض بالثقافة الفلسطينية.
الافتتاح: لا لتهميش الثقافة!
افتتحت اليوم الدراسي السيدة رنين طبراني عضو طاقم مساواة والتي تولت التنظيم الاداري لليوم الدراسي، مشيرة إلى أهمية النقاش حول ثقافتنا في هذه المرحلة وإلى أهداف المشروع الثقافي في مركز مساواة، ثم دعت الاستاذ جعفر فرح مدير المركز لالقاء كلمته فتحدث عن قرار المركز تبني الحق في الثقافة كجزء من استراتيجية عمله في تحصيل حقوق المجتمع العربي في البلاد. وأشار "لا يمكن ان نكتفي بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ظل تهميش الثقافة الفلسطينية والانهيار الذي يعاني منه مجتمعنا داخليا. الثقافة جزء من حقوقنا وعلينا ضمان حرية التعبير عن الرأي والمطالبة في التمويل وخلق الفضاءات للابداع الثقافي والفني. واستنكر اغتيال الفنان شفيق كبها ومنع الغناء وإغلاق المسارح والمكتبات وقال إن هذا دليل على أزمة ثقافية قيمية تتطلب برنامج عمل لاعادة بناء مجتمعنا. ودعا الأحزاب السياسية والسلطات المحلية والمؤسسات الأهلية والقطاع الخاص الى توفير المنصات لنشر الثقافة الفلسطينية المحلية لتتمكن من الانطلاق لمحاورة ثقافات العالم".
وتحدث مدير مؤسسة فردريخ ابرت ورنر بوشرا حول الاعلان العالمي للامم المتحدة للحقوق الاجتماعية الاقتصادية والثقافية والذي يؤكد على حق الشعوب في التمتع بثقافتها وحقها في انتاج ثقافي متواصل. وأشار الى ان التعاون مع مركز مساواة ومؤسسات المجتمع العربي تأتي ضمن الحوار المستمر حول أولويات المجتمع العربي في البلاد.
المناظرة الفكرية: من الجذور إلى الفضاءات…
الكاتب سلمان ناطور – مدير مشروع الثقافة الفلسطينية حقوق وفضاءات في مركز مساواة، افتتح الجلسة الفكرية وأدارها، مشيرا إلى ان هذا اليوم الدراسي يأتي ضمن سلسلة نشاطات وأيام دراسية لإثارة الحوار حول ثقافتنا وكيفية ترسيخ موقعها الفاعل في فضاءاتها من المحلية إلى الكونية. كما أعلن أن العام 2014 سيشهد فعاليات لم يسبق لها مثيل بتنوعها ورقيها تتوج بمؤتمر الثقافة الفلسطينية في الداخل وآذار الثقافة كما اكد أن ثقافتنا الفلسطينية والعربية بكافة دوائرها تحتاج إلى مأسسة وصياغة مشروع ثقافي وطني لتنطلق بمهمات التحاور والاثراء المتبادل مع ثقافات العالم. وقال أيضا: إننا نريد أن ننطلق إلى العالم الكبير من هذه البقعة الصغيرة ولا نريد أن يستقبلنا لأننا ضحايا ولأننا ابطال ومناضلون بل لأننا قادرون على انتاج ثقافة راقية تضاهي أية ثقافة اخرى في العالم. ونستطيع تحقيق ذلك بتطوير ادواتنا الفنية وتبني الفكر الحداثي والتنويري والابداعي الخلاق وبالطبع بانشاء مؤسسات ثقافية تعمل على توفير البنى التحتية للثقافة وعلى تنظيم حياتنا الثقافية وادارة مشروعنا الثقافي الذي نعمل على صياغته وهذا اليوم نريد له ان يكون أحد اعمدة هذا المشروع.
كانت المحاضرة الأولى للبروفيسور مروان دويري الذي ركز على الثقافة والهوية والتعددية وقال "أوروبا تخلصت من انتماءاتها القبلية فقط بعد تأسيس دولة المواطنين. عندها فقط تحرر الفرد من تبعيته لانتماءاته القبلية. في غياب دولة تهتم بحاجات مواطنيها، كما هو حالنا في إسرائيل وحال بقية الشعوب العربية التي لا تتمتع بدولة مواطنين، تكون تركيبة المجتمع قبلية وبالتالي تنعكس هذه التركيبة في السلوك الاجتماعي والسياسي للناس. من جهة أخرى الهوية القومية الفلسطينية تبلورت في سياق مواجهة مع الصهيونية وهي ما زالت هوية كفاحية ولم تصل لتكون هوية انتمائية تعطي الأمان لأصحابها كما هو حال الفرنسي الذي يشعر بانتمائه القومي لأن فرنسا الدولة ترعاه وترعى مصالحه وحاجاته وليس لأنه يواجه عدوا يهدد وجوده. في حالنا يكون من غير المنصف أن نطلب من الناس التخلي عن انتماءاتها الفئوية وأن تنضوي في دائرة الانتماء القومي. ما يمكن فعله هو محاربة التعصب والاحتراب الفئوي من جهة والعمل على إدراج هذه الانتماءات تحت المظلة القومية. نحن بحاجة لتعميق قيمة التعددية التي تعني قبول واحترام المجموعات الأخرى المختلفة، وهذا مختلف عن قيمة الديمقراطية الليبرالية التي تتحول لسيطرة الأغلبية على الأقلية وأحيانا تقمعها باسم الديمقراطية وهذا هو حالنا عمليا في إسرائيل. نحن بحاجة لقيم التعددية في قرانا لتتعايش الطوائف والحمائل المختلفة وفي إسرائيل لتكون هذه الدولة للعرب كما هي لليهود وفي العالم ليتحول العالم إلى فسيفساء ثقافي لا تهيمن فيه ثقافة على ثقافة أخرى."
البروفيسور يهودا شنهاف قال: " إن اسرائيل في حالة الطوارئ التي تعيشها وتفتعلها يمكنها تحويل الدولة الى غوانتانامو ضد الفلسطيني واللاجئ السوداني. بنية النظام الذي أنشأته اسرائيل منذ قيامها والقائم على الفكر الصهيوني قابلة لتحويلها إلى دولة فاشية وأول ضحاياها سيكون المواطنون الفلسطينيون. هذا هو معنى الدولة اليهودية". وأضاف في كلمة جريئة وثاقبة، إنني كيهودي أترجم أدب النكبة (ترجم ذاكرة سلمان ناطور الى العبرية وستصدر قريبا عن دار ريسلنغ) لأن على الشعب اليهودي أن يعرف ماذا فعل وارتكب من خطايا وإلا فلن يفهم ما معنى عودة الفلسطيني إلى وطنه الذي شرد منه. وقال أيضا إن التعددية الثقافية في اسرائيل غير قائمة لان هناك هيمنة للثقافة اليهودية الاشكنازية بسبب نزعة المجتمع الاسرائيلي الكولونيالية، وقال أيضا إن حل الدولتين لن يجلب إلا المزيد من المعاناة لليهود وللعرب الفلسطينيين ويكرس يهودية الدولة وأن الحل الوحيد الواقعي والعادل هو أن يعيش اهل هذه البلاد معا في دولة واحدة ديمقراطية تضمن الحرية لكافة مواطنيها.
وفي المحاضرة التي ألقتها د. سهاد ظاهر ناشف بعنوان: الثقافة، جدلية التميز والتمييز، استعرضت كيفية استخدام الحساسية الثقافية والتعددية الثقافية من قبل المؤسسة الاسرائيلية كوسيلة لإقصاء وتمييز اكثر للمجتمع الفلسطيني في الداخل. من خلال فرض لغة ومفردات معينة تُكرس المؤسسة وتُقَولِب المجتمع الفلسطيني داخل قوالب الرجعية والأبوية. مسؤولية المجتمع هي كونه يتبنى هذه اللغة، يستخدمها وبهذا يكرس الممارسات الرجعية-القبلية بداخله. حل هذه الازمة يأتي من خلال طرح لغة جديدة ينتجها المجتمع نفسه، يستخدمها وهكذا يستطيع إنتاج حقائق جديدة عنه وقوالب جديدة له. والسؤال هو: ما هو دور الأعمال الثقافية والإبداعية بخلق لغة جديدة او بتكريس لغة قائمة فُرضت وتم تكريسها في المجتمع؟ وكيف يتم ذلك؟ هذا سؤال بمثابة وسيلة للحل.
الشاعر حنا ابو حنا قدم شهادة شخصية حول دور المثقف منذ النكبة والحكم العسكري حيث أشار الى دور المؤسسات الحزبية الوطنية، والتي تغيب في السنوات الأخيرة عن المشهد الثقافي. قال في شهادته: صحف الاتحاد ومجلة الجديد مكنتنا من مواجهة قرارات الحكم العسكري فصل المعلمين واستكتاب ما تبقي من مثقفين، كذلك تحدث باعتزاز عن العلاقات الطيبة التي كانت تجمع المثقفين والمبدعين والتعاون والالتقاء حول قيم عقائدية واجتماعية وثقافية. كما تطرق إلى ما كانت عليه المدن الفلسطينية من ازدهار ثقافي ونشر أدبي وترجمة والتي ضربت في النكبة وكان على من بقي في الوطن أن يستعيد كل شيء من جديد تحت حكم عسكري وقطيعة تامة عن العالم العربي وملاحقات المثقفين والمربين الوطنيين".
أربع ورشات حوارية
توزع المشاركون في اليوم الدراسي على ورشات عمل تخصصية ناقشت بعمق عددا من المواضيع وقدمت اقتراحات لخطط عمل. وكان من المهم خلال ورشات العمل توفير الفرصة للتشبيك بين المثقفين والمؤسسات وجمهور مستهلكي الثقافة. حيث وفر اليوم الدراسي الفرصة للحوار المباشر من النقب جنوبا الى الجليل شمالا، وشارك عشرات النشطاء من مؤسسات ومثقفين وسلطات محلية من منطقة المثلث والمدن المختلطة.
في ورشة الفنون الادائية تحول الحوار الذي اداره الفنان حبيب حنا ومشاركة الفنانة أمل مرقص والمغني تامر نفار والمغني سهيل فودي الى حوار ساخن حول تكلفة العروض الغنائية والمسرحية. واستعرض بعض ممثلي المؤسسات الشعبية صعوبة تمويل عروض فنية وثقافية في مناطق ضعيفة اقتصاديا. وأشار الفنانون الى تكلفة الانتاج العالية لأعمال فنية راقية.
أما ورشة الأدب والتراث التي ادارها الاديب سلمان ناطور وشارك فيها الشاعر رشدي الماضي والباحث خالد عوض والمكتبية الهام حنا، فقد تطرقت إلى مشاكل نشر الكتاب بشكل مهني وغياب المحررين من دور النشر وغياب النقد الأدبي والصفحات الادبية في وسال الاعلام. وتم التأكيد على ضرورة تحويل المكتبة العامة الى مركز ثقافي لعقد ندوات حول اصدارات ادبية وتوثيق العلاقة بين القاريء والكتاب. وفي موضوعة التراث اكد المتحدثون على ضرورة مطالبة المؤسسات باقامة هيئة تحفظ التراث الشفوي والمكتوب لمجتمعنا، وضمان وصوله للجمهور الواسع من خلال اصداره ككتب وحفظه في أرشيف وطني مكتبي مفتوح. ودعت الورشة السلطات المحلية العربية الى الاهتمام بالموروث الحضاري المحلي على مستوى التاريخ الشفوي، المستندات التاريخية الهامة والبنايات التاريخية خصوصا في الأحياء القديمة والتاريخية لقرانا ومدننا.
وفي ورشة السينما والتلفزيون التي ادارها الفنان اديب جهشان وتحدث فيها روزين بشارات واسنت طرابلسي وشارك عدد من الضيوف الذين يمثلون سفارات أجنبية، بينهم السيدة جين شورش من القنصلية البريطانية التي أشارت الى اتفاق التمويل السينمائي المشترك بين بريطانيا واسرائيل ويمكن للفنانين العرب الاستفادة منه لانتاج أفلامهم. وأشارت السيدة منال حداد من القسم الثقافي في السفارة الامريكية الى بعثات مؤسسات ثقافية وتبادل خبرات بين فنانين عرب وفنانين في الولايات المتحدة. وأكد مدير المركز الثقافي البولندي على رغبة بلاده توسيع أفاق التعاون مع المجتمع العربي في مشاريع تبادل ثقافي. وأشار الى ان بولندا قد وقعت مؤخرا اتفاق تعاون سينمائي مع اسرائيل. وعلى هامش اليوم الدراسي جرى لقاء بين المخرجة الامريكية تيافني شلاين وطلاب تلفزيون وسينما ومنتجين من مجال التلفزيون والسينما. حيث نسقت السفارة الامريكية لقاءات للمخرجة الامريكية مع طلاب سينما وتلفزيون في عدد من الكليات في البلاد. وتم التحاور خلال اللقاء حول امكانيات استخدام الشبكات الاجتماعية لإنتاج أفلام بشكل مشترك بين الطلاب والمنتجين.
توصيات ومناخ نهضة ثقافية
في اجواء حماسية ومعنويات عالية ومزاج نهضوي اختتم اليوم الدراسي بتلخيص قدمه الأديب سلمان ناطور مؤكدا على أن ثقافتنا الفلسطينية قادرة في كل الظروف على النهوض واختراق كل الحواجز والحدود، وهذا ما سنسعى إليه في العام المقبل ليكون عام 2014 عام النهضة الثقافية الفلسطينية ليس في الوطن وحسب بل في العالم أيضا وهذه هي ترجمة مقولة نقل الثقافة من الهامش إلى المركز. ولخص توصيات الورش الحوارية مشيرا إلى اهمها وهي مواصلة الندوات والحوار حول ثقافتنا وتناول كل مواضيعها، كذلك الدعوة إلى اطلاق موقع معلوماتي حول الثقافة الفلسطينية يمكن الجمهور من التواصل مع العمل الثقافي على أنواعه المختلفة. كما أوصى اليوم الدراسي على أهمية مأسسة عمل مؤسسات الثقافة التخصصية مثل اتحاد الكتاب العرب وجمعيات الفنون التشكيلية والمتاحف. كما دعا اليوم الدراسي الى اقامة هيئة عليا للثقافة الفلسطينية للتنسيق بين المثقفين، المبدعين، المؤسسات، السلطات المحلية والاحزاب السياسية. وأكد اليوم الدراسي على أهمية المطالبة بالحقوق الثقافية من كل جهة ذات صلة، محلية او عربية او دولية مع الحفاظ على تميزهذه الثقافة ومضامينها الوطنية والانسانية.