جولة أدبية (10)..في رحاب القرآن
تاريخ النشر: 12/08/16 | 18:55دلالة التعبير الوارد في صفحتي :”سُقط في يده”
ورد في الذكر الحكيم “سُقط في أيديهم” :{ولما سُقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلّوا قالوا لئن لم يرحمْنا ربنا ويغفرْ لنا لنكوننَّ من الخاسرين” }
الأعراف- 149
يقال للنادم المتحير: “سُقط في يده”، وورد كذلك في القرآن وفي هذا المعنى: “يعَض الظالم على يديه”- الفرقان، 27، كما ورد في آية أخرى:
” فأصبح يقلّب كفيه على ما أنفق فيها” – الكهف 42.
الندم يكون في القلب، ولكن الآيات أوردت ذكر اليد، لأنه يقال لمن تحصّل على شيء: قد حصل في يده أمر كذا، لأن مباشرة الأشياء في الغالب هي باليد، قال الله تعالى :في بيان أهمية اليد في الفعل: “ذلك بما قدمت يداك”.- الحج 10.
إن الندم وإن حل في القلب فإن أثره يظهر في البدن، لأن النادم الشديد الندم يعض يده، أو يضرب إحدى يديه على الأخرى.
وردت في اللغة: سُقط وأسقِط، والأولى أفصح لأنها لغة القرآن، ولا يجوز- على رأي الحريري، وكثير غيره- أن نقول سَقَط في يده (بفتح السين).
انظر: الحريري: درة الغواص في أوهام الخواص ، ص 174.*
ورغم تحرّز الحريري إلا أن (لسان العرب) أجاز “سَقط في يده”، بل إنه ذهب إلى أن بعضهم قرأ الآية الكريمة- “ولما سَقَط في أيديهم”، وقد علل ذلك ابن منظور بقوله:
“كأنه أضمر الندم أي سَقط الندم في أيديهم، كما تقول لمن يحصل على شيء وإن كان مما لا يكون في اليد: قد حصل في يده من هذا مكروه، فشبّه ما يحصل في القلب وفي النفس بما يحصل في اليد ويُرى بالعين”.
انتبه إلى أن الفعل المعلوم أَسْقَـط (في قوله أو فعله) تعني أخطأ وزل.
ثم إن التعبير (أسْقِِطَ في يده) شاع في لغتنا المعاصرة أنه بمعنى (عدِم الحيلة) ولم يعرف كيف يتصرّف، وهذا لا أصل له في المعاجم، بل هو معنى مستجدّ.
قال الزجّاجي: لم يُسمع بـ “سُقط في أيديهم” قبل القرآن، ولا عرفته العرب، ولم يوجد ذلك في أشعارهم، فحتى أبو نواس النِّحرير في اللغة أخطأ في قوله:
“ونشوة سُقطتُ منها في يدي وقد نقل ذلك الميداني في (مجمع الأمثال) – 1774 مادة السين، أن الزجّاجي يقول إن “فُعلت” لا يبنى إلا من فِعل يتعدى، فلا يقال رُغبت، ولا يقال غُضبت.
أما القول عن بني إسرائيل- (سُقط في أيديهم) فهو كناية بمعنى اشتد ندمهم وحسرتهم على عبادة العجل، لأن من شأن من اشتد ندمه أن يعَـض يده غمًا، فتصير يده مسقوطًا فيها،لأن فاه قد وقع فيها، ومن هنا ورد الفعل (سقط).
انظر: جلال الدين القزويني – (الإيضاح في علوم البلاغة)- ص 461.
وهناك شرح آخر للفظة (سُقط) أورده القرطبي (الجامع لأحكام القرآن)- في تفسيره للآية:
قيل : أصله من الاستـئسار، وهو أن يضرب الرجل الرجل أو يصرعه فيرمي به من يديه إلى الأرض ليأسره أو يكتفه، فالمرميّ مسقوط به في يد الساقط .
أما السمين الحلبي فيرى:”وقيل: مِنْ عادةِ النَّادمِ أن يُطَأطِئَ رَأسَهُ، ويضع ذقنه على يده معتمدًا عليها، ويصير على هيئةٍ لو نُزِعت يده لسقط على وجهه، فكأنَّ اليدَ مَسْقُوطٌ فيها”.- ج5، ص 461.
• ملاحظة: في كل بحث نتعلم جديدًا، فقد وقعت هنا في كتاب الحريري أن التعبير (طُـرَّ شاربُه) – لمن نبت شاربه هو خطأ، والصواب أن يقال بفتح الطاء (طَرَّ شاربه)، ذلك لأن معنى طُرّ بالضم- قُطع، وبه سميت الطُّرّة لأنها تُقطع.
• ** لم أجد في شعر أبي نواس هذا الشطر، ومن العجيب أن الشطر يتردد في عدد من المصادر، وبأن أبا نواس أخطأ في استخدام العبارة، ومنها ما اقتبسه محيي الدين الدرويش في كتابه الهام (إعراب القرآن الكريم وبيانه ج3 ، ص 47)، حيث ذكر اسم الزجّاج (بدل الزجاجي) فيما أوردته أعلاه.
ب.فاروق مواسي