الضرورة الإقتصادية لضريبة القيمة المضافة
تاريخ النشر: 15/08/16 | 15:40هي ضريبة غير مباشرة ظهرت للمرة الأولى سنة 1954 في فرنسا بفضل موريس لوريه الذي وضع قواعدها الرئيسية سنة1953. ويمكن تعريفها أنها نوع من أنواع الضرائب غير المباشرة التي تسري على جميع السلع والخدمات إلا ما أعفي منها صراحة، بمناسبة التعامل مع تلك السلع أو أداء تلك الخدمات، وهي تصيب عمليات بيع السلع، سواء كانت تباع بحالتها المشتراة بها أم بعد إدخال بعض التعديلات عليها وسواء كانت محلية أم مستوردة، كما تصيب عمليات تأدية الخدمات، وتفرض على الفرق في قيمتها بين المدخلات والمخرجات في مرحلة المحاسبة الضريبية، وذلك بإضافتها إلى فاتورة البيع أو تأدية الخدمة في بند مستقل من قبل المكلف بتحصيلها (البائع أو مؤدي الخدمة) وتوريدها إلى مصلحة الضرائب على القيمة المضافة في مواعيد يحددها قانون فرضها. فإذا كانت القيمة المضافة تساوي قيمة الإنتاج عند البيع (المخرجات) – قيمة مستلزمات الإنتاج (المدخلات) . وكانت قيمة المخرجات تساوي ألف جنيه وقيمة المدخلات (مواد أولية وأهلاك الآلات والماء والكهرباء والهاتف وغيرها) كانت تساوي أربعمائة جنيه ..
ضريبة القيمة المضافة، بالرغم من اسمها، فإنها ضريبة على الاستهلاك وليس على الإنتاج. وإذا كان الأمر كذلك، أي أنها ضريبة على الاستهلاك، فلماذا يطلق عليها ضريبة القيمة المضافة؟بالطبع إن فرض ضريبة على السلع النهائية قد يعني فرض الضريبة على السلعة الواحدة عدة مرات خلال مراحل تشكّلها. ضريبة القيمة المضافة تتضمن معدلًا ثابتًا Flat rate، بعكس الضريبة الحالية على المبيعات، والتي تتضمن عددًا أكبر من الشرائح. لطالما شدد مسئولون في مصلحة الضرائب على أن معدل الضريبة لا يزال محل بحث، بالرغم من إتمام إعداد مشروع القانون. لكن بعض التسريبات تشير إلى أن مسودة القانون التي أحالتها وزارة المالية لرئيس الجمهورية مطلع العام الماضي قد تضمنت سعرًا للضريبة يبلغ 15%، ونظرًا لعدم صدور القانون بعد تبقى المسودة خاضعة للتعديل.
السعر العام للضريبة في قانون الضريبة على المبيعات الحالي يبلغ 10%. لكن القانون يتضمن عدة شرائح أخرى من الضريبة تبلغ 5% و 25%و 45%، تبعًا لمدى ارتباط استهلاك هذه السلع بالطبقات الاجتماعية المختلفة. وبذلك يفترض أن يؤدي توحيد سعر الضريبة إلى انخفاض الضريبة – وبالتالي الأسعار- على عدد من السلع غير الأساسية نسبيًا، وارتفاع أسعار عدد آخر من السلع الأساسية.
ولتجنب هذه المخاطر، فإن الضريبة تفرض على المراحل المختلفة للإنتاج وذلك لضمان عدم تكرار الضرائب. وفي ظل هذه الضريبة، فإن الناتج تفرض عليه الضريبة في كل مرحلة من مراحل الإنتاج، بغض النظر عن الاستخدام لهذا المنتج. ولضمان فرض الضريبة على الاستهلاك النهائي، فإن الضرائب على جميع السلع والخدمات التي استخدمت كمدخلات في عملية الانتاج ينبغي إعادتها للذين قاموا بشراء هذه السلع. وضريبة القيمة المضافة التي تقوم على مبدأ إرجاع الضرائب على السلع الوسيطة، بما فيها تلك التي على مشتريات السلع الاستثمارية تعتبر ضريبة على الاستهلاك. ولو كانت جميع البذور والأسمدة تستخدم فقط لإنتاج القمح ولا شيء غيره، ولو كان القمح يستخدم فقط في المطحنة لإنتاج الطحين، ولو كان الطحين كله يستخدم في إنتاج الخبز ولا شيء غيره . إلا أنه من المعلوم أن كل منتج من المنتجات المذكورة له استخدامات متعددة، ولذا ينبغي فرض الضريبة على كل مرحلة من مراحل الإنتاج لضمان الوصول إلى تطبيق سليم للضريبة على الاستهلاك.
ضريبة القيمة المضافة هي ضريبة حديثة، وقبل استخدامها كانت الضرائب غير المباشرة تفرض على سلع معينة (مثل السجائر، المشروبات الكحولية)، والضرائب على مبيعات التجزئة. وبالرغم من أن تطبيقها لم يبدأ إلا قبل حوالي 50 عاما، إلا أن هذه الضريبة أصبحت مصدرا رئيسيا للايرادات في غالبية دول العالم. وتشكل هذه الضريبة الآن حوالي ربع الإيرادات الضريبية وما يقارب من 5% من جملة الناتج المحلي الإجمالي.
والميزة الأساسية لضريبة القيمة المضافة أنها تفرض على المراحل المختلفة للإنتاج، حيث يتم تعويض الضرائب المفروضة على المدخلات من الضرائب المفروضة على المنتجات أو المخرجات. وهذا يعني أن البائعين مطلوب منهم فرض ضرائب على جميع مبيعاتهم، وفي الوقت ذاته بإمكانهم المطالبة بتعويض عن الضرائب التي فرضت عليهم في السلع التي استخدموها كمدخلات في عملية الإنتاج. وميزة ذلك أن الإيرادات أصبحت مضمونة وذلك من خلال تحصيلها أثناء عمليات الإنتاج جميعها، على العكس من الضرائب على مبيعات التجزئة. وكذلك فإن هذا النوع من الضرائب لا يشوّه قرارات الإنتاج كما هو الحال في الضريبة على الإيرادات النهائية.
ومن أهم مساوئ هذه الضريبة هي الطريقة التي ستعامل بها السلع الرأسمالية. وفي معظم دول العالم فإن الضريبة على هذه السلع يتم إرجاعها للمؤسسة وذلك لتشجيع الاستثمار في رأس المال، ولأن الإنفاق على السلع الاستثمارية لا يعتبر “استهلاكا” بالمعنى الصحيح. إلا أن دولا أخرى مثل الصين والبرازيل لا تقوم بإرجاع الضرائب على السلع الرأسمالية. وفي دول أخرى يتم إرجاع قيمة الضرائب على السلع الرأسمالية بشكل تدريجي ومساو لقيمة اهتلاك رأس المال Depreciation ويؤدي ذلك إلى عدم اتجاه المؤسسات إلى الاستثمار في رأس المال، وبالطبع فإن لذلك خطورة خاصة في مجتمع مثل مجتمع دولة الإمارات التي قد تلجأ المؤسسات فيها إلى وسائل الإنتاج كثيفة العمل مما سيفاقم من المشكلة السكانية.
والشركات الحديثة أو تلك التي تسعى للتوسع قد تجد نفسها تدفع ضرائب أكثر مما تبيع من السلع (أي أن إيراداتها تقل عن مصروفاتها) مما سيوقعها في أزمة سيولة. وحتى في الدول التي تقوم بإرجاع كل أو بعض الضرائب على السلع الرأسمالية قد تجد هذه الشركات الحديثة أو المتوسعة نفسها تواجه الأزمة ذاتها وذلك لأن عليها انتظار استرجاع الضرائب من الحكومة
والتي عادة ما تأخذ زمنا طويلا. ومن المساوئ الأساسية لهذه الضريبة أنها معقدة نوعا ما من الناحية التطبيقية، وتتطلب وجود نظام محاسبي متقدم نوعا ما لدى الشركات والمؤسسات، وأن الذي سيتحمل العبء الأكبر هي الشركات حسنة التنظيم، بينما تستطيع الشركات الصغيرة والمتوسطة التهرب بسهولة من هذه الضرائب.
ويبلغ حد التسجيل المقترح للضريبة نحو مليون جنيه، لكن ليس من المعروف موقف الصناعات والمشاريع الصغيرة البالغ رأسمالها أقل من هذا الحد، والتي ستكون خارج الخضوع بهذا الشكل. ومن المقترح أن يتم إعفاء الخدمات لأغراض اجتماعية عامة، والتي تمس البعد الاجتماعي وغير القادرين من الخضوع لضريبة القيمة المضافة، بينما سيتم اخضاع جميع الخدمات ومنها المهن الحرة.
ومن المقرر أن يتم تحميل ضريبة القيمة المضافة على الخدمات على المستهلك النهائي للخدمة، بينما يخضع صافى أرباح أصحاب هذه الخدمات والمهن الحرة لضريبة الدخل بعد خصم التكاليف.
الحصيلة المستهدفة من تطبيق القيمة المضافة بنحو 20 مليار جنيه خلال عام، حال تطبيقها من أول يناير المقبل، بينما قالت مبادرة موازنة المواطن التي تم إطلاقها مؤخرا إن تطبيق قانون ضريبة القيمة المضافة الجديد بديلا عن ضريبة المبيعات الحالي، يوفر للخزانة العامة 14 مليار جنيها بموازنة العام المالي الحالي 2014/2015.
يذكر أن إجمالي الإيرادات تراجعت إلى 453 مليار جنيه العام المالي الماضي 2013/2014 طبقا للمؤشرات الأولية للحساب الختامي حسب تصريحات وزير المالية، نتيجة عدم تحصيل جزء من الإيرادات السيادية، وعدم تنفيذ الإصلاحات الضريبية والتحول لنظام القيمة المضافة وسياسات ترشيد الدعم العام الماضي.
الدكتور عادل عامر