أين هم من الأدب
تاريخ النشر: 24/11/13 | 2:10في الأدب متعة تصاحب معرفة فيه صورة- اللغة أو الشكل أو أسلوب إيحاء هذه المعرفة.
يقول وليم هدسن (1841 – 1922) إن عنايتنا بالأدب تـنبع بسبب أهميته الإنسانية العميقة الخالدة. إنه يستمد موضوعه مباشرة من الحياة وصميمها، وهنا نجد أنفسنا….، ونجد الحياة نابضة، فتؤلف فينا ومعنا علاقات كثيرة وجديدة.
الأدب إذن سجل لما رأيناه، وما خبرناه وما فكرناه وأحسسناه. إنه ديوان الحياة، او كما يقول عز الدين إسماعيل (1929 – 2007):
"… يستمد من الحياة ليدفع الحياة ويوجهها (الأدب وفنونه ص10،11) والنص الأدبي موضوع ومحمول، فيه عناصر- العقلي والعاطفي والخيالي والفني.. قد يطغى أحدهما على الآخر، ولكن لا يمكن أن يعدمها جميعها.
وهنا ألج الباب سائلاً:
هل تدبر أدباؤنا الجدد هذه العناصر وهذه المعاني؟
هل غُـنُوا بالحياة وخبروها جدًا، حتى وصل ببعضهم المطاف إلى أن يحكي لنا حتى عن عبثيتها؟
يلحّون علينا بالظهور، وكأن الأدب "سهدك مهدك"،
أو كأن الأدباء هم أؤلئك الذين يشار إليهم ولهم مكانتهم في هذا العصر المادي.. ثم يطلون علينا سائلين: أين النقاد؟
وكأن الناقد وظيفته أن ينتظر جواهرهم ومآثرهم التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. أو كأنهم متواضعون سيستمعون إلى القول، فيتبعون أحسنه.
أو كأن الصحف تفتح صفحاتها لاستقبال جِدّي لما يُكتب عنهم وعن غيرهم.
كتب أحدهم مفاخرًا بزملائه الشباب: "ويمكنهم أن يتحدّون كبار الشعراء"، وأرجو هنا- والله- أن يكون الخطأ طباعيًا، ولكنهم -عامة- يلحنون ويرزقون، يكسرون اللغة، وينشر لهم أساطين التحرير، يخلطون ويجدون من بيننا المنافق أو المتواطئ أو المساير أو المشجع، يعموننا إبهامًا، وينظرون إلينا بطرف العين، ومن لا يعجبه فليشرب ماء البحر!
ويسألون: أين النقاد؟
قالوا لهم: أتقنوا العروض واللغة أولاً – لتتسلحوا ثقافيًا وتراثيًا!
قالوا: هذه رجعية، فالوزن والعروض لا يجعل أحدًا شاعرًا (اكتشفوا أمريكا، فقد نسوا أيضًا أن كثيرًا من المقفى الموزون هو كلام في كلام، ولكن لا يعني ذلك أن نستغني عن الوزن، ونطلّقه)!
قلنا لهم: اقرأوا قصصًا عالمية، وبلغات مختلفة، حتى تسلكوا درب القصة.
قالوا أنتم لا تعرفون الحبكة الجديدة، والمزج بين الواقع والفنتازيا!
ونحن… ما لنا وللأدب العالمي؟!
قلنا لهم: ادرسوا النظريات النقدية، وبأكثر من لغة!
قالوا: لسنا بحاجة إلى نصائحكم،" انتهى وقتك! تنازلوا عن عروشكم "!
قلت في نفسي: لعل ما يعزي في هذا الباب أن مدارسنا ومؤسساتنا ولقاءاتنا الثقافية الرسمية والشعبية والوطنية ومهرجاناتنا تعرف غالبًا لمن توجه الدعوات، وتعرف لمن تستمع، وماذا تبتغي للأديب، ومنه؟ إنها تعرف التمرة من الجمرة. فحسبنا شعبنا، ولن يقدّم أو يؤخر تصفيقهم لبعضهم البعض، وتكريمهم لبعضهم البعض على إصدار باهت لا يسمن ولا يغني من فقر وجوع، فهم يعرفون تمامًا صعوبة قراءة بيتين من الشعر العربي بدون لحن، ويجدون تمامًا عسر كتابة الهمزة.
ثم والله لا أدري لماذا يعدو بعضهم ويتسارعون إلى ما يسمونه شعرًا، ويضعون الكلمات سطرًا تحت سطر!!! لا يهم! هم أحرار، ولكن الخطر في ذلك أنهم يخدعون القراء العاديين الذين يحترمونهم لسبب أو لآخر، فيظنون أنهم حقًا شعراء!!
* * *
أكتب ذلك على إثر قراءتي استطلاعًا نشرته إحدى صحفنا مؤخرًا، شارك فيه الكتاب محمود مرعي ولؤي مصالحة وأسمهان خلايلة وسامر خير .
وأصدقكم أن كلام الشاعر العروضي محمود مرعي قد راق لي خاصة وهو خريج الدراسة الابتدائية فقط، إذ يطالب زملاءه بإلحاح أن يقرأوا أضعاف ما يكتبون… إنه يرى في جيله "جيلاً يكتب أضعاف ما يقرأ، فماذا ينتظر منه؟!!
– كلام حق يراد منه حق.
ويمضي محمود في القول:
" نكن لجميعهم الرعيل الأول -كل المحبة والامتنان والاحترام…، وبهذه المناسبة أدعو نقادنا الجادين إلى الكشف عن عيوبنا".
هل أعيداللفظة الأخيرة "عيوبنا "؟
سامر خير يعرف حجمه الطبيعي خلاف الكثيرين من أبناء جيله ممن اغتروا ووهموا، وما زلت أذكر كيف استمعنا لسامر قبل بضع سنين في قراءات شعرية هزتنا صوتًا وأداء وفكرًا، ولا ريب أنه هو وأمثاله من الجادين سيكملون دربًا بدأ الكثيرون من " الشيوخ " بالإفساح فيه.
الأقلام الواعدة كالنباتات، لا بد أن تبسق وتشمخ جنبًا إلى جنب مع شجرات تؤتي أكلها بإذن ربها وبإذن شعبها، وثقوا دائمًا أن الزبد سيذهب جُـفاء، سواء كان زبدًا يرغو من شرخ شاب، أو من هامة شيخ.
أما الأرض فستحضن من ينفعها، وينفع الناس وينفع نفسه.
– بتصرف من كتابي: "تمرة وجمرة ط2. باقة الغربية: مطبعة الهدى- 2005، ص 106-108.