علمتني سورة مريم
تاريخ النشر: 22/12/16 | 6:00(ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا)
علمتني هذه الآية أن أعلى المراتب أن تكون عبدا لله .لم يقل ذكر رحمة ربك نبينا زكريا و لا رسولنا زكريا قال عبدنا كأنها أعلى، لهذا أعلى المراتب ان تكون عبدا لله و قوله تعالى سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فعلِمت و تعلَّمت أنها أعلى مرتبة في هذا الكون أن تكون عبدا لله لماذا؟
لأنك خلقك لأن تكون عبدا (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فلما تاتي بهذه الوظيفة التي خلقت لها فانت في اعلى المراتب لا الملك اعلى منك و لا الوزير و لا اي مرتبة اذا انت كنت عبدا لله و اتيت مقتضى العبودية هذه علمتني الآية
(إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا)
علمتني هذه الآية ان ليس العبرة بالدعاء رفع الأصوات و لا البكاء و لا العويل نداءا خفيا فاستجاب الله له صوت خافت خفي لا تسمعه الا اذنك استجاب له تعلم لماذا؟
لصدق قلبه ، لصدق حاجته ، لصدق مسعاه ، لتلطفه بالدعاء فلا العويل ياتي لك بما تريد و لا رفع الصوت و لا ان تبكي و لا ان تتبذل و لا ان تصرخ قال تعالى : (إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا)خفض صوته بصدق فاعطاه الله عز و جل شانه ما اراد فعلمتني هذه الآية ان الطلب لا العبرة له بقوة الصوت و لا بالسجع في الدعاء و لا بالتفنن ،الطلب علّمني ياتي بقدر الحاجة.
(قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا )
ماذا علمتني هذه الآية؟
علمتني ان اضع ضعفي امام رب العزة فان الله عز و جل يحب ان تعترف بضعفك و ذنبك و تقصيرك و آلامك تضعها بين يديه
لم يطلب زكريا الا لما وضع ضعفه امام ربه (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) الضعف الداخلي الذي لا يرى يارب و ان قمت و ان يراني الناس امشي و ان راتني زوجتي اكتسب العيش لكن انا عظمي من الداخل ضعيف (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا) يارب و الشيب الذي يراه الناس علامة الضعف و انت تعلم فاعترف بالضعف الداخلي و الضعف الخارجي فعلتمني هذه الآية قبل الدعاء ان ابرز ضعفي لرب العزة “اللهم اني اليك فقير و ما انزلت الي من خير فقيرفارزقني من عندك” علمتني هذه الآية اذا كنت اصبت بقلة الحيلة ان اقول “اللهم تدبيرك يغني عن الحيل” علمتني هذه الآية ان اضع نقاط ضعفي امام رب العزة فهو سيقويني سبحانه و تعالى و سيجد لي مخرجا علمتني ايضا هذه الآية (وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ) ما معنى هذه الآية؟ هل فكرت بها يوما ؟
الذي يحجب عن الدعاء هو الشقي ليس العبرة ان يستجاب بمجرد انك لا تدعو ربك فانت شقي قال (وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ) اي اني يارب ما دعوتك الا و استجبت لي فلا تجعلني شقيا بعد الإستجابة لهذا الشقي من يحرم الدعاء هكذا علمتني هذه الآية
(يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى)
علمتني هذه الآية ان اكون مبشرا و ان اسعى للتبشير دائما اذا كان رب العزة على جلالة قدره بشّر زكريا فعلمتني هذه الآية ان اكون مبشرا و اسعى لنقل البشائرلا المصائب فيعقوب عليه السلام (ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف) كيف وجدها؟
يعقوب عليه السلام في البدو فلسطين و قميص يوسف في مصر كيف وصلت رائحة قميص يوسف ليعقوب؟
جاء في الحديث ان الريح استاذنت رب العزة قالت يارب استاذنك ان انقل ريح يوسف لابيه تعجل بالبشارة فأذن الله لها فاخذت الريح رائحة القميص و نقلتها الى يعقوب الى انفه فقال اني لأجد ريح يوسف قبل ان يصل البشيرو الله عز و جل سماه بشيرا لآن اروع ما تكون حين تنقل البشارة لإخوانك فعلمتني هذه الآية ان اكون مبشرا و اسعى لإخواني بالتبشير فان اعظم ما تصنعه ان تدخل السرور على قلب مسلم “ان من احب الأعمال الى الله ان تدخل سرورا على قلب مسلم” هذا احب الأعمال الى الله فكيف لو كان محتاجا فكيف لو كان ينتظر هذه البشارة فعلمتني هذه الآية (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى) ان ابشرك ما استطعت و ان اسعى لهذا .
(قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا)
علمتني هذه الآية ان البشر كثيرا ما يتكئون على الأسباب كيف ياتيني و انا كبيرو امراتي عاقرا رغم من الذي بشر رب العزة وزكريا ما قالها استنكارا بل قالها استغرابا فعلمتني ان لا تتكئ على الأسباب اذا كان معك رب الأسباب فموسى عليه السلام لما وقف امام البحر قال الذين معه: انا لمدركون فعلا هم مدركون فرعون خلفهم و البحر امامهم قال موسى كلا ان معي ربي سيهديني انتقل من الأسباب الى رب الأسباب فاوحى الله ان اضرب بعصاك فالعبرة اذا كان عندك انت سبب و عجزت عنه فعليك برب الأسباب فعلمتني هذه الآية ان لا اتكئ على الاسباب كثيرا ان عجزت عنها
(يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ)
علمتني هذه الآية ان القرآن ياخذ بقوة اذا اردت العلم خذه بقوة و الله عز و جل لن يعطيك بركة القرآن على وهن ،على ضعف يجب ان تكون قويا تاخذ القران نزعا حتى تاتى من بركته فان اخذت القران بقوة قال تعالى: (وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) فانت لن تاتى الحكمة حتى تاخذ القران بقوة فعلمتني هذه الآية ان اهل القران فيهم صفة القوة و فيهم صفة الحدة في اخذ تعاليم الدين و احكام الدين لهذا لن تنال بركة العلم حتى تاخذ ه عن قوة فلن تنال العلم و انت تتكئ على اريكتك و تنتقد هذا و هذا و تتكلم عن هذا و هذا و تنتقص هذا و فلان قال و فلان قال و فلان عمل و تجلس على التغريدات و تصور و تنشر..هذا لن تاتي به العلمعلمتني هذه الآية (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) ان اشتغل بالكتاب هو الوحيد الذي يحتاج قوة باخذه و باقي الأشياء تاتى على وهم ربما المنصب ربما ياتيك على ضعف و انت لست اهلا له لكن القران لن ياتيك على وهن ياتيك بقوة فهذه الآية ذكرتني بقصة الإمام مالك في يوم من الأيام جلد غلاما لأنه تكلم في مجلسه عشر جلدات فوقف الغلام على باب المسجد يبكي و يقول و الله لأشكونَّك لله فكسر قلب الإمام مالك فقال له تعالى تعفو عني قال الغلام: بشرط واحد قال: و ما هو ان تعطيني بكل جلدة جلدتني اياها حديثا فقال الإمام مالك هو لك فاعطاه عشرة احاديث كل حديث بسوط فلما انتهى قال الغلام يا امام عندي شيء قال الإمام و ما هو ؟ قال زدني سوطا و اعطني حديثا فعلمني فعلا (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) ان القران لا ينزع الا بقوة .
(وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا )
علمتني هذه الآية ان الحكم لا تقرن بالسنين و لا بالسنوات و لا بالأعمار المرء باصغريه قلبه و لسانه كما قال الغلام لعمر فعلمتني هذه الآية ان لا انظر لكبر سن على انه حكيم و لا انظر لصغر سن على انه طائشعلمتني ان العقول من رب العزة فيعطي الصغير مالا يعطي للكبيرفعلمتني هذه الآية ان الحكمة من الله جل و عز شانه.
(وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا)
علمتني هذه الآية ان الله عز وجل شانه و تقدست اسماءه منَّ عليك بالحنان ستكون زكيا و تقيا و حنانا من لدنا اي اعطيناه حنانا ثم قال زكاة اي زكيناه ثم قال و كان تقيا لن تنال الزكاه و الحنان الا اذاكنت تقيا تقدير الكلام كان تقيا فاعطيناه حنانا من لدنا و زكاه فلن تاخذ لا الحنان من رب العزة و لا الزكاه الا اذا كنت تقيا فعلمتني هذه الآية ان الرحمة و الحنان و الزكاة كلها تنالها ان كنت تقيا
(وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا)
علمتني هذه الآية ان كل عاق جبار لا يصلح ليأخذ زمام المسلمين و لا يصلح ابدا ليقود المسلمين و لا يصلح ابدا ليتولى أمر المسلمين فكل عاق سيكون جبارا على امته وسيكون جبارا على شعبه ان عاق اباه و امه فعلمتني هذه الآية ان البار هو اولى الناس بالمجتمع .
(فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا)
فعلمتني هذه الآية ان المراة تتجنب الإختلاط بالرجال فعلمتني هذه الآية ان المراة التي تصون نفسها تبتعد عن مواطن الرجال .
(فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا)
علمتني هذه الآية ان الله عز و جل ربما ينزل الملك من مرتبة الملائكية الى البشرية في سبيل ايصال الرسالة و انت كذلك يجب احيانا ان تنتقل من مرتبة اعلى لأدنى لتوصل رسالة ربك جل و عز شانه هذا ما علمتني هذه الآية.
(قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا)
علمتني هذه الآية ان اول ما استعين به هو الله و يذكر بالله
(فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا)
علمتني هذه الآية احيانا نتمنى الموت لا من اجل المصائب بل من اجل الناس فعلمتني ان الإنسان لا يتمنى الموت الا من قسوة المجتمع هذا ما علمتني الآية و مريم تمنتها لأنها تعلم ما ستلاقي من اليهود .
(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا)
علمتني هذه الآية ان الناس اول ما تفكر بالسوء لم يسالوها من اين هذا و لا ابن من ؟ اول ما راو الغلام بيد مريم قالوا لقد جئت شيئا ثريا يعني بهتانا عظيما فعلمتني هذه الآية الناس اول ما تفكر بك بالسوء ان وقعت في موطن شبهة فعلمتني هذه الآية ان لا اقع في موطن شبهة لأن الناس لن ترحمني كما في حديث رسولنا صلى الله عليه و سلم “على رسلكما انها صفية قالوا يا رسول الله ماعاذ الله قال لا ان الشيطان يجري مجرى الدم في الإنسان” فعلمتني هذه الآية ان لا اقع في موطن شبهة و لا اجلس في موطن شبهة لأن الناس لا ترحم.
للشيخ وسيم يوسف