الطبقة الوسطى في مصر وتأثيرها بغلاء المعيشة والأسعار
تاريخ النشر: 22/08/16 | 15:04إن معايير الطبقة الوسطى في ثقافة ما قد تختلف عن مثيلاتها في طبقة أخرى كملكية المنزل وتعليم الأبناء، وبشكل عام، يميل الأغلبية من الأفراد إلى تصنيف أنفسهم من أفراد الطبقة الوسطى لاعتبارات ثقافية واقتصادية، لذلك فان الرؤية والفلسفة الاقتصادية الاجتماعية المناسبة التي يمكنها عبر عمليات إجرائية وآليات تنفيذية إنقاذ الطبقة المتوسطة من الانهيار تتمثل في الاهتمام بالخدمات التعليمية، والرعاية الصحية، وتحسين ظروف العمل القائمة، والعمل على توفير المزيد من فرص العمل، وحماية الأسرة من التضخم الاقتصادي، وتعزيز أداء مؤسسات المجتمع المدني ودعمها تشريعياً ومادياً ورفع مستوى الحياة الاجتماعية، من خلال توفير بيئة اجتماعية تلبي احتياجات كافة أفراد الأسرة
فالطبقة الوسطى هي الطبقة الأكثر فعالية حيث إنها الطبقة المنتجة والمستهلكة. و في حال اهتزاز الطبقة الوسطى فإن ذلك قد ينجم عنه انخفاض إنتاجية الأفراد واختلال في نظم القيم الاجتماعية وبروز ظواهر اجتماعية سلبية كالجريمة والانحراف والتفكك الأسري
أما خريطة الفقر في مصر، فلدينا ثلاثة مستويات وطرق لحساب الفقر في مصر، فهناك الشريحة التي لا تجد قوت يومها، أو تعيش على أقل من عشرة جنيهات في اليوم، ونسبة هذه الشريحة تمثل نحو 3,4% من السكان، بينما تمثل الشريحة التي تعيش على دخل يومي أقلمن20 جنيها في اليوم الواحد نسبة 18,5% ، أما الشريحة التي تعيش على أقل من 30 جنيها يوميا فتمثل نحو 21,8% ، ويتبقى السكان الذين يعيشون حياة لائقة ويمثلون نحو 56,3% من جملة السكان. ولا شك أن هذه البيانات الكمية، تؤشر على وجود مشكلة حقيقية في هيكل الأجور في القطاعين الخاص والحكومي، فحين يصبح دخل أكثر من 40% من السكان أقل من 30 جنيها يوميا، فمعنى ذلك أن هناك شرائح عريضة من قوة العمل المصرية لم تبلغ الحد الأدنى للأجور الذي أعلنت عنه الحكومة، ويعادل 40 جنيها يوميا.
لذلك فان الوضع الاقتصادي وتلك الهزات يؤثر ذلك بشكل مباشر على الوالدين، وفي سبيل سعي الوالدين نحو تحقيق المزيد من الموارد المالية يمر الآباء بضغوط صحية ونفسية كما يقل اهتمام الآباء بمتابعة سير العملية التعليمية لأبنائهم، كما تضعف أيضاً إمكانية متابعة الأبناء في المنزل وخارج المنزل (أين هم في دراستهم، مع من يتصاحبون، ممارساتهم السلوكية داخل وخارج المنزل)، كذلك الضغوط الاقتصادية على الآباء يمتد أثرها ليشمل الأبناء، وزيادات في الاضطراب العاطفي، ومن ذلك الشعور بالوحدة، والاكتئاب، وجنوح، أو تعاطي المخدرات
إنّ الدّول تتّخذ سياسات اقتصاديّة متنوّعة للتّعامل مع حالة ارتفاع الأسعار، فالدّول الاشتراكيّة تقوم بتنفيذ سياسات تستهدف إعطاء الدّول دوراً أكبر للتّدخل في سياسات السّوق وضبط الأسعار من خلال تحديد قائمة أسعار لعددٍ من السّلع والخدمات وخاصّة السّلع الأساسيّة منها، كما توفّر تلك الدّول سياسة أمان اجتماعي تستهدف توفير الحماية لذوي الدّخول المتدنّية والمحدودة للحدّ من تغوّل ارتفاع الأسعار في حياتهم ومعيشتهم، وهناك الدّول الرأسماليّة التي تترك السّوق على حاله بمعنى أنّه يحكم نفسه بنفسه وفق معطيات العرض والطّلب
وإن وفّرت بعض تلك الدّول حزمة سياسات لتحقّق الأمان الاجتماعي لبعض الشّرائح الفقيرة. تحدث حالة ارتفاع الأسعار نتيجة أسباب مختلفة منها حالة العرض والطّلب في السّوق تصحيح مفهوم الحرية الاقتصادية ومفهوم اقتصاد السوق، فالحرية الاقتصادية لا تعني أن التاجر حر في ممارسة الاحتكار ووضع الأسعار التي يريد. فهناك فترات زمنيّة تحدث فيها زيادة طلب على سلعٍ معيّنة وبالتّالي ترتفع أسعار تلك السّلع نتيجة نقصان المعروض، وقد يكون سبب ارتفاع الأسعار جشع التّجار واستغلالهم للوضع الاقتصادي الذي يسمح لهم بزيادة الأسعار بدون وجودٍ رقيبٍ عليهم وعلى تصرّفاتهم، وقد يكون الاحتكار أيضًا من الأساليب التي تؤدّي إلى ارتفاع الأسعار، فالتّاجر عندما يقوم باحتكار السّلع من خلال وضعها في المخازن ثمّ عرضها في وقت حاجة النّاس إليها فإنّ ذلك يؤدّي إلى ارتفاع الأسعار بلا شكّ، وقد يكون سبب ارتفاع الأسعار قلّة إنتاج السّلع في الدّول المنتجة والمصدّرة
وبحلول القرن العشرين، ظهرت الطبقة الوسطى المصرية الحديثة، نتيجة حراك اجتماعي كبير، حيث تشير الدراسات إلى وجود أكثر من رافد ساعد على بلورة كيان الطبقة الوسطى المصرية، فقد خرجت من عباءة الأعيان، وبسبب دمج أبناء الفلاحين في الجيش المصري، ونتيجة زحف أعداد متزايدة المصريين إلى المدن سعيا إلى المشاركة السياسية وتعليم أبنائها، ورغبة في الاستفادة من الرغد الذي توفره الحياة الحضرية الجديدة، وأصبح بمقدور الكوادر المتعلمة تولي المناصب الإدارية العليا. ومع الوقت نجحت هذه الطبقة في الجمع بين الثروة والوعي الذاتي، واستطاعت أن تتضامن في اتحادات أهلية، زراعية وصناعية.
وعن النخبة الصناعية المصرية، تذهب بركة إلى أن هذه النخبة انحدرت، وعلى عكس معظم بلدان الشرق الأوسط، من طبقة كبار الملاك، وليس من النخبة التجارية، فقد كانت حركة الأموال بعد ثورة 1919 تتجه من الزراعة إلى الصناعة والتجارة والخدمات.
وعندما تأسست الصناعة، أخذ يفد عليها وافدون جدد من أصحاب المهن الحرة. ما أدى إلى نمو سريع في الصناعة المصرية، وصارت شريحة الصناعيين تحتل ثلث الطبقة العليا في العقد الثاني من القرن العشرين، ثم انخفضت بشكل حاد في نهاية العقد الرابع من القرن العشرين، بسبب زيادة نشاط التجارة والمقاولات، وزيادة حجم الشريحة البيروقراطية.
إن المشاكل التي تعانيها الطبقة الوسطي خلال السنوات القليلة الماضية وبالأخص منذ قيام ثورة يناير 2011 وحتى الآن في عددٍ من التحديات والأزمات، أهمها :
الارتفاع الكبير في أسعار العديد من السلع والخدمات «خاصة السلع الغذائية والسلع الأساسية مثل السولار والبنزين والبوتاجاز، والخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والنقل.. الخ».
انخفاض القيمة الشرائية للجنيه نتيجة انخفاض قيمته أمام الدولار، وهو ما أدي إلي ارتفاع تكلفة الاستيراد ومن ثم أسعار السلع المستوردة «الاستهلاكية أو الرأسمالية»، وانعكس في صورة ارتفاع أسعار العديد من السلع في السوق المحلي.
انخفاض مستوي الدخل الحقيقي للفرد كنتيجة مباشرة لانخفاض قيمة الجنيه.
عدم وجود بدائل استثمارية تحقق الربح الآمن والمعقول، نتيجة تراجع الاستثمارات الأجنبية إلي مصر وتوقف النشاط الاقتصادي وتراجع معدلات الإنتاج.
في المحافظات الحضرية ينفقون علي الطعام والشراب أقل نسبة من دخلهم وهي 7,37%، أما في الحضر البحري فيصل الإنفاق علي هذا البند إلي 9,41% وتأتي نسبة الحضر القبلي في هذا الإنفاق ل7,38%، ونجد النسبة الأعلى في الإنفاق علي الطعام والشراب في الريف القبلي وتصل إلي 5,49% من الدخل، أما محافظات الحدود فيصل الإنفاق فيها علي الطعام والشراب بنسبة 2,45% والنتيجة لهذا البيان أن المصريين ينفقون 6,43% من دخلهم علي الطعام والشراب.
– المشروبات الكحولية والدخان كانت النسبة الأعلى للإنفاق عليه من دخل الأسرة في الريف القبلي ووصل إلي 3% في حين جاءت أقل نسبة من الإنفاق علي هذا البند في المحافظات الحضرية ووصلت إلي 2%، بينما تساوي الحضر البحري مع محافظات الحدود لتصل إلي 3,2% ولكن مجموع الإنفاق من دخول المصريين علي المزاج وصل إلي 4,2%.
– الإنفاق علي الملابس والأقمشة والأحذية جاءت النسبة الأعلى فيه لدي محافظات الحدود حيث وصلت إلي 6,6% من الدخل، وأقلها كان في المحافظات الحضرية بنسبة 8,4% ليصير ما ينفقه المصريون من دخولهم علي هذا البند هو 7,5%.
– السكن ومستلزماته كانت نسبة الإنفاق الأعلى فيه بالحضر القبلي ووصلت إلي 5,19%، وأقلها كان في الريف القبلي بنسبة 5,16% أما ما ينفقه المصريون علي هذا البند فيصل إلي 6,17% من دخولهم.
– كما ينفق المصريون علي الأثاث والتجهيزات والمعدات المنزلية وأعمال الصيانة الاعتيادية5,3% من دخولهم، والنسبة الأعلى من الإنفاق في هذا البند كانت في الحضر القبلي بنسبة 8,3% وأقلها كان في الريف البحري 2,3%.
– ينفق المصريون علي الخدمات والرعاية الصحية 4,6% والنسبة الأعلى يصرفها سكان المحافظات الحضرية بنسبة 6,7% من دخولهم، وأقلها كان في محافظات الحدود حيث وصلت إلي 3,3%.
– أعلي نسبة في الإنفاق علي الانتقالات والنقل كانت في المحافظات الحضرية بنسبة 3,6% من الدخل ومحافظات الحدود بنسبة 9,5% بينما أقلها كان في الريف القبلي بنسبة 3% ليصل مجموع ما يصرفه المصريون علي هذا البند من دخولهم 4,4%.
– يصرف المصريون علي «الاتصالات» 6,2% من دخولهم كانت النسبة الأعلى في المحافظات الحضرية حيث وصلت إلي 2,3% وتساوي معها حضر قبلي بنفس النسبة، ووصلت إلي أقلها إنفاقاً محافظات الريف القبلي بنسبة 8,1%.
– الثقافة والترفيه لا تشغل المصريين ولذلك نجدهم ينفقون علي هذا البند من دخولهم نسبة متدنية للغاية تصل إلي 1,2%ليصل أعلي نسبة لها في المحافظات الحضرية 8,2% ويتساوي معها في نفس النسبة الحضر البحري، ويصل أدناها في ريف قبلي لتكون نسبته 1,1%.
– إجمالي ما يصرفه المصريون علي التعليم 4,3% من دخلهم، كانت المحافظات الحضرية هي الأعلى في نسبة الإنفاق علي هذا البند لتصير النسبة فيها 2,5% يليها حضر قبلي بنسبة 2,4% وتصل لأدناها في محافظات الحدود بنسبة 4,1%.
– نصيب المطاعم والفنادق من دخل المصريين 1,4%، والمحافظات الحضرية تنفق النسبة الأكبر في هذا البند 7,4% وتتساوي معها في نفس النسبة ريف قبلي، ويأتي أدناها في الإنفاق علي هذا البند عند الريف البحري لتصل إلي 2,3%.
– تهتم محافظات الحدود بالسلع والخدمات المتنوعة في الإنفاق وتستحوذ علي النسبة الأكبر فيها 5,3% ويأتي أقلها في الريف البحري بنسبة 4,2% ليصير إنفاق المصريين جميعاً في هذا البند 9,2% من الدخل. لاشك أن الطبقي الوسطي في مصر تتعرض بالفعل لأقصي درجات المعاناة والضغط، فهي تقع بين مطرقة الأسعار وسندان انخفاض قيمة العملة ومستوي الدخل، وهو ما يمكن أن يؤدي إلي تآكلها ومن ثم اختفائها ليُعاد ترتيب وضع الطبقات الاجتماعية بحيث يظل الأغنياء والأثرياء في مستوي بعيد عن كل ذلك، وتهبط نسبة كبيرة من أصحاب الطبقة الوسطي إلي درجات متدنية في السلم الاقتصادي والاجتماعي تقترب من مستويات الطبقة الدنيا ومحدودي الدخل.
وحدوث ذلك سيؤدي إلي ارتفاع مستويات البطالة وتراجع حجم الإنتاج والتشغيل، ما يعني استمرار ارتفاع الأسعار «التضخم»، ويخلق بالتبعية وضعاً اقتصادياً سيئاً للغاية ينذر بحدوث انفجار اجتماعي.
الدكتور عادل عامر