سأحلبها لكم ولو صرت خليفة
تاريخ النشر: 09/07/11 | 1:47يتسابق العديد منا في مجالات الحياة المتنوعة ويتنافسون ويتبارزون ويتخاصمون ويتناحرون ويجدون أنفسهم في مسالك غريبة حباً في السلطة وسعياً وراء المناصب وتحقيقاً للنفوذ والجلوس في دائرة التأثير والسلطة والزعامة وامتلاك القرار .
لا أحد يشكك في طموحه ومصداقيته وأهليته فكلنا طموحنا يعانق الغمام وكلنا نجد الحق والشرعية والأهلية والجدارة في أنفسنا لتولي أعلى منصب وأرفع مكانة.
منا من يرى ذلك الاستحقاق لكونه ينحدر من سلالة رفيعة المكانة مؤصلة أباً عن جد ومنا من يرى ذلك لعلم اكتسبه ودراسة حصل بها على شهادة أو لقب ومنا من يرى ذلك لصفات ومواصفات يعتقدها في نفسه ومنا من يرى ذلك لمقدرته على حمل الأمانة وأداء الرسالة.
البعض يرى فيها هدفاً لتكون فيما بعد وسيلة أو أداة لتنفيذ مخططات ومنافع ومطامح ومكاسب ذاتية أو ضيقة تنحصر في زمرة أحسنت التصفيق وساهمت وشاركت في الجهد للوصول إلى الهدف وترى لنفسها الحق في قبض الثمن وفي نفس الوقت تنفيذ مخططات انتقامية وتصفية حسابات وإيذاء الزمرة التي لم تحسن التصفيق في نفس الجوقة.
والبعض يرى فيها هدفاً لتكون فيما بعد وسيلة للإصلاح والتغيير والبناء والتعمير والمساهمة في الصالح العام وتكون له رسالة ومسؤولية وأمانة يخشى بها الله ويسعى لتنفيذها لكونها تكليفاً وليس تشريفاً ويتعامل بهذه الأمانة بأمانة وصدق وإخلاص للجميع بدون محاباة أو مداراة أو انتقائية .
قال تعالى (( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا(( (72) ( سورة الأحزاب).
إن النظر إلى المنصب والوظيفة بالاستخفاف والاستهانة وعدم تقدير الأهوال الجسيمة والدور العظيم والساعات الطويلة والوقت والجهد والتعب والتحمل والتفاني والعطاء والمسؤولية الكبيرة أمام الله والناس والقانون والسؤال عن الحق العام وحقوق العباد يجعل العديد من يرونها مجرد نزهة أو وظيفة أو دور بطولي في فيلم أو مسرحية أو شخصية مركزية في قصة من قصص أبو زيد الهلالي وألف ليلة وليلة.
والعديد ممن ينظرون إليها برهبة وخشية وتردد لإدراكهم عِظَم حمل هذه المسؤولية والأمانة وتجنبهم وتخليهم ورفضهم أو اعتذارهم عن حملها لأنهم يرونها مهمة جليلة ومسؤولية عظيمة وتكليف وأمانة وأنهم سوف يُسألون عن كل ما سيفعلون وإرضاء الناس كل الناس في هذا الزمان غاية مستحيلة .
الخشية والتقوى والرهبة والخوف أقلقت مضاجع الخلفاء والولاة وفي سيرهم العديد من القصص في هذا الباب :-
الخليفة الفاروق الذي كان يؤرق مضجعه حال العباد فيجوب الشوارع والطرقات يتعسس ويتحسس أخبار وأوضاع الأُمّة لأنه كان يعرف أنه سيُسأل عن كل فرد منهم ولهذا يطلب أن يُقوَّم في حالة أي اعوجاج أو خطأ.
والخليفة عمر بن عبد العزيز الذي كان يبكي لعظم المسؤولية ويسعى فيها بالحذر والحرص والقلق على مصلحة بيت المال وأوضاع الناس والعدل والتسامح معهم حتى لُقِّب بخامس الخلفاء الراشدين .
أما الخليفة الصديق أبو بكر يعرض نهجه وسياسته من خلال جاراته اللواتي اعتقدن أن تولي أبو بكر الخلافة سيجعله يتغير وينقطع عن المساعدة في حلب الغنم حين طمأن بمقولته العظيمة التي تعرض دستوره في ثباته وعدم تغيره :- سأحلبها لكم ولو صرت خليفة !
لهذا فإن إدراك عظم الرسالة وثقل الأمانة في المنصب والوظيفة والعمل هو أول مقومات النجاح والصلاح والفلاح وكل من عليها فان وسيمضي الجميع كما مضى من سبق ويبقى للعباد في رقابهم حقوق ومظالم أو شهود على تقوى وإخلاص وأمانة في صحائفهم وكل ٌسيُسألون وسيحاسبون وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته .
حياك الباري استاذي الكريم .وجمل ايامك بالعطاء الخالد.
جدير بنا ان نتألق بمكارم الاخلاق..ونسلك دروب العمل بأمانة..كل عنصر بموقعه.
الانسان المحترم المتواضع…يشغل المناصب الجماهيرية ويزداد احترام بعيون الناس.
المناصب لا تضيف رفعة للنرجسيين والفهلويين.
المناصب امانات …وعلينا ان نشغلها حسب الاصول والقانون..ونقلد العظماء بالتفاني
والاخلاص بادائها…
اخي العزيز..مقالاتك دائما تعالج امور جوهرية..تخطها باسلوب رائع..شكرا جزيلا .
جزاك الله كل خير.. اتمنى لك العيش السعيد والحياة العريضة..