الحماية الإجتماعية والقرار الإقتصادي

تاريخ النشر: 20/08/16 | 16:38

تعني العدالة الاجتماعية التوزيع العادل للموارد والأعباء من خلال نظم الأجور والدعم والتحويلات ودعم الخدمات العامة، وبالذات الخدمات الصحية والتعليمية. ويتحقق ذلك من خلال عدد من المحاور التي يتم من خلالها توزيع الدخل، وإعادة توزيعه داخل المجتمع يعد الضمان الاجتماعي أحد الأركان الرئيسية للعدالة الاجتماعية،ويحظى بمكانة في ضمان الكرامة الإنسانية لجميع الأشخاص، كما يحظى بتأكيد في وثائق القانون الدولي لحقوق الإنسان وبرامج منظمة العمل الدولية، كما، ويلزم العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية الدول الأطراف فيه (م19) “بحق كل شخص في الضمان الاجتماعي، بما في ذلك التأمينات الاجتماعية”. يعتبر مفهوم الرعاية الاجتماعية القديم والذي كان قائم على مساعدة الإنسان لأخيه الإنسان في وقت الشدة والذي عجزت قدراته الشخصية عن مواجهة احتياجاته مثل رعاية فئات المسنين والأيتام والأرامل والتي كانت بدوافع الإحسان المنبثقة من الوازع الديني.

ويشمل الضمان الاجتماعي، الحق في الحصول على استحقاقات، نقدا أو عينا، والحفاظ عليها دون تمييز لضمان الحماية لتحقيق هذا الهدف هو إصلاح هيكل الأجور والدخول: الذي يتم من خلاله تحديد المستوى المعيشي للعاملين بأجر، ويعكس بصورة أو بأخرى توزيع القيمة المضافة المتحققة في العملية الإنتاجية بين أرباب العمل والعاملين لديهم. وتشكل سياسات الأجور حجر الزاوية في تطبيق العدالة الاجتماعية، يتضمن إعادة النظر في هيكل الأجور ثلاثة جوانب يقضى الأول وضع حد أقصى وأدنى للأجور، ويستلزم الجانب الثاني اعتماد مفهوم الدخل بدلاً من الأجر أو الراتب، ويتطلب الجانب الثالث تحقيق “العدالة الأفقية” و”العدالة الرأسية” للدخول داخل القطاع الواحد.

ونظام الضرائب الذي يعيد توزيع الدخول من خلال طريقة توزيع الأعباء الضريبية. وكلما تعددت الشرائح الضريبية واتخذت منحنى تصاعدي يتناسب مع المقدرة التكلفية للممولين، فإن النظام الضريبي يتمتع بدرجة أعلى من الكفاءة في تحسين الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية. وتستند فلسفة النظام الضريبي متعدد الشرائح والتصاعدي إلى أن الأعلى دخلاً، يكون أكثر استفادة من الإنفاق العام على البنية الأساسية وعلى الخدمات العامة الأساسية بما يستوجب عليه أن يسهم بمعدلات أعلى في الحصيلة الضريبية التي يتم من خلالها ذلك الإنفاق العام.والدعم السلعي والتحويلات ودعم الخدمات العامة،
وهو إنفاق عام موجه إلى الفقراء ومحدودي الدخل وشرائح رئيسية من الطبقة الوسطى لإتاحة الرعاية الصحية والتعليمية لهم، وتوفير مصدر دخل للفئات الأشد فقراً والعاطلين عن العمل. باعتبار أن ذلك حقهم وجزء من حصتهم من إيرادات الموارد الطبيعية في بلدهم، وكواجب ومسؤولية اجتماعية على الدولة إزاء مواطنيها وحقهم في الحياة والطعام والشراب والمسكن والعمل والتعليم والرعاية الصحية. و تمكين المواطنين من كسب عيشهم بكرامة من خلال توفير فرص العمل لهم، مما يتيح لهم الحصول على حصة من الدخل القومي بصورة كريمة من عملهم وكدهم، سواء تم ذلك من خلال توفير فرص عمل حقيقية، وليس بطالة مقنعة لدى الدولة وقطاعها العام وجهازها الحكومي وهيئاتها الاقتصادية، أو من خلال قيام الحكومة بتهيئة البنية الاقتصادية، وتسهيل تأسيس الأعمال بكل أحجامها بما يخلق فرص العمل في القطاع الخاص. ويتم تحقيق سياسات الرعاية الاجتماعية بتعاون جادٍّ بين الحكومةِ ومؤسسات المجتمع؛ فهي مسؤولية جماعيَّة يُسهم فيها المجتمع بأكمله، فإذا عجز الدور الأهلي، وجَبَ التدخل الرسمي، وهذا له إيجابياته في فَهْم المجتمع لمشكلاته واحتياجاته بصورة أكبر، وترابُط أفراده وقدرته على المحاسبة، وصُنع البرامج التي تُناسبه، وخَلْق رُوح الجديَّة والاعتماد على النفس.

إن فشل برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري المدعوم باقتصاد السوق الحر لا يعني بالضرورة سقوط ذلك المنهج بكُلّيته، وإنما يحتمل تفسير ذلك الفشل بمجموعة عوامل أو بعضاً منها، على سبيل المثال عدم الجدية في تطبيق برنامج الإصلاح واستخدامه كورقة مساومة مع المجتمع الدولي، أو عدم التطبيق الكامل لبرنامج الإصلاح وانتقاء مكوناته السهلة والتهرب من الخوض في الإجراءات اللازمة لتحقيق هيكلة الاقتصاد الوطني خوفاً من ردة الفعل الشعبية.
كما تؤدي هشاشة الاقتصاد الوطني وتركز هياكل أسواقه وخاصة السلع الأساسية بما يعزز الاحتكارات، وكذلك ضعف الدور الرقابي للدولة وتدني وعي المستهلك وغيرها إلى عدم إمكانية تفعيل آلية السوق وسيادة المستهلك في اقتصاد السوق الحر كما هو سائد في الدول المتقدمة، وبالتالي فإن التطبيقات والسياسات التي تنجح في الدول الغربية أو الصاعدة قد لا يتوفر لها ظروف وأسباب النجاح في دولنا في الوقت الراهن، وهي مسألة بحاجة إلى قدر من الإمعان والنظر.

إن تباطؤ الاقتصاد العالمي يؤدي إلى إلحاق الضرر بالطبقات الفقيرة، وهذا إما بالتسريح من العمل، بما يرفع معدلات البطالة، أو بتخفيض أجورهم بما يضعف القدرة الشرائية لديهم، الأمر الذي يحتم على الدولة تحسين شبكات الأمان الاجتماعي، أي البرامج التي تمنع الضرر الكلي على الفقراء في الحالات التي تظهر فيها الأزمات الاقتصادية، وأن تكون تلك السياسة السمة الدائمة لاقتصاديات البلدان النامية، التي تعاني الضعف في الأداء وعدم القدرة على المنافسة، هذا ما يساعد البلدان الفقيرة على تخفيض أعداد الفقراء وتحقيق المزيد من منافع العولمة مع تقليل مخاطرها .
إن النمو الاقتصادي لا يشكّل بحد ذاته مقياساً للتنمية وللرفاهية. إن أدبيات التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي وبخاصة نمو الدخل الفردي تصبو إلى قضايا توزيع الدخل وعدالته. هناك توجهان أساسيان لمعالجة دور الدولة في معالجة الموضوع . الأول، هو التوجه الليبرالي الذي يعتمد على آليات السوق والذي يؤدي إلى تقلّص دور الدولة في تقديم كافة الخدمات للمجتمع واعتماد القطاع الخاص بدلاً منها، وما يرافق ذلك من تخفيض نفقات العائدة للرفاهية أو الحد الأدنى من الحياة الكريمة. هذا التوجه كما هو الآن النموذج القائم في الولايات المتحدة بطبيعته معادٍ للمصالح الاجتماعية بشكلٍ عام، ومعادٍ للديمقراطية الاجتماعية. أما التوجه الآخر، فهو نمط الاشتراكية الاجتماعية المعمول بها في دول شمال أوروبا والتي حاولت بعض الدول العربية تطبيقها بنسب متفاوتة من النجاح.
يعتمد مفهوم دولة الرفاهية أو الرعاية على تحقيق حد أدنى من مستوى المعيشة. وهنا تقع المشكلة. فما هو مقياس هذا الحد الأدنى؟ تتعدد الآراء في هذا الموضوع فهناك من يلجأ إلى المفهوم التقليدي الذي يقرن بين الدخل الفردي أو ما يوازيه، وبين الرفاهية المرتقبة من القوة الشرائية للدخل. أما المفهوم البديل فهو يرتكز إلى تحقيق أو إشباع الحاجيات الأساسية لحياة كريمة، ألا وهي الصحة والتربية والعمل، إضافة إلى حماية الحقوق الإنسانية والتغلّب على الفقر. والمفهوم الأخير (الفقر) هو أيضاً موضوع مناقشات وسجالات عديدة. والملفت أنه ” لا يوجد حتى الآن تعريف علمي دقيق لمفهوم الفقر”.

ذلك لأنه مفهوم مجرّد نسبي يحاول وصف حالة اجتماعية واقتصادية معقدة ومتشابكة تختلف من مجتمع إلى مجتمع ومن ظرف تاريخي إلى آخر . لكن ” الجزء المشترك يدور حول مفهوم “الحرمان النسبي” لفئة معينة من فئات المجتمع” . ولم تستطع المؤسسات الدولية تحديد تعريف دقيق بسبب التفاوت في الظروف. فالفقر في الريف الهندي أو الصيني أو الصومالي، يختلف عن الفقر في أوروبا الغربية أو الولايات المتحدة. فالفقر في القارة الأفريقية وبعض بقع القارة الآسيوية كبنغلادش يؤدي في معظم الحالات إلى الجوع فالموت. ويشير الدكتور عبد الرزاق الفارس إلى محاولات عديدة وطموحة لتحديد مفهوم الحرمان، إلا أن جميعها تؤكد صعوبة وتعقيد قياس الفقر . وهناك أدبيات واسعة تحاول قياس الفقر ولن أخوض فيها، إلا أن المهم هو تأكيد النسبية في تحديد المفهوم ومن جرّاء ذلك انعكاس الموضوع على مفهوم الرفاهية.

Untitled-1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة