أدب الشيخوخة
تاريخ النشر: 24/08/16 | 8:01هل البيتان التاليان هما من شعر ذي الإصبع العُــدواني. أرجو التحقق من ذلك!
أصبحت شيخًا أرى الشخصين أربعةً والشخصَ شخصين لما مسني الكبر
وكنت أمشي على الرجلـــين معتدلاً فصرت أمشي على ما تنبت الشجر
صديق عاشق للأدب
ج_
في موسوعة المجمع الثقافي وردت الأبيات الثلاثة لعامر بن الظرِب العَـدواني (بفتح العين)،
وهو حكيم من حكماء العرب في عكاظ توفي سنة 525 م، وقد حرم الخمر والأزلام في الجاهلية:
أصبحت شيخًا أرى الشخصين أربعةً والشخصَ شخصين لمّا شفّني الكِبَرُ
لا أسمع الصدر حتى أستـــــــدير له وحال بالسمع دوني المنظرُ العسِرُ
وكنت أمشي على الرجلـــين معتدلاً فصرت أمشي على ما تُنبتُ الشجر
..
البيت الأخير منسوب أيضًا لعمرو بن أحمد الباهلي- وهو جاهلي كذلك، ففي العجز يقول:
فصرت أمشي على رجل من الشجر
وقد ورد أيضًا في شعر أبي حيّة النُّمَيري (وهو مخضرم) برواية:
فصرت أمشي على أخرى من الشجر
عن الشيوخ وما يعانونه:
الشيء بالشيء يُذْكر:
أذكّركم بقصيدة النابغة الجَعْدي-
وهو شاعر مخضرم دعا له النبي بعد أن أنشد النابغة هذين البيتين:
ولا خيرَ في حِلمٍ إذا لم يكن له *** بوادرُ تحمي صفوَه أن يُكدّرا
ولا خيرَ في جَهْلٍ إذا لم يكنْ لَهُ … حليمٌ إذا ما أَوْرَدَ الأمرَ أَصْدَرَا
فقال صلى الله عليه وسلم: ” أجدت، لا يفضضِ اللهُ فَاكَ”.
قيل أتى عليه مائة سنة ونيف، وما سقطت له سنٌ.
انظر “الأغاني” لأبي الفرج الأصفهاني، ج5، ص 13 (طبعة 2 دار الفكر).
هذا الشاعر الجعدي له قصيدة أحببتها، وحفظتها في صغري، لأنها من عيون الشعر الجميل المعبّر والحزين، فهو يرثي شبابه وعنفوانه، وكأنه لسان حال الشيوخ:
ذهب الشبابُ فلا شبابَ جُـمانا … وكأنَّ ما قد كان لم يكُ كانا
وطويتُ كفّي ياجمانَ على العصا … وكفَى جمانَ بطيِّـها حدَثانا
يا مَن لشيخٍ قد تخدَّد لحمُه … أفنى ثلاثَ عمائمٍ ألوانا
سوداءَ حالكةً وسحقَ مُفوَّفٍ … وأجدَّ لوناً بعد ذاك هِجانا
صحِب الزمانَ على اختلافِ فنونه … فأراه منه كراهةً وهوانا
قصَرَ الليالي خطوَهَ فتدانى … وحَنَون قائمَ صُلبه فتحانى
والموت يأتي بعد ذلك كلِّه … وكأنما يُعنَى بذاك سوانا
ولأبي بكر بن زُهْـر الأندلسي في الشيب والشيخوخة قصيدة وصفية أخّاذة:
إني نظرت إلى المرآة إذ جُلِيتْ *** فأنكرت مقلتاي كلَّ ما رأتــا
رأيت فيها شُييخًا لست أعرفه *** وكنت أعهدُه من قبل ذاك فتى
فقلت: أين الذي مثواه كان هنا * ** متى ترحَّل عن هذا المكان متى؟
فاستجهلتني وقالت لي وما نطقت *** قد كان ذاك، وهذا بعد ذاك أتى
هوَِنْ عليك فهذا لا بقاء له *** أما ترى العشب يفنى بعدما نبتا؟
كان الغواني يقلن: يا أخيَّ، فقد *** صار الغواني يقلن اليوم: يا أبتا
(القصيدتان واردتان في كتاب “البستان” إعداد محمد إسعاف النشاشيبي – ط 6، دار المعارف بمصر- 1946، ص 90- 91)، وقد ورد البيت الرابع من القصيدة الثانية- في ديوان ابن زهر باختلاف يسير.)
غير أن كتاب “حماسة الظرفاء، من أشعار المحدثين والقدماء” للعبدلكاني الزوزني (المتوفى: 431هـ) حاشد بنماذج من شعر الشيخوخة أقتطف منه
عَرِيتُ عن الشَّبابِ وكنتُ غَضًّا … كما يعرَى عن الورَقِ القضيبُ
ونُحْتُ على الشَّبابِ بدمعِ عيني … فما نفَعَ البكاءُ ولا النَّحيبُ
ألا ليتَ الشَّبابَ يعودُ يوماً … فأُخبِرَهُ بما فعَلَ المشيبُ
ولا يخفى أن الأبيات وردت في شعر أبي العتاهية. (ديوان أبي العتاهية ص 46).
ملاحظة: عزا العبدلكاني الزوزني الأبيات لحاتم الطائي، ولكني لم أجد الأبيات في- “ديوان حاتم الطائي”، ومن الغريب أن أجد الأبيات نفسها منسوبة أيضًا إلى محمد بن عبد الملك الزيات (المبرد: الفاضل في اللغة والأدب، ص 138)
أما القصيدة المعبّرة المؤثّرة لدقة وصفها فهي قصيدة الأثرم- (توفي 232 هـ)
كبرت وجاء الشيب والضعف والبلى *** وكل امرئ يبكي إذا عاش ما عشت
أقول وقد جاوزت تسعين حِجَّة *** كأن لم أكن فيها وليدًا وقد كنت
وأنكِرت لما أن مضى جُلّ قوتي*** وتزداد ضعفًا قوتي كلما زدتُ
كأني إذا أسرعتُ في المشي واقف*** لقرب خطا ما مسها قِصَرًا وَقتُ
وصرت أخاف الشيء كان يخافني*** أُعَد من الموتى لضعفي وما متُّ
وأسهر من برد الشتاء ولينه*** وإن كنت بين القوم في مجلس نمتُ
(ياقوت- معجم الأدباء ج15، ص 78.)
ب.فاروق مواسي