حذف التاء في مضارع “تتفعل” و”تتفاعل”
تاريخ النشر: 25/08/16 | 7:00*في قوله تعالى” ولا تنابزوا بالألقاب”، لماذا حذفت تاء المضارعة ولم تكن (تتنابزوا)؟ أحمد فارس مواسي
يجوز حذف التاء الثانية من المضارع في وزني- تَـفاعل، وتـَفعَّـل، وذلك إذا كان الفعل مبدوءًا بتاء مفتوحة- هي تاء المضارعة،
وهذا الحذف جائز، وهو للتخفيف (بدلاً من التكرار للتاء المفتوحة)، ففي قوله تعالى: “فأنتَ عنه تَـلَهّى” – سورة عبس 10، يقصد تتلهى،
وفي سورة القدر “تنزّلُ الملائكة والروح فيها” بمعنى تتنزل، ونعربها: فعل مضارع، ولا يخطر ببال أحد أنها فعل ماض.
ودليلنا في أن الأمر ليس قاعدة صرفية أن هناك آية أخرى وردت فيها “تتنزل”:
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)- فصّلت-30.
ثمة مواضع كثيرة جاء فيها هذا الحذف، وقد وردت في القرآن الكريم وفي الحديث الشريف.
وليست هناك قاعدة ثابتة لها،
فنحن نجد الفعل (تذكّرون) بتاء واحدة قد ورد في القرآن سبع عشرة مرة في مقابل أن الفعل (تتذكرون) قد ورد ثلاث مرات، وكذلك الحال بالنسبة للفعل (تنزّل) فقد ورد أربع مرات في مقابل أن الفعل (تتنزل) ورد مرةً واحدةً. ويمكن أن نقيس الأمر بالنسبة لعدد آخر من الأفعال منها: ولا تفرّقوا، توفّاهم، تيمموا، فتفرّق بكم، تبرجن، تميّز، تلظّى، تصدّى، ولا تعاونوا……
كذلك وردت عدة أحاديث نبوية بحذف التاء، كقوله صلى الله عليه وسلم:
“ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا…”
كما يكثر الحذف في الشعر، ويعرف قراء أبي نواس قوله في هذا السياق:
فلو مزجت بها نورًا لمازجها حتى تولّدَ أنوار وأضواء
يرى سيبويه أن التاء المحذوفة هي الثانية، لأن الثقل منها نشأ، ولأن حروف المضارعة زيدت لتكون علامة، والطارئ يزيل الثابت إذا كره اجتماعهما (انظر: شرح شافية ابن الحاجب- الأستراباذي، ج3، ص 290).
من جهة أخرى نجد الإدغام في التاء في الماضي، إذا تتالت تاءان مفتوحتان، حيث يستعان بهمزة الوصل في بدء اللفظة، فكلمة (تتالى أو تتابع) تدغم التاء في التاء وتكون اللفظة: اتّابع، اتّالى، وهذا جائز أيضًا، وليس واجبًا.
لم أطلع على كتاب مهم في هذا المجال، ولا شك أن فيه غَناء وإثراء، ويبدو ذلك من عنوانه، وهو كتاب:
أحمد عبد المجيد الهريري: “حذف تاء تتفعل و تتفاعل في القرآن الكريم”: دراسة صوتية صرفية، القاهرة: مكتبة الخانجي 1999.
ويُخيّل لي أن الهريري يحاول أن يجتهد في تعليل ذلك، كما يفعل د. فاضل السامرائي، وهو يتحدث عن الفرق بين (تذكّرون) و(تتذكرون) أو بين (تنزل) و (تتنزل)؟
وموجز ما سمعته من تسجيلات السامرائي (في اليوتيوب)- أنه يذكر في أكثر من مناسبة في القرآن أن الحذف من الفعل مثل (استطاعوا) = (اسطاعوا) يدل على أن الحدث يكون في زمن أقل مما لم يحذف منه، فإذا حذف فمعناه أن الزمن المحذوف منه أقصر، فيقتطع الحرف للدلالة على الاقتطاع من الحدث.
إذا كان المقام مقام إيجاز، فهو يقول- (تذكّرون)، وإذا كان المقام مقام تفصيل يقول (تتذكرون).
فالسامرائي يقول إن (تنزلُ) كان فعلها مرة واحدة في ليلة القدر، لذا اقتضى الإيجاز، بينما (تتنزل) في كل وقت، ولذا يطول الأمر، فتكون الكلمة بالتاءين معًا.
بالطبع، فإن هذا اجتهاد في الدرس، وليس قاعدة، وفيه من الذوق الكثير.
فاروق مواسي