حينما التقيت بفتاة مثقفة جدا قل نظيرها
تاريخ النشر: 27/08/16 | 9:00دعاني صديقي الرجل العجوز إلى عرسه الذي قرر أن يتزوج بعد إلحاح أُمّه عليه والذي أزعجه وقرّر الزواج من فتاةٍ عادية، ورغم أن الجوّ كان ماطرا في يوم عرسه، إلا أننا ذهبتُ إلى حفلةِ عرسه ذات مساء، وسرتُ من بيتي تحت المطر وتبللتُ حتى أوقفت سيارة أُجرة، وقلتُ لسائقها الذي بدا عليه التعب عنوان القاعة، وعندما وصلتُ استقبلني صديقي العريس الذي بدا لي شابّا على غير عادته، وقام بالترحيب بي، فجلست بمفردي في زاوية بعيدةٍ عن ضوضاء الموسيقى، فأنا لم أكن أعرف أحدا من المدعوين، وشدتني من أول جلوسي تلك الفتاة التي كانت تجلس بمفردها مثلي، وكانت تلبس لباس محتشم بعكس الفتيات الأخريات، اللواتي كنّ في قاعة الحفلة، ولاحظت الخجل الذي كان يأكل وجهها وتنظر باستمرار إلى العروس..
شاهدتُ معظم الفتيات بعدما علت الموسيقى قمن ورقصن، إلا تلك الفتاة ظلّت جالسة بمفردها، فسألتُ صديقي العريس عنها ما قصّة تلك الفتاة؟ فقال لي هي صديقة العروس، وهي التي قامت بدعوتها، ولا أعلم عنها شيئا، وقال لي لماذا أنت مهتم بها إلى هذه الدرجة؟ فقلت له: لا، فقط مجرد سؤال، وتركني صديقي العريس الذي رأيته متوترا وذهب إلى عند عروسها وجلس هناك وبدأ يمسح عرقه، أما أنا فأردت معرفة تلك الفتاة، التي جذبني خجلها غير العادي، فتجرأت وذهبتُ إلى عندها، حيث كانت تجلس وقلت لها: يبدو أنني رأيتكِ في مكان ما، لكنها قالت بصوت ناعم لا اعتقد ذلك، فأنت مخطئ، لربما رأيتَ فتاة أخرى تشبهني، فأنا أول مرة أراكَ فيها هنا، فاستأذنت منها بالجلوس، وأذنت لي وجلستُ بجانبها دون أن تبدي أية ممانعة، رغم أنها قالت لي: أنا لا أعرفكَ، فقلت لها أنا أستاذ فلسفة في جامعةٍ مغمورة، وأشعر بالملل دون أن أتحدّثَ إلى أحد، فقالت يبدو أنّكَ ملولٌ من هذا الجوّ، وبدأنا نتحدّث في أمور عدة، ولمستُ من خلال حديثها بأنها فتاة مثقفة جدا، رغم أنها كانت خجلة، وبعد برهة من الزمن استأذنتُ منها بالانصراف فالوقت كان متأخراً، فهزّت برأسها وقالت: كان الحديث معكَ عن الفلسفة شيّقا، وقبل خروجي سألت صديقي عنها، فقال لي: لقد غادرت للتو، فقلت لصديقي العريس لقد أعجبت بها، لأنها تختلف عن الأخريات، فهي فتاة مثقفة لدرجة، فضحك صديقي وقال: لقد أخبرتني عنها قبل قليل العروس، وقالت بأنها فتاة عادية، لكنها لا تحبّ الاحتكاك بالناس، فقلت له: لكنها كانت تتكلم معي قبل قليل بكل ودٍّ، فقال لي وعرقه كان يتصبب من جبينه: دعكَ منها، فباركتُ له زواجه وذهبتُ إلى بيتي، وتذكّرت حديثها القصير معي عن فلسفةِ الحُبّ في زمن المعاناة الأبدية، وأقنعتني بأن الحياة كلها صراع بين الخير والشّر، ونحن ذاهبون باتجاه الشّر، من كثرة الحروب التي تزهق أرواح الملايين لأجل السّلطة، كما في منطقتنا، فتلك الفتاة كانتْ رائعة بحديثِها القصير معي، فلقائي معها كان رائعا، رغم أنها كانتْ خجولة إلى حدّ الجنون، ورغم أنها كانتْ خجلة، حينما كانت تتحدث معي، إلا أنني احترمتُ رزانتها وفهمها للحياة، فتلك الفتاة قلّ نظيرها في زمن الانحلال الخلقي فهل سألقاها مرة أخرى؟ ربما..
عطا الله شاهين