الاحكام الجائرة بسجن القاصرات فضيحة للقضاء والحكم المصري وعودة مبطنة للاحكام العرفية

تاريخ النشر: 01/12/13 | 1:27

الغالبية الساحقة من الاخبار القادمة من مصر، وتتصدر الصفحات الرئيسية في الصحف ونشرات محطات التلفزة العربية والاجنبية عمودها الفقري وقاسمها المشترك، سقوط قتلى وجرحى في مظاهرات سلمية، واحكام جائرة بالسجن على كل من يتجرأ على معارضة الحكم، والاحتجاج على هذه الاحكام، والمطالبة بالافراج عن المعتقلين، والغاء قانون التظاهر الذي يتعارض مع ابسط حقوق الانسان لطابعة الانتقائي الاستقصائي.

السلطات المصرية فقدت صوابها، او ما تبقى منه، لان اقدامها على اعتقال 14 فتاة مراهقة قاصرة تظاهرن بالبالونات، ووزعن منشورات، واصدار حكم بسجنهن 11 عاما، لا يمكن ان تقدم عليه الا اعتى الحكومات استبدادا، وانتهاكا لحقوق الانسان، وضربا بالقوانين عرض الحائط.

المصيبة الكبرى ان هذه الممارسات القمعية تأتي في وقت يتربع على كرسي الرئاسة في مصر الرئيس عدلي منصور الذي من المفترض ان يكون، بحكم منصبه السابق، كرئيس للمحكمة الدستورية العليا، اكثر الناس احتراما للقوانين، وتطبيقها بعدالة، على الحاكم والمحكوم معا دون اي محاباة او تمييز وبما يكرس هيبة السلطة القضائية التي تمثل اعلى السلطات واكثرها احتراما ونزاهة، ولكن الاصول شيء والممارسات شيء آخر مختلف تماما في مصر العسكر.

***

لا نفهم كيف يمكن ان تشكل فتيات قاصرات خطرا على امن الدولة المصرية، حتى يعاقبن بمثل هذه العقوبات القاسية، بتهمة حمل “بالونات” ووزعن منشورات على هامش مظاهرة سلمية، فكل ما نعرفه ان هذه البالونات محشوة بالهواء وليس بالمتفجرات من مادة “الديناميت” اوTNT شديدة الانفجار، اللهم الا اذا كانت مباحث امن الدولة تملك الادلة التي تؤكد ذلك كما جرت العادة في حالات سابقة على امتداد تاريخها العريق في القمع والفبركات.

لا نعتقد ان بان كي كون امين عام الامم المتحدة يعمل مساعدا او نائبا للمرشد العام للاخوان المسلمين، عندما طالب السلطات العسكرية الحاكمة بتعديل قانون التظاهر لانه يشكل قمعا للحريات ولحقوق الانسانية المبدئية في التظاهر، ونحن متأكدون ايضا ان السيدة كاثرين اشتون المفوضية الاوروبية للشؤون الخارجية في الاتحاد الاوروبي لا تنتمي الى “عشيرة” الرئيس المعتقل محمد مرسي عندما شددت على مراعاة الاعراف الدولية القانونية.

الرئيس مرسي المعتقل حاليا ويحاكم بتهم ملفقة اخطرها التخابر مع قوة عظمى اسمها حركة “حماس″ في غزة، لم يمنع المظاهرات التي كانت كلها موجهة ضده وحكمه، ولم يغلق مطلقا ميدان التحرير في وجه خصومه، والاكثر من ذلك انه لم يغلق محطة تلفزيون ولم يصادر صحيفة واحدة، رغم الحملات الشرسة، والبذيئة التي كانت تشن ضده، وتخوض في حياته واسرته الشخصية.

لا نجادل في ان الرئيس مرسي ارتكب اخطاء، ربما لانعدام الخبرة في الحكم، او بسبب غرور الشرعية الانتخابية، او حتى نتيجة سوء المشورة والنصيحة، ولكن الرجل لم يعتقل قاصرات، ولم يصدر احكاما جائرة مثل تلك التي نراها حاليا، ولم يوعز لوزير داخليته بتفريق المظاهرات والمتظاهرين باطلاق الرصاص الحي بهدف قتل المئات من المتظاهرين مثلما حدث في ميدان رابعة العدوية وامام مقر الحرس الجمهوري، وحتى لو كان يملك نوايا في هذا المضمار وهو ما نشك فيه، فانهم لم يمهلوه الوقت لكي يفعل ذلك!

قاصرات يتظاهرن بالبالونات يعتقلن.. لاعب كرة مراهق يرفع اشارة رابعة العدوية احتفالا بتسجيل هدف لصالح فريقه وبلده يتهم بخيانة بلده ويواجه بالعزل والطرد من ناديه، اما زميله محمد ابو تريكة، هذا الانسان الوطني المصري الشريف فيواجه حملة اغتيال لشخصيته ويكاد يتعرض للرجم في وسط استاد القاهرة الدولي لانه يصلي راكعا حامدا شاكرا بعد كل انتصار يحققه لفريقه، ولا يخفي مشاعره الاسلامية المعتدلة مثل الغالبية الساحقة من ابناء مصر الطيبين.

***

مصر تعيش حالة طوارئ اسوأ من تلك التي كانت تعيشها في زمن الرئيس مبارك، ولكن دون اعلان رسمي لها ولاحكامها العرفية وهي الاحكام التي كان الغاؤها على قمة مطالب الثوار بمختلف توجهاتهم ومعتقداتهم السياسية والدينية في ثورة يناير المباركة.

الدكتور محمد البرادعي الذي جرى استغلاله ابشع استغلال من قادة الانقلاب العسكري عندما استخدم كغطاء ليبرالي لقلب الرئيس المنتخب، اسوة بشيخ الازهر وبابا الاقباط وزعيم حزب النور السلفي، اكتشف حقيقة مسرحية الثورة الشعبية المزعومة فقرر الاستقالة حفاظا على ما تبقى له من مصداقية، وغادر البلاد الى منفاه الاختياري تطوعا، ماسحا بهذه الاستقالة الكثير من ذنوبه على عكس زملائه في جبهة الانقاذ مثل عمرو موسى وحمدين صباحي الذين استمروا في دعمهم للانقلاب، ولو كان الرئيس المؤقت عدلي منصور صادقا مع نفسه، وفيا لخلفيته القانونية والدستورية لتخذ القرار نفسه الذي اتخذه نائبه البرادعي، لان استمراره في منصبه تأكيد على فساد المؤسسة القضائية المصرية واحكامها والمحكمة الدستورية التي تجسد اعلى مراتبها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة