ما حكم وضع السم للحيوانات؟
تاريخ النشر: 23/11/16 | 3:25السؤال: شخص لديه حظيرة أبقار، ويأتي الحمام بكثرة إلى حوض الأعلاف ويلتقط كميات كبيرة من الأعلاف، مما يُلحق به ضرراً مادياً، فهل يجوز له أن يضع سُماً لهذا الحمام ويسمه؟
وشخص آخر لديه حظيرة أغنام وتأتي القطط وتشرب من هذا الماء، الأمر الذي يؤدي إلى التأثير على ما في بطون الأغنام مما يؤدي بالأغنام إلى إسقاط ما في بطونها من الأجنة، فهل يجوز له وضع سُم للقطط ليتخلص منها؟ وبارك الله فيكم!!
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
لقد خلق الله عز وجل الإنسان من أجل عمارة الأرض وتحكيم شرع الله عز وجل فيها، وهو بذلك يملك التصرف في هذا الكون بما يساعده على تحقيق هذه الخلافة وفقاً لمراد الله سبحانه وتعالى.
ولكن الإنسان ليس مطلق اليدين وحرّ الإرادة ليفعل ما يشاء في هذا الكون دون قوانين تضبطه وإرشادات تسيّره وتوجهه.
وحسبنا أن نذكر في هذا المقام قوله تعالى: { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها }. [ سورة الأعراف: آية 56 ].
ذلك أن إفساد البيئة وتلويثها واستنزاف مواردها والإخلال بتوازنها لونٌ من ألوان الإفساد في الأرض، وذلك لما فيه من إضاعة لمقاصد الشريعة.
لذا فالإسلام يُقاوم بشدة كل عمل يفسد البيئة ويتلف عناصرها ويعتبر ذلك عملاً محرماً يعاقبُ الله عليه، ومنكراً يجب النهي عنه.
فلقد أخبرتنا السنة النبوية أن امرأة استحقت النار بسبب تعذيبها لهرة، حبستها حتى ماتت جوعاً.
حيث روى الشيخان في صحيحيهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: دخلت امرأة النار في هرة – وفي رواية: عُذبت امرأة في هرة – ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض “. [ رواه البخاري (2365)، ومسلم (2242) ].
وأصرح من ذلك ما رواه الإمام أحمد في مسنده (4/389) والنسائي في سننه (7/211) عن الشريد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من قتل عصفوراً عبثاً عجّ إلى الله يوم القيامة، يقول: يا رب، إن فلاناً قتلني عبثاً ولم يقتلني منفعة).
ومن هنا قرر العلماء حرمة قتل الحيوان لغير ضرورة، حيث جاء في مواهب الجليل (1/491): ” لا يجوز قتل الحيوان لغير ضرورة “.
بل لقد وصل الأمر بالخطيب الشربيني إلى اعتبار قتل الحيوان بغير ضرورة كبيرة من الكبائر، حيث قال في مغني المحتاج (2/ 4):” بل الظاهر أنه كبيرة لأنه إتلاف حيوان محرم بلا ضرورة ولا فائدة “.
هذا بالإضافة إلى أن قتل الحيوان للتلهي والعبث بلا سبب إنما هو تضييع للمالظن وقد نُهينا عن إضاعة المال، حيث روى الشيخان في صحيحيهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال “. [ رواه البخاري، حديث (6473)، ومسلم، حديث (1715) ].
ولكن هنالك حالات مخصوصة قد أباح فيها الشارع قتل الحيوان، لأسباب معينة، منها:
حالة الأذى حفاظاً على حياة الإنسان وماله لأنها أثقل في ميزان الله من حياة الحيوان ؛ وفيما يلي جملة من الأحاديث تؤكد ذلك :
أ- عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خمسٌ فواسق يُقتلن في الحلّ والحرم، الحيّة، والغراب الأبقع، والفأرة، والكلب العقور، والحُدَيّا). [ رواه مسلم (1198) ] .
ب- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الأسودين في الصلاة؛ الحية والعقرب “. [ رواه الترمذي (390)، والنسائي 3/9، وأبو داود 1/556، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح ].
فهذه الأحاديث قد أمرت بقتل بعض الحيوانات المبتدئة بالأذى، ويمكن أن يقاس عليها كل حيوان مؤذٍ، وإنما خُصت هذه الخمس الفواسق بالذكر لأنها مبتدئات بالأذى.
جاء في الروض المربع (2/478): ” ويسن مطلقاً قتل كل مؤذ “.
وجاء في القوانين الفقهية – لابن جزي ص436: ” وأما النحل فلا يجوز قتله إلا إذا كان مؤذياً لدفع أذاه “.
وكما أن الإيذاء قد يكون بجسد الإنسان ونفسه فقد يكون أيضاً بماله، وذلك لأن المال مقصد من مقاصد الشريعة التي تسعى الشريعة إلى الحفاظ عليه.
وبناء على ذلك فإن هذه الطيور وهذه القطط تلحق ضرراً بمال معصوم وتتلفه، لذا يجوز سمها وقتلها، وهي تأخذ حكم رد الصائل، حيث أن الفقهاء قد قرروا أن الإنسان إذا صالت (اعتدت) عليه بهيمة أو على ماله فلم يمكنه دفعها إلا بالقتل فإنه يجوز له قتلها.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:” إن الإنسان إذا صالت عليه بهيمة فلم يمكنه دفعها إلا بقتل، جاز له قتلها إجماعاً، وكذلك كل من عرض لإنسان يريد ماله أو نفسه فحكمه ما ذكرنا”. انظر: [ المغني 10/345 – 347 ]
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: ” يجوز قتل القاصد لأخذ المال بغير حق , سواءً كان المال قليلاً أو كثيراً، لعموم الحديث – ( من قتل دون ماله فهو شهيد ) – وهذا قول الجماهير من العلماء “. انظر: [شرح النووي على صحيح مسلم 1/125].
إذا جاز قتل شرعاً قتل الآدمي الذي يعتدي على مال معصوم , فمن باب أولى أن نقول بجواز قتل الحيوان الذي يعتدي على المال وذلك لأنه لا أحد من خلق الله أعظم حرمة من المؤمن وقد أبيح لك دفعه عنك بضرب أو قتل على ماله من المقدار.
قال ابن حزم (6/442 – 443): ” وكل من عدى عليه حيوان متملك ( مملوك ) من بعير أو فرس أو بغل أو فيل أو غير ذلك فلم يقدر على دفعه عن نفسه إلا بقتله فلا ضمان عليه، ولكن لا بد من مراعاة الضوابط والشروط التالية:
1- لا يجوز سم هذه المؤذيات من الحمام والقطط إلا بعد استنفاذ جميع الطرق الأخرى التي قد تدفعها وتردها عن الأعلاف والمياه؛ فإن أمكن ذلك فلا يجوز قتلها حينئذ، وفي ذلك يقول الخرشي في حديثه عن الصائل: ” وأما إن كان لا يفهم كالبهيمة فإنه يعالجه بالدفع من غير إنذار ويدفعه بالأخف فالأخف، فإن أدى إلى قتلهِ قتلهُ، ويجوز للمصول عليه قتل الصائل ابتداءً إذا علم أنه لا يندفع إلا به، ولا ضمان عليه “. انظر : [ الخرشي على مختصر خليل 8/112 ].
2- على مالكِ الحظيرة أن يبذل الأسباب والاحتياطات اللازمة لحفظ الأعلاف وحمايتها من اعتداء الحيوانات عليها .
3- ينبغي على مالك الحظيرة أن يتيقن من أن سبب نقص الأعلاف يعود إلى الحمام لا إلى سبب آخر كالسرقة مثلاً، حتى لا يقتل الحمام بلا سبب جناية.
4- ينبغي على مالك حظيرة الأغنام قبل أن يسمّ القطط أن يتيقن بأن إجهاض ما في بطون الأغنام بسبب سؤر ( لعاب )القطط، وذلك بإخبار اثنين من ذوي الخبرة والاختصاص بذلك.
5- لا يجوز قتل الحيوان بالنار على الراجح من أقوال الفقهاء، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( وإن النار لا يعذب بها إلا الله ). [ رواه البخاري (3061) ].
فإذا توافرت هذه الشروط والضوابط جاز سمّ الحمام والقطط في السؤالين السابقين، لما في ذلك من حفاظ على حقوق أصحاب الأغنام وصيانة لها من كل أذى وتطبيقاً لمبدأ العدالة الذي قامت عليه شريعة الله التي ارتضاها لخلقه، وجعلته القانون الأبدي الذي يحفظ علاقات الناس الاجتماعية، كما ولأن للأموال حرمة عظيمة عند الله سبحانه وتعالى، والمال في تقدير صاحبه قرين الروح.
والله تعالى أعلم