حينما أذهلتني تلك المتسولة ذات صباح بارد
تاريخ النشر: 07/09/16 | 8:27بينما كنت أسيرُ على رصيفٍ شارعٍ يعجّ بالمارّة ذات صباحٍ بارد، اعترضتْ طريقي امرأةٌ متسوّلة وترجّتني بأن أساعدَها بالمالِ، لكنني لم التفت لها وبقيتُ أسير بذات الوتيرة، ولم أردّ عليها، لكنها ظلت تتبعتني، وقالتْ: لقد تركتُ أطفالي جوْعى يا أستاذ، فقلتُ لها: لم يبق معي سوى خمسة شواقل، فنحن في آخر الشهر ولم نتلق رواتبا بعد، فاذْهبي وابْحثي لكِ عن عمل، وانْسيِي والتسوّل هنا، فالتسول لا يليق بكِ، فأنت تقدرين أن تعملي، لكنها ظلتْ تتبعني، وبدأت تقول الله يحفظكَ ساعدني، وقالت بصوت منخفض: أيرضيك أنْ يبقى أطفالي بلا ربطةِ خُبزٍ، فقلت لها أيرضيك أن أتأخّرَ على عملي وأسمع كلمة من مديري، فقالتْ وهي تمسك بجيبِ معطفي: صحيح أنني لا أُحبُّ التسوّلَ، وبحثت يا أستاذ عن عملٍ، لكنني لم أجد، ولهذا أنتّ تراني أتسوّل هنا رغما عنّي، فنظرتُ إلى ساعتي، وقلتُ لها يجب أنْ أسرع لئلا أتأخّر على عملي، لكنّ تلك المرأة ظلتْ تلحقني، حتى وصلتَ إلى موقف السّيارات، ومن كثرة إلحاحها قمت ومددت يدي في جيبي ومسكت الخمسة شواقل وقلت لها تفضلي، فنظرتْ صوبي وقالت يا أستاذ فقط خمسة شواقل، فرددت عليها، لا أملك إلا خمسة شواقل وأنا سأذهب إلى عملي مشيا على الأقدام وسأتأخر عن عملي من جنون إلحاحك الرائع فابتسمت وقالت لا أريد أن أعذبك أكثر وقالت سأعيد لك المبلغ لأنك رجلا صادقا فمن عينيك علمت بأنك إنسان غلبان وأصّرت على إرجاع الخمسة شواقل وشكرتني، وذهبتْ فاستغربت من تلك المتسولة، التي أذهلتني بتصرفها الرائع وركبت الميكرو باص، وذهبت إلى عملي، لكنني بقيت أفكر في إنسانية تلك المتسولة..
عطا الله شاهين