في الطيبة: أنقذوا دار الكتب الوطنية
تاريخ النشر: 06/12/13 | 12:34السيد راسم جبارة قدم جهدًا فذًّا دل على عشق وإيثار، جهدًا كان يصعب على مؤسسة (بحالها)- خاصة إذا كان فيها من يشد ومن يرخي، وفيها من يبلع، أو من يقبض ولا يدفع.
تصوروا أنكم كنتم تجدون في هذه الدار الكتب العربية التي صدرت في فلسطين حتى عام 1948.
تصوروا أن فيها جميع الدوريات والكتب مما صدر في البلاد (بما فيها الضفة الغربية، وقطاع غزة) ابتداء من عام 1948 وحتى الآن.
تصوروا أن الدار احتفظت بجميع رسائل الماجستير والدكتوراة التي كتبها العرب في الجامعات الإسرائيلية وفي مختلف المواضيع.
فهل ثمة مؤسسة – بما فيها الجامعة العبرية – فيها هذه الذخائر التي جُمعت بشق النفس؟
قلت "الجامعة العبرية" لأنها الوحيدة التي حرصت وتحرص على أن تلاحق كل قصاصة ورق فلسطينية، وقد تعرفت إلى أوري بليط، وشهرباني في السبعينيات، ورأيت مدى حرصهما على متابعة نتاجنا الفلسطيني، وحتى المناشير (المنشورات) الاجتماعية والسياسية التي توزع في الوسط العربي، وقد اعترفا في زيارتهما لي أنهما كانا في زيارة دار الكتب في الطيبة، وأنهما أمام ظاهرة فريدة وجديدة يريانها.
أقول كذلك: استطاع السيد راسم بجهد فرد أن يجمع الكتب الدراسية التي ظهرت قديمًا في البلاد، وظل يجمعها إلى أن توقف قبل بداية هذا القرن، فخصص لها غرفة من الغرف خاصة، حتى يستطيع الدارس أن يتركز هلى هذا الموضوع التربوي الهام.
لقد نجح بالحصول على الأغلبية الساحقة من مؤلفاتنا المحلية مجانًا وتبرعًا، وفي ذلك علامة عافية لكتّابنا، وعلامة تقدير لكل من وهب ومنح مئات الكتب والمجلات، ولا بد من ذكر أسمائهم ذات مرة حتى نعرف أن شعبنا ما زال بخير.
وإني لاعجب حقًا كيف لاحق راسم "المناشير" والوثائق والمستندات المحلية القديمة، مما ليست منها نسخة ثانية.
في أوائل التسعينيات من القرن الماضي طوّفت في هذه الدار – في البناية الشامخة ذات الدورين التي استأجرها… أيقنت بجدية العمل بهذا الحدث الثقافي والتاريخي…فقد كان يصون إنتاجنا من الاندثار؛ ومن العقوق أن لا أقول الحق له مشفوعًا بكلمة طيبة، فما زلت أذكر كيف بدأ راسم خطواته الأولى متهيبًا، وكيف لاقى التشجيع مني ومن سواي، ولا يعدم الأمر تثبيطًا للهمة من هذا وذاك، فكان يضرب كشحًا، ويمضي إلى سواء السبيل.
هذا العمل كان تضحية، ومن كان آنذاك في ريب – كعادتنا في كثير من الحالات– فقد لمس أخيرًا مدى معاناته ومشكلاته اليومية والاقتصادية، حتى جمع الكتب والمجلات في رزم من الكرتون، ورتبها في مخزن بيته.
وإني لأتساءل بعد مرض راسم وتوقف الدار، وبعد هجوم الغبار على هذه الأسفار:
هل من يتبنى المكتبة الضخمة؟ يشتريها؟ يفاوض صاحبها؟ يفتحها أمام الباحثين والدارسين، فأنا أرى أنها أضخم ما جمع من أدبنا الفلسطيني حاليًا.
أين الدعم يا من يملكون إمكانات الدعم؟
دار الكتب الوطنية بحاجة إلى بعث، إلى تأسيس من جديد، وترتيب وفهرسة، بحاجة إلى أجهزة ألكترونية وماكنات تصوير وطباعة، بحاجة إلى ماسح (سكانر) ليحفظ الكتب في ميكروفيلم وميكروفيش، بحاجة إلى أجهزة كمبيوتر، إنترنت….
بحاجة إلى أيد عاملة منفذة…إلى دعم مادي أولاً ومعنوي ثانيًا. المساعدات التي كانت وصلت إليه كانت مبالغ يستهان بها.
الوعود كانت أكثر من الجهود. الطموحات أكثر من القدرات.
كم بودي أن تؤسس جمعية خاصة مؤلفة ممن يُتوسم فيهم الغيرة والإخلاص بصورة فعالة منتجة، حتى لا يظل هذا العمل الجبار فرديًا أو مطموسًا أو مغمورًا.
إنه بحاجة إلى تفعيل خبراء فنيين في فن تصنيف المكتبات…
بحاجة إلى الشروع بالتنظيم النهائي والترتيب العملي لخدمة المتلقي…
بحاجة إلى مجلس أمناء فعال، فالمجلس القديم الذي بدأ راسم خطواته معه قضى نحبه، ولا يعرف أعضاؤه أنفسهم أنهم كانوا فيه، وأذكر أنه كان فيهم من لا يقدم ولا يؤخر، بل كان فيهم من ليس مقتنعًا بجدوى المشروع.
الدار بحاجة إلى إدارة مشتركة من رجال الفكر والكلمة، ممن لا تنخر فيهم سوسة الادعائية أو التعالي أو التعالم.
وتحية حب لراسم، ودعاء له بالشفاء!
أعيننا ترنو إلى دار الكتب الوطنية- دارنا.
فهل من مغيث!!!
أحيّي صديقي أبا السيّد على غيرته وحرصه على هذا المشروع الحضاريّ،
وأشاركه الرأي بضرورة إنقاذ هذا الكنز الذي لا يُقدّر بثمن!
أحييك وأشكرك صديقي، ولا بد من مؤسسة تتبنى الموضوع وتفاوض الرجل.
الكتب مرزومة وتستصرخ حروفها!!!!