ضجيج في المركب
تاريخ النشر: 10/09/16 | 10:00يتحَركُ المركب بِتمهلٍ، ومعَه تترنّح هامتي، فأحسُّ بِدوران آتٍ مِن بَعيد. لمْ يقدِم بعْد، لكنَّه، وقبلَ أنْ يأتي، يهزّ هامتي رَأسِي هزّاً.الضجيج وصوت بكاء الأولاد يصلني فاترا، كطرف سكّينٍ جارح. طفلان يخبطان بِإصبعَيهمَا مشبك علبة كوكا كولا، يريد كل منهما كسرَهَا ليَكون المنتصر. صوتا شاب وفتاة يَتضاغنان ويتعادان بقُوة، كأنها يَتعَمَّدان فِعلَ ذلك، حتى يَصِلَ صوتَاهُمَا إلى أسْمَاعِ الفارّين. إنَّهُمَا يَتضاغنان حَولَ الطَّريقِ. ومن بَعيد، تعلُو قهقهة سَاخِرة من كل ما حُكي.
المركب مليء بِالأولاد، لكنهم شَبيهُون بِهرمين مُعتلين، شيء غريبٌ يطوف حَول سحناتهم. من على متن المركب يبدو البحر قريبا جدا منّا، لكنَّ دنيا بَائسة تلوِّحُ لنا من بعيد. الأولاد يَتَسارعُون نحو مؤخرة المركب ليُبْصِرُوا ذلك الشيء الغريب. لا أحد يبالي بما قد يَحصل، الناس الهرمون يحتسون العصير بِنهم، ويحلُمون بالرجوع. أمٌّ نحيفة تَتبَعُ طفلها السَّارح في المركب. يبدو أنه قد أتمّ سنته الأولى، وقد آن وقت المعاندة. هو الآن يتَدرب على الخطو، يخبط أرضية المركب بقوة، فتبدو والدته فرحة به، وهو يخبط بقدميه الأرض. آه لن أقدر النعاس مع كل هذه الضجة كُلَّما سقط الطفل على الأرض، ردَّدت خلفه هيا يا صغيري، هُجوم. يُعجبه التمدد على الأرض، فيضع وجنته على البساط المُتَّسِخ، تستَحثُّهُ أن يَقوم لكنه يَتمادى في التمدد مبديا ابتِسَامَة سَاخِرَة. في الجهة الأخرى من المركب، والدٌ يأخذ صورة تِذكَارية لطفلتيه الصَغيرَتين، إحداهُما تَنتَعِلُ حذاء أحمر، والثانية حذاء رياضيا أزرق اللون. أولاد يَصيحون وتَرتفع أصواتُهم كَأن مصيبة حلَّت، أنتظر أن يوقِفَ أحداً هَذا الصياح المجنون، لكن، ليس هناك من رد فعلٍ يُذكَر. أقول قي ذاتي كيف يَحْتَمِلُ النَّاسُ كلَّ هذا بِفتور لا يُتصوّر.
أولاد يقفون ويَتأمَّلُون البَحرَ، وينظرون إلى الأمواج العالية التي تضرب الشاطئ. وفي وسط المركب، كان هُناكَ شَباب كُثر يُشبِهُون أسود البحر، يتهافتون على المَقصَف، يتناولون الشطائر الجاهزة، يشربون الكوكا الكولا بِنَهم، ثم يَمسَحون أيَاديهم في أطراف قمصانهم، وبعدها يَسيرون بمقلٍ تائهة مفتّشة عن شيء مفقود.
يترنح المركب كأنه ثمل، البعض أسرّهم هذا الحال، فأخَذوا يَتَمايَلون معَه ويقهقهون بصوت مرتفع. ومن بعيد موجات قوية تحذّر ببدء إعصار قوي
عطا الله شاهين