تعزية الى اعمى
تاريخ النشر: 10/12/13 | 4:26يتعلم كثير من الطلاب قصيدة جميلة وردت على لسان أعمى، ومطلعها:
يا أم ما شكل السماء وما الضياء وما القمر
بجمالها تتحدثـــــــــــون ولا أرى منها أثر
والقصيدة لا يُعرف تمامًا من هو مؤلفها، فقد ذكر لي الشاعر المرحوم جمال قعوار أن القصيدة هي من تأليف طه حسين، ولم أجد قوله في أي مصدر موثوق به.
وأرى شخصيًا أنها أقرب إلى شعر محمد الهراوي المصري، وحبذا أن نعرف من هو الشاعر تمامًا – يوافيني به قارئ من قرائي معتمدًا على مصدر.
أما من سيبحث في محرك غوغل فسيجد فيديو من غناء مشاري سعيد العفاسي، وفي رأيه أنه جميل ومؤثر.
أذكر أنني علمت القصيدة في الستينيات أحد الصفوف السادسة، وأن أحد الطلاب مثّل الأعمى، فوضع منديلاً على عينيه، وأمسك بعكاز وهو يقرأ بصوت متألم حزين، فدعاني ذلك لأن أكتب قصيدة معارضة. وأهديت القصيدة لطلابي، حيث علقوها على حائط الصف.
وكم سرني بعد نشر قصيدتي في صدى التربية أن بعض المعلمين علموها، وذلك مباشرة بعد القصيدة المطلوبة في مناهج التدريس.
ومن المؤسف ما جرى مؤخرًا أن أحدهم أهدى طالبًا بصيرًا درعًا عليه قصيدة "يا أم ما شكل السماء"، وذلك إعجابًا بنشاطه وفعالياته رغم فقدان بصره، وقد عاتبته على ذلك، وكم تمنيت أن أهداه قصيدتي بالذات، فهل أنا على حق؟
وهأنذا أدعو القراء ومعلمي العربية أن يقرأوا هذه القصيدة التي تنطلق من منطلق غير يائس ولا أسيان.*
……………………………………………………………………………………..
الأعمى يَقول:
(مــاذا جَـنَـيْـتُ مِـنَ الـذُّنـوبِ
بِـهـا يُـعــاكِـسُـنـي الـقَـدَرْ)
شَـكواكَ فـيـها أنَّـةٌ ظَـلَّـتْ بِـقَلْبي تَعْتَصِرْ
فَـدَعِ الـكَآبَةَ والأَسى إنْ كُـنْـتَ مِـمَّـنْ يَعْتَبِرْ
اللهُ يَـجْـزي عَبـدَهُ بِـبَـصيـرةٍ بَـدَلَ البَصَرْ
هـذا المَـعـرّي شاعِرٌ كَـنْـزُ الأديـب الـمُدَّخَرْ
تَـهدي لُـزومِـيّـاتُـهُ نـورَ المَـواعِـظِ والعِبر
هـوميـرُ قالَ رَوائعـًا وَقَـصائِـدًا مِثـلَ الدُّرَرْ:
أوديَـسـةً إلـيـــاذّةً كُـنْـهَ الـمشاعِرِ والفِكرْ
مِـلْـتُــنُّ مـِن ْ مَفْقُودِهِ فِـرْدَوسُـهُ كـانَ الأثَـرْ
بَـشّـارُ يَـهْدي مُبْصرًا فـي شِـعـرِهِ هـذا ذَكَرْ(1)
طــه عَـظيمٌ شـأنُهُ فـي شَـكّـهِ أبْـقـى أثَر(2)
إنَّ الـذَكـاءَ لــغالِـبٌ عِـنْـدَ الّذي فَقَدَ الـبَصَرْ(3)
لا تـأسَ مِـنْ هذا الضَّنى ما فـازَ إلا مَـنْ صَـبَر
كَـمْ مِـنْ حَزينٍ صامِتٍ لا يَـشْـتَـكي وَطء َ الغِيرْ
أوْ فَـيْـلَـسـوفٍ ساخِرٍ لا يَـجْـتَـني حُـلوَ الثَمَرْ
الدّهْـرُ يُـنزِلُ حُـكْمَهُ والـمرْء يَـخْضَعُ لِـلْقَدَرْ
كَـمْ مُـبْـصِرٍ لا يُبصِرُ إنْ عُـدَّ عُـدَّ مِـنَ البَـشَرْ
إنْ قُـلْتَ: ما شَكْلُ السّماءِ
ومــا الضّياءُ وما القَمَـرْ؟
ألْـفـيْـتَـهُ فـي لَـيْـلَةٍ لَـيْـلاءَ لا يَـدْري الخَـبَرْ
الْـعُـمي عُـمْيٌ بالبَصائِر
والذكاءُ المعتَـبَـرْ
……………………………………………………………………………………..
نشرت القصيدة في مجموعتي "إلى الآفاق"- شعر للطلاب. عكا: مكتبة الأسوار- 1979، ص 79.
(1) لقوله: أعمـى يـقـود بـصـيـرًا لا أبـا لكــمِ ضَـلَّ مـن كـانـت الـعـميـان تـهديـه
(2) المقصود طه حسين ونظرية الشك التي أخذها عن ديكارت
(3) لقول بشار: عميت جنينًا والذكاء من العمى
والله ابداع وجدا رائع..ومؤثر. كل احترام
شكرًا هنادي العزيزة على إطرائك الجميل!