حنّاء العريس مسالة فيها نظر
تاريخ النشر: 11/12/13 | 6:08سهرة حناء العريس، سهرة مستحدثة لم نعرفها سابقاً وقد حلّت وللأسف محل الليلة التي تُقام فيها (التعليلة) المركزية والتي تكون بمثابة المقدّمة لزفة العريس… وكانت هذه التعليلة ولا زالت في بعض المناطق من بلادنا هي العُرس الحقيقي، هي لُبّ العرس، سهرة أكثر أهميةً من الزّفة، أولاً لأنها تُجرى ليلاً وثانياً لإمكانية اشتراك معظم الأهالي بها، الكبار والصغار، الشيوخ والشباب والتعليلة هذه والتي كانت تمتد حتى ساعة متأخرة من الليل اشتملت على جميع أنواع الطرب والفن الشعبي الفولكلوري، الغناء، الميجنا، العتابا، على دلعونا، يا غزيّل، يا ظريف الطول… بمصاحبة الشبابة أو الأرغول أو المجوز، دبكات على اختلاف أنواعها: الشعراوية، الشمالية، القرادي، والبداويّة، أما السحجة وما يرافقها من حداء وخاصة المساجلة ما بين الحدائين فكانت بمثابة العمود الفقري للسهرة ولسهولة أداءها فقد شارك الجميع فيها من ضيوف ومحليين (معزبين) الكبار والصغار وحتى الأولاد، الشيوخ والشباب، وكثيراً ما سبقت التعليلة المركزية تعاليل بلغت أحياناً سبع تعاليل أو أقل وعدد التعاليل مرتبط بوضع المحتفلين الاجتماعي والاقتصادي…
وأنا لا أذكر لا في طفولتي المتقدمة ولا المتأخرة وحتى ولا في شبابي أن أجريت لعريس ما حفلة حناء كما هو متبع اليوم، عادة مستحدثة لا أعرف من أين جيء بها، أن يُحنّى العريس وأن تقام له حفلة حناء، أمر كهذا كان مستهجنا ومستغربا لأن الحناء أُعدَّ ومنذ البدء للعروس وللمرأة بشكل خاص لتجميلها وتزيينها في عرسها وفي غير عرسها.. ففي عرسها كانت المرأة تحنّى لتزداد جمالا ورونقا في عيون زوجها وأهل زوجها وصديقاتها… أما حنّاء الرَّجل فكان يقتصر فيما مضى على لحيته أو شعر رأسه في غير عرسه، أما في عرسه فكان يؤتى ببعض الحناء من لدن العروس فتحنى راحتي كفيه، وأحيانا كثيرة شارك العريس في حناه الأصدقاء والمعارف والأقارب، وللتأكد مما أقوله وأدعيه فقد توجهت إلى من يكبرونني سنّا بالسؤال عن (حنّاء العريس) وهل جرت العادة في السابق أن تقام للعريس حفلة حنّاء؟ أجاب جميعهم بالنفي المطلق.
وكان مدوِّن تاريخ باقة الغربية وهو يكبرني سناً، السيد صبحي محمد بيادسة، أكثرهم حدَّة وقال مستغرباً: عار وأي عار أن يحنّى العريس مثل العروس، بأن يتجمّل لعروسه، هذا أمر مستهجن لا يستوي وصفات الرجولة والصلابة التي يعتزُّ ويفتخر بها العربي.
ألم يتطرق إلى ذلك الشاعر الشنفرى في لاميته المشهورة، لامية العرب، عندما انتقد بل واحتقر الرجل الذي يغدو داهنا يتكحّل. يقول:
ولا خالف دارية متغزّل يروح ويغدو داهنا يتكحّل
(الخالف: المتخلف عن قومه والمتأخر عنهم. يظل مقيما في داره أعزلا ويقضي وقته التغزل بالنساء والتشبه بهن في الدهن والكحل)، وتطرّق الزجل إلى هذه الظاهرة. انظر ماذا يقول الزجّال:
ولما الشباب يصير بدهم مكحلة كفّك على الضيعة وبطالها
ويضيف السيد بيادسة ويقول: وأكبر دليل على ما تقول فإن جميع أغاني الحناء كانت تغنّى للعروس/ للمرأة ولا نجد في الفن الشعبي، الغناء القديم أي أغنية حنّاء للرجل. ففي ليلة حنّاء العروس كانت وفيما مضى، وقبل أن تنار بلدتنا بالكهرباء، تجتمع نساء أهل العريس في فناء دار العريس وقد أحضرت بعضهن المشاعل التي تضاء بالزيت أو الكاز ويتوجهن إلى بيت العروس وحال وصولهن تنشد إحداهن قائلة:
هيه يا وحنا لفينا ع دار أبوك يا زينة
هيه يا وامشنشلي بالذهب بذيالها جنينة
هيه يا وحنا لفينا ع دار أبوك يا مليحة
هيه يا وامشنشلي بالذهب بذيالها ريحة
وتقف أم العروس لترحب بالوافدات وتقول:
هيه يا مرحبا يا أحباب حين جيتونا
هيه واخضرت الدنيا وآنستونا
هيه ويا مرحبا بيكم يا عز الحبايب
هيه عقبل ما نجيكم كما جيتونا
وتختلط النساء مع بعض نساء أهل العريس وأهل العروس، يدبكن، ويرقصن، ويغنين ويزغردن، تحضر العروس بزفة مختصرة وتجلس على كرسي صغيرة وتوضع أمام قدميها (مفرمة) صغيرة داخل لجن، تضع العروس قدميها على (المفرمة) لتبدأ مع هذا المشهد حفلة حنّاء العروس، بدءاً بالقدمين وانتهاءً بالركبتين برسم أزهار وورود وأغصان أشجار وبالحنّاء، وكذلك الأمر بالنسبة لليدين والكفين، وكانت المحنِّيات يردِّدن الأغاني الخاصة بهذه المناسبة ومنها:
خطّطوا نخطّط هالبنت خطّطوا نخطّط يا هي
حنّاك مرطب ع إيديك حنّاك مرطب يا هي
وردة في البستان هالبنت وردة في البستان يا هي
خيّال الحصان عريسك خيّال الحصان يا هي
حلوة ومليحة هالبنت حلوة ومليحة يا هي
تع شم الريحة يا عريس ريحة عروسك يا هي
يا أهل العروس لا يجبر لكم خاطر وشو عماكم عن ابن العم هالشاطر
يا أهل العروس لا يبري لكم ذمة وشو عماكم عن ابن الخال والعم
ويستمر الرقص والغناء حتى ساعات الفجر أحياناً، أما العريس فكان يؤتى له في ليلة حنّاء العروس ببعض الحنّاء يُحنّى بها راحتا كفيه وأصابعه، يشاركه في ذلك الأصدقاء والمعارف والأقارب، وعلى نفس النمط لا أكثر ولا أقل.
ان الرعيل الاول من الرجال والدي لم يتخضب بالحناء ولم ينقب حواجبه
لهم هم الرجال حقا فاليوم يقاسمون زوجاتهم أدوات الزينة (لا حول ولا قوة الا بالله).
ان دغدغة العواطف وتهييج المشاعر والتجييش والتصفيق بضاعة رائجة في مجتمعنا فلا غرابة في حناء
العريس للاسف الشديد ان هده البدع طالت الجماهير طولا وعرضا ودخلت كل بيت.
على فكره اسم جماهير يطلق على الاغلبيه الساحقه من الناس وهناك عدة مسميات مثل “الرعاع” والعوام والغوغاء.
استادي حسني بيادسه , ان الرغبة في الافلات من هدا التقهقر العكر وايجاد الرافعه التي تنقلنا الى اوضاع اكثر سمو هي بمثابة استحاله لكن علينا المحاوله .
وهناك تجد من يقول ما لهدا المربي الدي يريد ان ينقلنا الى عهد تولى.
ان العفويه في كتابتك تشدني الى انتظار المقالات القادمه . الله يخليلنا اياك.
ياااااااااااااااه ذكرتني بايام زمان وساك الله هذيك الايام