انهيار الجيش السوري الحر.. وهروب الجنرال ادريس يرجحان كفة الدور السعودي على حساب قطر وتركيا
تاريخ النشر: 14/12/13 | 1:05بغض النظر عن صحة الانباء حول هروب اللواء سليم ادريس قائد الجيش السوري الحر من عدمها، فان من الواضح ان هذا الجيش يتآكل ويقترب من الانهيار الكامل بعد فشله في ان يكون القوة العسكرية الرئيسية للمعارضة السورية المسلحة في مواجهة الفصائل والجبهات الاسلامية وليس النظام السوري فقط.
رصاصة الرحمة التي اطلقت على هذا الجيش تمثلت في سيطرة عناصر "الجبهة الاسلامية: حديثة التكوين على مخازن عتاد عسكري امريكي تابعة له علاوة على معبر "باب الهوى" الحدودي مع تركيا، الامر الذي دفع الجنرال ادريس ومساعديه الرئيسيين الى عبور الحدود الى تركيا، مستقلا اول طائرة الى الدوحة حسب ما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الامريكية.
الرد الامريكي على هذا التقدم العسكري الكبير للجبهة الاسلامية جاء سريعا وفوريا بتعليق تسليم كل المساعدات "غير القاتلة" في شمال سورية للجيش الحر في اعتراف رسمي بانهياره، وفشل السياسة الامريكية التي راهنت عليه كقوة رئيسية يمكن ان تطيح بالنظام السوري منذ بداية الازمة.
خريطة القوى المقاتلة على الارض السورية تتغير بسرعة هذه الايام، بحيث باتت محصورة في ثلاث قوى رئيسية اسلامية تسيطر بصورة شبه كلية على الارض الواقعة خارج سيطرة السلطة المركزية هي الجبهة الاسلامية: التي تضم لواء التوحيد، واحرار سورية، والجيش الاسلامي، والثانية: الدول الاسلامية في العراق والشام (داعش)، والثالثة: جيهة النصرة وبعض الفصائل الصغيرة المتحالفة معها وتدين بالولاء لتنظيم "القاعدة".
انهيار الجيش السوري الحر هو مقدمة لانهيار الائتلاف الوطني السوري الذي يتزعمه السيد احمد الجربا رجل السعودية، وكل الرهانات الاخرى التي تراهن ومنذ بداية الازمة، على تشكيل جسم سياسي معتدل يمكن ان يكون مفاوضا او بديلا للنظام السوري.
واذا قبلنا بالفرضية التي تقول ان الجبهة الاسلامية المدعومة سعوديا هي القوة الاسلامية "المعتدلة" الاكثر تسليحا وتدريبا وتمويلا، فان هذا يحتم اعادة تشكيلة الائتلاف الوطني، ودعمه بعناصر اسلامية جديدة، وعلى حساب القيادات الاخوانية المحسوبة على دولتي قطر وتركيا، الى جانب بعض الشخصيات الليبرالية الاخرى.
ولا نستبعد تفكيك هذا الجسم السياسي كليا، واستبداله بمنظومة، واسم جديد، على غرار ما حدث للمجلس الوطني الذي اسسه التحالف القطري التركي في بداية الازمة واطاح به التدخل السعودي المتنامي سياسيا وعسكريا.
الرئيس السوري بشار الاسد سيكون الاكثر سعادة بمثل هذا الانهيار، لسببين اساسيين:
* الاول: انه تحدث اكثر من مرة في مقابلاته عن وجود اتصالات مع مجموعات في الجيش الحر اثمرت عن القائهم السلاح والعودة الى السلطة بعد ضمانات بالسلامة والعفو.
* الثاني: تأكيده منذ بداية الازمة انه يواجه جماعات جهادية اسلامية "تكفيرية"، ولم يصدقه الا القلة، وها هو الصراع يتطور، وبصورة علنية وتصبح حرب بين معسكرين واضحي المعالم، اي معسكر النظام من جهة ومعسكر الجماعات الاسلامية على مختلف الوانها العقائدية في الجهة المقابلة.
ويبدو ان الولايات المتحدة الامريكية توصلت الى النتيجة نفسها، وسارعت الى فتح حوار مع جبهات اسلامية "معتدلة" بوساطة تركية، وهو ما اعترفت به المتحدثة باسم البيت الابيض، تحت غطاء البحث عن البدائل، ومحاولة اقناع هؤلاء المعتدلين للمشاركة في مؤتمر جنيف المقبل.
الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة اركان الجيوش الامريكية قال: "ان الولايات المتحدة ترى اهمية للتعرف الى المليشيات التي يشتبه بارتباطها بتنظيم "القاعدة" في سورية حتى نفهم نواياها في الحرب الدائرة هناك، وصلاتها المحتملة مع القاعدة"، واضاف: "ان الامر يستحق معرفة ما اذا كانت هذه الجماعات لديها اي نية على الاطلاق للاعتدال وقبول المشاركة مع الآخرين".
اخراج الجيش السوري الحر من المعادلة السياسية والعسكرية السورية لمصلحة الجبهات الاسلامية المقاتلة على الارض والتي يزيد تعداد عناصرها عن سبعين الف مقاتل، قد يجعل من النظام السوري اكثر قربا من الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، لان زواله من السلطة لم يعد اولوية ملحة بالنسبة الى المعسكر الغربي.
ولا نستغرب ان يكون تهديد الجنرال ادريس الذي اطلقه الاسبوع الماضي في ذروة مسلسل هزائم جيشه امام الجبهة الاسلامية، بالانضمام الى الجيش السوري الرسمي في مواجهة هذه الجماعات المتشددة، ليس نابعا عن حالة يأس، وانما ثمرة اتصالات واتفاقات مع الولايات المتحدة في هذا الصدد.
نقف الآن على ابواب اعادة، ولكن بطريقة احدث لسيناريو "الصحوات" العراقية على الارض السورية، مع فارق اساسي وهام، وهو ان "الصحوات" الجديدة التي ستقاتل الاسلاميين المتشددين، ستكون مدعومة بشكل مباشر او غير مباشر من الجيش العربي السوري والولايات المتحدة الامريكية وحلفائها الغربيين وبعض العرب في المرحلة الاولى على الاقل.
السؤال هو حول موقف الدولتين الخليجيتين الداعمتين للمعارضة المسلحة على الارض السورية، والمقصود هنا المملكة العربية السعودية وقطر؟ فهل ستستمران في الوقوف خلف الجماعات الاسلامية المقاتلة للنظام، ام ستساند "الصحوات" الجديدة بالمال والسلاح؟ ام انهما ستخوضان حربا بالنيابة ضد بعضهما البعض من خلال الفصائل المقاتلة التي يدعمانها بالمال والسلاح؟
من الواضح ان الجبهة الاسلامية التي تضم الفصائل الاسلامية المقاتلة، ستكون المرشحة لكي تكون نواة "الصحوات" السورية، ليس فقط لانها تحظى بدعم المملكة العربية السعودية، والامير بندر بن سلطان قائد استخباراتها وفق التقارير الامريكية والغربية، وانما ايضا لانها بدأت تخوض معارك ضد الدولة الاسلامية وجبهة النصرة القريبتين من تنظيم "القاعدة" في اكثر من مكان في سورية خاصة في الشمال الغربي.
الرئيس بشار الاسد قال في آخر لقاءاته الصحافية ان هناك اتصالات مع معظم الدول الخليجية، وان المشكلة فقط محصورة في بعض الامراء السعوديين في اشارة واضحة الى الامير بند بن سلطان الذي يدير الصراع في سورية باسم بلاده.
لجوء الجنرال ادريس الى قطر، واذا صح، يعني انه لجأ الى حليف يقف في الخندق نفسه ضد الجبهة الاسلامية التي اطاحت بجيشه الحر، وهذا يطرح سؤالا ملحا وهو: من تدعم دولة قطر على الارض السورية في هذه الحالة؟ نترك الاجابة للقطريين ومحطة "الجزيرة".
مع وقوفنا على بعد اربعين يوما من موعد انعقاد مؤتمر جنيف، يبدو المشهد السوري اكثر تعقيدا، وقد نشهد الكثير من المفاجآت في الاسابيع المقبلة على طريق ترتيب التحالفات ووضع خريطة طريق للمستقبل.
اسطورة الجيش السوري الحر تقترب من نهايتها، ومقولة الرئيس الاسد التي كررها طوال العامين الماضيين بانه يواجه جماعات جهادية "تكفيرية" تتأكد يوما بعد يوم، اتفقنا معه او اختلفنا، ويمكن القول بأن التحدي الاكبر الذي يواجهة الامير بندر بن سلطان هو مدى قدرته على اقناع الولايات المتحدة بان الجبهة الاسلامية التي يرعاها هي البديل للجيش الحر، بحيث تكون تكرارا لتجربة المجاهدين العرب في افغانستان.
الايام والاسابيع المقبلة قد تشهد تحالفات غريبة لم تخطر على بال اعتى المراقبين للمشهد السوري، ويكذب من يقول انه يفهم المشهد السورية الحالي، ويستطيع ان يتنبأ بما يمكن ان يحدث من مفاجآت وغرائب، نحن هنا نجتهد ونطمع بالفوز بأجر المجتهدين على الاقل!