بيع وشراء الشيكات المؤجلة والرّاجعة كبيرة من الكبائر
تاريخ النشر: 23/12/16 | 0:47الحمد لله والصّلاة والسّلام على سيدنا محمّد رسول الله، وبعد:
لقد انتشرت في الآونة الأخير ظاهرة بيع الشيكات المؤجلة والرّاجعة بين النّاس انتشاراً ملحوظاً، حتى أصبحت تجارة قائمة ذات صور متلونة ومتنوعة ولها مكاتب ومؤسسات متخصصة ويروّج لها بين النّاس عبر الصحف والمجلات وكافة الوسائل الدّعائية.
هذا وقد نجم عن هذه المعاملات الرّبوية المحرمة أضرار اجتماعية واقتصادية وخيمة كما وانتشرت الأحقاد والأضغان بين النّاس والأنانية في القلوب ، كما هو ملحوظ ومشاهد.
لذا كان من حكمة الله تعالى ورحمته بعباده أنّه حرّم الربا وجعله من أكبر الكبائر وأنزل في شأنه قرآناً يُتلى إلى يوم الدين، والتّي تبيّن حرمة الربا بياناً صريحاً وأنّه سبب في حلول العقوبات الدنيوية والآخروية على الجماعات والأفراد, ومن هذه الآيات:
1. قوله تعالى: “الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” سورة البقرة (275).
2. وقوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ (سورة البقرة 278 – 279).
3. قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)} سورة آل عمران.
كما وردت في السنة النبوية أحاديث عديدة تحذّر وتندّد بالتعامل الربوي لخطورته وأضراره الإجتماعية والإقتصادية على الفرد والأسرة والمجتمع ككل.
ومن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: ” اجتنبوا السبع الموبقات “، قالوا: يا رسول الله: وما هنّ؟، قال: “الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحقّ وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولّي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات” .رواه البخاريّ .
وعن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:” درهمُ رباً يأكلُهُ الرّجلُ وهو يعلمُ أشدُّ من ستةٍ وثلاثين زنيةٍ ” رواه أحمد في مسنده برقم (22600) وهو حديث صحيح كما في صحيح الجامع (3375).
قال الشوكاني رحمه الله تعالى تعليقاً على هذا الحديث: “يدلّ على أنّ معصية الربا أشدّ المعاصي، لأنّ المعصية التي تعدل معصية الزنا التي هي غاية الفظاظة والشناعة، بمقدار العدد المذكور، بل أشدّ منها، لا شك أنّها تجاوزت الحدّ في القبح”.
ولم يحرّم الإسلام التعامل بالربا فحسب وإنّما حرّم التعاون عليه مطلقاً سواءً أكان مباشراً أم غير مباشر فقد ثبت في الحديث الصّحيح الذّي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: ” لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ”، وفي هذا الحديث دلالة صريحة على حرمة الترويج والدعاية في الصحف والمجلات والإعلانات لمثل هذه المعاملات المحرمة.
وبناءً عليه: لا يجوز بإجماع الأمة بيع وشراء الشيكات الرّاجعة كما ويحرم بيع الشيكات المؤجلة سواء بيعت بالدولار أم بالشاقل بلا خلاف بين أهل العلم.
وأمّا إذا كان الشيك نقدياً فيجوز بيعه بالعملات الأجنبية كالدولار واليورو ونحو ذلك ولكن لا بدّ من توفر الشروط التّالية:
أولا: أن يكون الشيك مضمون الرصيد: وللتأكد من وجود رصيد للشيك لا بدّ أن يدخله الصرّاف ثلاثة أيام على الحساب.
ثانياً: إذا تحقق الصرّاف من وجود رصيد للشيك، فإنّه يجوز أن يبيعه بالدولار مثلاً، وبعد أن يستلم الزّبون صاحب الشيك الدولار بيده، فإنّ له الخيار بعد ذلك أن يشتري من عند نفس الصّراف شواقل أو من عند غيره.
ونحذّر من أخذ نسبة مئوية من الشيك كما يفعله كثير من الصّيارفة، حيث يعطيه شخص شيك مثلاً بقيمة 5000 ش فيأخذ 1% ويعطيه 4950 ش على سبيل المثال، فهذه معاملة ربوية محرمة ولو كان الشيك نقدياً ومضمون رصيد.
فائدة: يجوز أخذ الأجرة على الوكالة بصرافة الشيك النّقدي غير المؤجل وذلك على النّحو التّالي:
أن يأتي شخص معه شيك نقديّ إلى صرّاف ويعطيه الشيك ليدخله على حسابه الخاص وذلك لعدم تمكّن صاحب الشيك بإدخال الشيك على حسابه بسبب وجود حجز عليه على سبيل المثال، فيقوم الصرّاف بإدخال الشيك على حسابه الخاص مقابل أجرة محددة أو نسبة معينة من المبلغ المحرر في الشيك، وهذه الصورة جائزة شرعاً على اعتبار أنّ الصرّاف هو عبارة عن وكيل عن حامل الشيك لإدخاله على الحساب واستيفاء المبلغ وهذا لا يعتبر عقد صرافة.
ولكن لا بدّ من التنبيه والتّحذير من خطأ فاحش يقع فيه كثير من الصيارفة وهو : أن يقوم الصرّاف باعطاء حامل الشيك المبلغ من كيسه أو خزانته مقابل نسبة مئوية من الشيك، وهذا قرض ربوي محرّم وذلك لأنّ الصرّاف لمّا يعطي حامل الشيك من ماله الخاص قيمة الشيك أصبح مقرضاً وليس وكيلاً كما في الصّورة الأولى ولمّا أصبح مقرضاً فإنّه يحرم عليه الرّبح مطلقاً فليحذر من ذلك !!
والله تعالى أعلم
المجلس الإسلامي للإفتاء