المتحابين في الله
تاريخ النشر: 23/12/16 | 0:31بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول سيدنا عمر وقد صدق فيما قال (لو لم يدخل النار إلا واحد لخشيت أن أكون أنا) وقد صدق لأن من الكبائر ما يتسلل إلى القلب وإلى العمل كما تتسلل النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء. وصدق أيضاً عندما قال (لو لم يدخل الجنة إلا واحد لرجوت أن أكون أنا) لماذا؟ لكرم الله عز وجل مع هذه الأمة من حيث أنه جعل أعظم الأجر وأعظم الدرجات مع عبادات جميلة سهلة وهذا من الودود من ودّ الله لهذه الأمة. حينئذ ما عليك إلا أن تسعى إلى هذه العبادات الجميلة السهلة التى وفق الله الأمة إلى أنواعها وإلى أقسامها وإلى وضوحها فإذا إلتزمت بها فقد نجوت وحينئذ تدخل الجنة من غير حساب. منها الحب فى الله، هل هناك مسلم لا يحب أحداً لله؟ كل واحد منا لا بد أن يكون له حب (ومن السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله أخوان تحابا في الله وافترقا عليه) ويوم القيامة ينادي منادي من رب العالمين (أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) ما عليك إلا أن تحب مسلماً لله. قد تحب رجلاً حاكماً أو قاضياً أو مديراً عاماً لأنه عادل والله يحب المقسطين، وقد تحب مسلماً حليماً صبوراً يعفو عمن ظلمه يعطي من حرمه والله يحب المحسنين، قد تحب رجلاً إبتلاه الله ببلاء فصبر وشكر والله يحب الصابرين وهكذا. ما من مسلم إلا وله أخ يحبه في الله لصفة فيه تقربه من الله وصفة يحبها الله ورسوله. ولهذا في الحديث ما فرح أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام بشيء كما فرحوا بقوله فى الحديث الصحيح (إن الرجل ليحب القوم لا يلحقهم بعمل فيبعث معهم بحبه لهم) ولا أظن أن مسلماً من أهل القبلة يموت ولا يحب واحداً فى سبيل الله لله سبحانه وتعالى.
إذن فهي عبادة جليلة يسرها الله سبحانه وتعالى أداة من أدوات تطبيق قوله تعالى (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ (27) النساء). بهذه العبادة الجليلة التي جعل الله فيها كل هذا الرجاء وكل هذا الأجر وكل هذا التقدم بإتجاه أبواب الجنة مع أنها لا يكاد يخلو منها مسلم على وجه الأرض في أي زمن من الأزمان كلنا نحب أصحاب النبي ونحب التابعين ونحب العلماء ونحب الصالحين ونحب الشهداء والمجاهدين نحب آباءنا وأمهاتنا ونحب الجار وكلنا لا بد أن يكون في حياته مخلوق يحبه لله بدون هدف دنيوي.
هكذا هو الأمر إذن أراد الله سبحانه وتعالى من هذه العبادة أن لا يدخل واحد من أمة محمد فى النار والله سبحانه وتعالى وعد النبي عليه الصلاة والسلام وهو فى مزدلفة قال “سنرضيك في أمتك” وهذه الأمة المباركة التي هي الوحيدة على وجه الأرض التى توحد الله عز وجل، ما من أمة توحد الله بالتوحيد الخالص النقي من أي شائبة إلا هذه الأمة، وما من أمة تجتمع على كل الأنبياء (لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ (285) البقرة) إلا هذه الأمة وقس على هذا مما جعل الله هذه الأمة زاكية (يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ (151) البقرة) حينئذ هذه التزكية التى كانت من وراء بعثة النبي عليه الصلاة والسلام والآية أنتم تعرفونها (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُوعَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ (164) آل عمران) والتزكية غير التطهير، التطهير من الشرك، التزكية من الرائحة الكريهة. أمة منسوبة أعراضها سليمة نسبها ثابت تحب الجوار تحب الآخرين تحب في الله وتبغض في الله. هكذا هذه الأمة إذن فالحب في الله فى حياتها طبيعي كالهواء لا يكاد يخلو رجل من أهل القبلة من واحد يحبه في الله على الأقل يحب زميله الذي يصلي معه في المسجد كل يوم، وهناك بعض الصلوات تؤلف بين أصحابها كصلاة الفجر صلاة الفجر في المساجد لقلة الذين يذهبون في هذا الزمان إلى المساجد تجعل بين الذين يصلون الفجر في المسجد ألفة وصداقة ومحبة يتعارفون يتزاورون لا لشيء إلا لأنهم رفقة في صلاة الفجر وأنتم تعرفون بأن صلاة الفجر صلاة الأبرار.
إذن هذه الخصيصة من خصائص هذه الأمة باب واسع ومضمون وأكيد من أبواب الجنة فنسأله تعالى أن يجعلنا من المتحابين في الله. لماذا كل هذا؟ كل هذا العطاء لإثنين متحابين في الله لأنك تعرف كما يقول الشاعر “وبضدها تتميز الأشياء”، أتعلم ماذا تعنى البغضاء بين إثنين؟ هذان الإثنان لا ترفع لهما صلاة ولا يقبل لهما حج ولا زكاة ولا يغفر لهما في عرفة ولا النصف من شعبان ولا كأنهما مسلمان، مطرودان من رحمة الله يقول صلى الله عليه وسلم “دعوهما حتى يصطلحا”، في عرفة يغفر لكل الناس إلا لأخوين متصارمين، البغضاء هكذا ويبغضها الله عز وجل بين المسلمين ويمحق أعمالهم محقاً، إذن وبضدها تتميز الأشياء إذا كانت البغضاء بين المسلمين بهذا القبح فإن التحاب في الله بين المسلمين بهذا الجمال ونسأله تعالى أن يجعلنا متحابين في الله دائماً وأن يبعدنا عن البغضاء وأن لا يكون فى قلوبنا غلٌ للذين آمنوا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.