العفو

بسم الله الرحمن الرحيم.
هذه التقوى الصعبة، تقوى صعبة هي من كلمتين لكنها صعبة لكن يسيرة على من يسّرها الله سبحانه وتعالى عليه قال (وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى (237) البقرة) نحن نتكلم عن التقوى، أن تعفو عمن ظلمك، يا الله! واحد ظلمك ظلماً وجعلك لا تنام الليل والمظلوم لا ينام (لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ (148) النساء) وأنت ظلمت هذا الإنسان ظلماً إما في ماله أو في نفسه أو في عرضه وجعلته يغلي ومع هذا في ساعة من ساعات التجلي مع الله قال في قلبه: يا رب أنا أسامحه لوجهك الكريم فلا أريد أن أفجع محمداً بواحد من أمته، يا الله! الله تعالى شهد لهذا قال (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) فصلت) لأنها أعجوبة العجائب (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) آل عمران). (وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) بل هي التقوى كلها أن تعفو عمن ظلمك ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم “من سرّه أن يُشرَف له في البنيان -يعني يوم القيامة قصور وعماراته عالية- فليعفو عمن ظلمه”. يقول عليه الصلاة والسلام اِرحموا تُرحموا وحينئذ كل من ترحمه فإن الله يرحمك من أجله. يقول عليه الصلاة والسلام لا يعفو عبدٌ عمن ظلمه إلا زاده الله بها عزّاً يوم القيامة. أعجوبة! وعليك أن تعلم أنك إذا عفوت عمن ظلمك فقد أصبحت يوم القيامة من سكان الجنة التي هي مقصورة الرحمن الفردوس الأعلى. من الأشياء العظيمة الجليلة التي تدل على عبودية خالصة لله وعلى استهانة بكل ما في عواطفك وما حولك من الدنيا أن تعفو عمن ظلمك، وقد شهد الله بها وقال (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) فصلت) ليست سهلة، الأنبياء، الصديقون الحُلماء معن بن أبي زائدة ورأينا في حياتنا بعضهم من ملايين، واحد ظلمه ظلماً لكنه ولا كأنه فعل له شيئاً (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) ولهذا فإن من أعظم العبادات وأعظم التقوى أن تعفو عمن ظلمك (وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى). هذه تقوى الأخلاق وتقوى العبودية الخالصة وتقوى إنكار الذات لوجه الله وتقوى محبة الله يوم القيامة، عدِّد ما شئت، هذه التقوى تدل على صفات خيّرة لا حصر لها. هذا الذي يعفو عمن ظلمه إنسان صفي اصطفاه الله نقي في غاية النقاء خلقه الله عز وجل من طينة في غاية الروعة ولهذا لا تتوقع منه شراً وتستطيع أن تعدد كل صفات الخير تجدها فيه “وأن تعفو عمن ظلمك”. حينئذ هذا هو الإحسان كما قال تعالى (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) آل عمران) وفي الحديث “من كظم غيظه من أجلي وهو قادرٌ على إنفاذه كان حقاً عليّ أن أملأ جوفه رضى يوم القيامة”. هذه العبادات الشاقة (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ). فمن وفقه الله لهذه العبادة تربية وهذه في الحقيقة أصل هو ابن كرام أصحاب حِلم هذا الحلم سيد الأخلاق ولذلك إذا كنت حليماً إلى هذا الحد فتعفو عن كل من ظلمك فذلك الذي كان لا ينام إلا يقول يا رب إني أعفو عن كل منظلمني فسنراك يوم القيامة صاحب الجلالة في الجنة ملك من ملوكها وللجنة ملايين الملوك، نسأله تعالى أن ينجينا وأن لا يعاقبنا لأني أنا لا أستطيع أن أفعل ذلك ولعل الله سبحانه وتعالى يرحمني في هذا الشهر كما يرحم كثيراً من العصاة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.