حوار مع ب.فاروق مواسي عن النقد والشعر
تاريخ النشر: 06/10/16 | 7:35 يجري الباحث مصطفى يوسف حوارات مع من يطلق عليهم (أعلام اللغة العربية)، ويقدم في كل شهر “شخصية الشهر” يختاره من بين أعضاء المجمع، فينشر الحوار في موقع (مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية).
….
الحوار طويل، وقد بدأه بتفاصيل من سيرتي الذاتية، وأسماء مؤلفاتي في الشعر والنقد والمقالة والقصة والترجمة واللغة والمواضيع الاجتماعية، بالإضافة إلى السيرة الذاتية.
بدأت بتقديم بعض الأسئلة في القسم الأول من الحوار، وها هي التتمة، وإجاباتي عنها، فلعل هناك من يحفل بها، ويهمه بصورة أو أخرى بعض ما يرد فيها.
………………….
• مما صدر لكم في النقد كتاب “صلاح عبد الصبور شاعرا مجددًا” وكذلك “الرؤيا والإشعاع”، ودراستكم القيمة عن “القدس في الشعر الفلسطيني الحديث”. ما الرسالة التي حاول كل كتاب توصيلها للقارئ؟
…
– لي اثنا عشر كتابًا نقديًّا في نقد الشعر، وفي الأدب الفلسطيني عامة، وهذا ما أتركز فيه.
كتاب “الرؤيا والإشعاع” نحوت فيه أسلوبًا جديدًا في النقد هو “المونولوج النقدي”؛ حيث أتناول شاعرًا أو موضوعًا، من خلال صوتين يتحاوران، فالأول مثلاً يأخذ المآخذ، والثاني يسوّغ، وهكذا يقف القارئ بينهما ليستخلص رأيه، كما أن فيه مصطلحات نقدية ابتدعتها على غرار (التأدنس)= تقليد أدونيس أو التأثر به، (الواقنسية)= المزيج بين الواقعية والرومانسية، (المأهاة)= المزج بين المأساة والملهاة- تراجيكوميديا، وغيرها…
كتابي عن صلاح عبد الصبور كان بحثًا أكاديميًّا قدمته في نطاق دراستي، فارتأت جامعة حيفا طباعته. وقد سرني أنني أهديته للشاعر في لقائنا سنة 1980 حيث رحَّب بي، وأفسح المجال لي للتزود بمصادر كنت أبحث عنها. من الشعراء الأحب إلى ذوقي الشعري أجد صلاحًا في التدريج الأول، فأنا أجد في شعره ثقافة وسلاسة معًا، وأجد لديه قدرة فذة على كتابة المسرحية الشعرية، وأرى أن البعد الصوفي في شعره يبعث في نفسي وجدًا ومعارج. ولعلّ الناقد يجد أصداء لصوته في بعض قصائدي أذكر منها: “أحلام الفارس الجديد”، “مكاشفة”، “رسالة”، “روعة الأسى”…
أما كتاب “القدس في الشعر الفلسطيني الحديث” فيدرس كيف أصبحت القدس موضوعة شعرية ورمزًا فلسطينيًّا قوميًّا يستخدم الأماكن المقدسة، ويستلهم التاريخ للتأكيد على حق الفلسطيني في مدينته ووجوده. ومع ذلك لا بد من الإشارة إلى أن ما يُسمى “فضائل القدس” لم “يُستثمر” في الشعر على الصعيد الديني ولا على الصعيد الوطني، وهذا الرصيد يمكن الإفادة منه. من الجدير بالذكر أنني أضفت للدراسة مختارات (أنتولوجيا) لنحو عشرين شاعرًا كتبوا قصائد في المدينة.
…..
• تتنوع جوانب شخصيتكم العلمية، ولكن يلفت نظري شخصية الشاعر فاروق مواسي، وإنتاجه الثري لعدد من الدواوين الشعرية. ما الرسالة التي أردتم توصيلها من خلال الشعر؟ وهل كانت لإقامتكم في قلب الكيان الإسرائيلي من أصداء في أشعاركم؟
…
– الشعر ليس هواية بمعنى ترفي، بل هو قدري ولعنتي وحبي ومجتلاي، وكما تفرح الوردة في نشر أريجها أفرح أنا في نشر قصيدتي. أستمع إلى ردود الفعل، وأسعد إذا راقت أو إذا ذُكرت بخير. بعد سنين أرى كل قصيدة بمنظارها الحدثي أو المنطلق من التجربة بعينها. يهمني أن يرضى الجمهور الواسع عن قصيدتي الوطنية، ولا يهمني كثيرًا أن أجد العدد الكبير لقصيدتي الفكرانية أو المتعمقة.
أما “الوطن” في كتابتي فهو يعني المكان والزمان والنباتات والطيور والتربة والهواء والسماء، وأهم من ذلك الناس بعلاقاتهم وانفعالاتهم وتداخلاتهم وتشربهم لهذا الوطن، ففلسطين ليست مجرد ترديد يُحفظ. إنها كينونة وانصهار في بوتقة. مما يميز البعد الوطني في شعري أنني كتبت عن المكان، وعن الشخصيات الفلسطينية وعن كل ما عاناه شعبنا من مصادرة أراضٍ أو من مجزرة كفر قاسم أو عن الشهيد الفلسطيني، ومن جهة أخرى في خطاب العقل مع الآخر، حتى مع المستوطنين.
..
إن أهم ما يميز شعري هو الصدق، فقصيدة غزلية مثلاً من شأنها أن تقيم عليّ القيامة أمام زوجتي؛ ذلك لأنها تعرف أنني لا أكتب هكذا عفوًا أو عبثًا أو من غير نار تتوهج في خلل الرماد. ثم إنني أعالج (التابوهات)– المحرَّمات من دين وسياسة وجنس بصراحة، وإن لم تكن أحيانًا غير متناهية. فاقرأ قصيدتي “أغسل خوفي” مثلاً لتجد هذه النقمة العارمة على التزمت الديني البعيد عن المنطق الذي ورد في قوله تعالى: (لا إكراه في الدين).
..
الرمز وارد كثيرًا في قصائدي بصور مختلفة، فمن الرموز ما هو تاريخي أو أسطوري، أو فولكلوري، فلسفي أو إبداعي مستجد. في شعري تناصّات كثيرة من القرآن ومن وحي الصوفية. والدين لديَّ هو حضور الحضارة الإسلامية العربية في نسيج قصيدتي حضورًا يتجاوز الناحية الشكلية غير الموظَّفة. شعري هو أناي، تلخيص لي، وأحب أن ينطلق، وأن يكون حرًّا يعانق الكون كله. أطمح إلى أن تكون كل قصيدة في دوائر ثلاث على مستوى التوصيل (وهذا القول كررته، مع أن الأمر متعذَّر في كل القصائد): دائرة ذاتية: وهذا البعد يقرأه كل قارئ ويجد فيه نجواه. دائرة فلسطينية: أن يجد القارئ بعدًا وطنيًّا يحلِّق فيه. دائرة إنسانية: أن يقرأ قصيدتي قارئ أرجنتيني-مثلاً- فيجد فيها طاقة خلَّاقة وشمولية إنسانية، وبالفعل فلديَّ عشرات القصائد مما ينطبق عليها ذلك- بشهادة آخرين.
..
أما عن الشكل الشعري فلي قصائد كثيرة على الصياغة التقليدية، وخاصة قصائد الرثاء، أو القصائد التي تُلقى في المحافل الوطنية. من غزلياتي ما هو مرتبط بالأرض كما هو الحال في كثير من شعرنا الفلسطيني. أما الغموض الشفاف فهو المستحبّ لديَّ، إذ أنفر من كل تعقيد والتواء حتى في المخاطبات اليومية. أطالب القارئ أن يكون مسلَّحًا بمعرفة أولية عن الشعر وتوليداته، ولا يهمني كيف يقرأ أو يفهم. الشفافية هي كشفافية الحسناء التي لا يسلس قيادها لأول لمسة يد أو لأول نظرة، بل هي التي تعطي وتمنع، وتراوح وتجذب، تؤمِّل بقدر ما تكون عصيـَّة. الجمال الغامض الذي لا يتكشَّف مجانًا هو لديَّ الأحب. إن الصورة البعيدة عن الفانتازيا المُغربة في الإبهام هي التي تقدم لنا خيالاً نستطيع أن نحلق في أجوائه وأبهائه.
• صدر لكم ديوان “الأحزان التي لم تُفهم” بالعبرية. هل قصدتم مخاطبة المحتل بهذا الديوان دون غيره؟ ونريد تعريف قراء “شخصية الشهر” بحقيقة الأحزان التي لم تُفهم.
…
– أصدرت مجموعتين شعريتين لي بالعبرية، فيهما مختارات من شعري الفكري والوطني والإنساني، وأنا بحكم كوني نائب رئيس نقابة الكُتّاب في إسرائيل، ومحررًا في مجلة النقابة (غاغ) أحب أن يطلع القارئ العبري على كتابتنا، وعلى معاناتنا، وقد ترجمت للمجلة بعض قصائد محمود درويش وغيره.
من جهة أخرى أصدرت كتابين مترجمين عن الشعر العبري، “مدارات”، و”أصوات أخرى من الشعر العبري”، وابتغيت من ذلك تعريف القارئ العربي أن الأصوات الشعرية العبرية ليست كلها على نسق واحد وبالضرورة معادية، فثمة من يرفض الاحتلال والمستوطنات، ويرى ألا بد من حل، وأن الشعب الفلسطيني له حقه في الكرامة والوجود، فمن اخترت لهم من الشعراء اليهود هم شعراء الرفض والاحتجاج.
• استطاع مجمع اللغة العربية على الشبكة العالمية في مكة المكرمة من فرض نفسه، والتفاعل الثري مع جمهور العربية المحب لها، سواء من المتخصصين أم غير المتخصصين. بوصفكم عضوًا في المجمع الوليد كيف تقيِّمون تجربته الناشئة؟ وما النصائح التي توجهونها للقائمين على أمره؟
…
– تجربة المجمع فذة بمعنى فريدة، وعن طريق المراسلات والمناقشات نتعرف إلى آراء وأصداء، وفي ذلك الغَناء، لكني أدعو إلى أن يكون لقاء كل سنتين في إحدى الدول العربية، وأن تُلقى المحاضرات، وتُناقش موضوعات تؤرِّقنا جميعًا، نناقش محاور معينة، وليس فقط حول مسألة خاطرة، ثم بعدها تكون مسألة الإصدارات، وأنا أرجو– على المستوى الشخصي- أن يكون لقاؤنا الأول في عمّان أو القاهرة، حتى أستطيع الحضور؛ لأن لديَّ مما أحب أن أضيف في سبيل إنجاح المجمع؛ مع أن الأَوْلَى أن يكون المؤتمر في مكة، وعندها قد لا أستطيع الحضور؛ ذلك لأن الحصول على تأشيرة للمملكة العربية السعودية لا يتم إلا للعمرة أو الحج، فليعمل القائمون على الأمر كي يسمحوا لنا نحن عرب فلسطين في الجليل والمثلث بالحج الثقافي أيضًا إلى الأرض المباركة.
• حدِّثنا عن آخر مشاريعكم البحثية ومؤلفاتكم العلمية!
..
أعكف هذه الأيام على أن أحتفل على طريقتي بيوم ميلادي الماسي- الخامس والسبعين (الحادي عشر من تشرين الأول)، فأصدر عددًا من الكتب هي على التوالي:
* أصوات أخرى من الشعر العبري.
* قطوف دانية في اللغة العربية- الجزء الأول.
* دراسات أدبية وجولات بحثية- الجزء الأول
* في الاجتماع والسياسة.
* أقواس من سيرتي الذاتية – الطبعة الثالثة.
..
وأختم بالقول إن لي موقعًا على الشبكة فيه معظم كتبي، ونماذج من أدبياتي المتنوعة، ومختارات مما كُتب عني وقيل فيّ، وفيه (بيبليوغرافيا) فاروق مواسي– تفاصيل ما كتبت، وما كُتب عني، وما قدّمت من كتب، وما شاركت من مؤتمرات… إلخ.