كيف توصل الصحابة للتاريخ الهجري؟
تاريخ النشر: 23/10/16 | 0:24دائمًا ما ارتبط تاريخ السنوات عند العرب بالأحداث الفاصلة في تاريخهم على مر العصور، حتى وصلنا إلى التقويم الهجري المتعارف عليه حتى الآن، لارتباطه بأهم حد في تاريخ المسلمين وهو الهجرة النبوية المشرفة، التي كانت بمثابة أول لبنة في بناء دولة الإسلام في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وكان لتأريخ الغرب للأحداث مراحل عدة مختلفة سموا السنوات باسمائها فسارت تأريخًا لها، فكان أول من أرخ هم بنو سيدنا إسماعيل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، وبدأوا تأريخهم من معحزة النار التي ألقي فيها أبوا الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ولما تم بناء الكعبة المشرفة ورفع سيدنا إبراهيم وابنه سيدنا إسماعيل قواعد البيت، أرخ العرب للسنوات بتاريخ بناء الكعبة، ثم جعل العرب من عام موت كعب بن لؤي الجد السابع لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم تأريخًا جديدًا للسنوات فقد كان معظمًا عند العرب، ثم جاءت حادثة الفيل الذي حاول فيها أبرهة الأشرم ملك الحبشة هدم الكعبة المشرفة فأرسل الله سبحانه وتعالى عليه وعلى جنوده طيرًا أبابيل وحمى بيته الحرام، وهو العام الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسمي عام الفيل.
وظل العرب بعد حادثة الفيل تؤرخ بهذه الواقعهة، حتى جاءت الهجرة النبوية المشرفة، وأصبح المسلمون يسمون كل سنة بأبرز حدث يحصل فيها وتركوا التأريخ بعام الفيل، فسموا السنة الأولى بعد الهجرة بعام “الأذان”، لأن فيه كانت بداية العمل بالأذان، ثم السنة الثانية بعد الهجرة سموها بعام “الأمر” لأنه فيها جاء الأمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم للمسلمين بالجهاد ضد المشركين فكانت غزوات بدر وأحد وغيرهما، ثم السنة الثالثة بعد الهجرة سموها عام “التمحيص” أي تكفير الذنوب وكان عقب غزوة أُحد لقوله تعالى: {وليمحِّص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين}. ثم سميت السنة الرابعة بعد الهجرة بعام التَّرْفِئَة، ومعناها الاتفاق وجمع الشمل من رفأ بين القوم: إذا أصلح بينهم.
أما السنة الخامسة بعد الهجرة فسمين بعام “الزلزال” وذلك بعد غزوة الخندق حيث ابتلي المؤمنين وزلزلوا زلزالًا شديدًا كما جاء في القرآن الكريم، ثم سموا السنة السادسة بعد الهجرة بعام “الاستئناس”؛ إشارة إلى الآية الكريمة: {لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلّموا على أهلها}، تلاها السنة السابعة بعد الهجرة والتي سميت بعام “الاسْتِغلاب”، وكان فيها فتح خيبر والغلبة على اليهود، ثم سموا السنة الثامنة بعد الهجرة بعام “الاستواء” وهي السنة التي كان فيها فتح مكة، وسميت السنة التاسعة بعد الهجرة بسنة البراءة، لأن الله سبحانه وتعالى أنزل فيها: {وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُ}، أما السنة العاشرة بعد الهجرة النبوية فكان فيها حجة الوداع وانتقال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى فسمي بعام “الوادع”.
وظل الأمر كذلك في تأريخ المسلمين لأعوامهم حتى السنة السابعة عشر بعد الهجرة النبوية المشرفة، وتحديدًا في عهد سيدنا عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين في السنة الثالثة من خلافته، الذي أسس التقويم الهجري الذي نسير عليه حتى يومنا هذا.
أما سبب اتخاذ تقويم ثابت للمسلمين أنه في يوم أريل سيدنا أبو موسى الأشعري وكان واليًا على البصرة رسالة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقول فيها أنه يصله من أمير المؤمنين رسائل ولا يدري كيف يعمل به وقد قرأه في شعبان ولا يدي أهو شعبان الحالي أم شعبان الماضي، حينها جمع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كبار الصحابة الكرام لأخذ مشورتهم ووضع حل لهذا الأمر، وتوالت الاقتراحات فمنهم من رأى أن يجعلوا من ميلاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم تأريخًا للمسلمين، ومنهم من رأى أن يكون التأريخ بداية من تاريخ البعثة النبوية المشرفة ونزول الوحي الشريف، وظلت الاقتراحات تتوالى حتى اقترح الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أن يكون تأريخ المسلمين بدءًا من الهجرة النبوية المشرفة من مكة إلى المدينة، وهو الرأي الذي استقروا عليه بعد ذلك، وعلى الرغم من أن الهجرة النبوية المشرفة بدأت في شهر صف، ووصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مشارف المدينة المنورة يوم الاثنين الثامن من ربيع الأول، ودخل المدينة المنورة يوم الجمعة 12 ربيع الأول، فإن الصحابة الكرام أخذوا برأي سيدنا عثمان بن عفان بأن يكون شهر المحرم هو أول شهر في العام الهجري لسببين:
الأول: أنه هو الشهر الذي كان بعد بيعة العقبة بين وفد من أهل يثرب والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أثناء الحج في شهر ذي الحجة فكأن الهجرة بدأت في ذلك الوقت فقد أذن بها صلى الله عليه وآله وسلم، وكان أول هلال يهل بعد الأذن هو شهر محرم.
أما السبب الثاني: فلأن المحرم هو نفس التقويم وترتيبه الذي عهدته العرب قبل الإسلام وفي حياة النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.
هاني ضوَّه