أزمة الواقع العراقي ودور المثقف..!
تاريخ النشر: 17/12/13 | 6:55لم يمر العراق على امتداد تاريخه الطويل بمثل المأزق التاريخي الذي يمر به، وبمثل الأزمة والمحنة الحقيقية التي يعيشها اليوم. انها محنة شاملة في كل تفاصيل الحياة، وتجد تعبيراً وتجسيداً لها في الانهيار الامني والتفكك الاجتماعي والانسحاق السياسي. وهي ليست أزمة نظام سياسي فحسب، بل أزمة مجتمع كبير وعريق ومثقف، لم يتخيل احد انه سيصل يوماً الى هذا الدرك والانهيار في المستوى الحياتي والمعيشي والسياسي.
ان العراق يمر في مرحلة خطيرة وصعبة، والوضع فيه له خصوصية تميزه عن بقية الأقطار والبلدان العربية. انه ما زال يعاني من آثار عدوان واحتلال امريكي واستعماري شرس، ومن عملية سياسية مشؤومة بنيت على اساس المحاصصة المذهبية الدينية الأثنية التي تهدد بنيته ونسيجه الاجتماعي، فضلاً عن التطرف الديني والهوس الجنوني والارهاب العارم الذي يضرب العراقي حتى بات مشهداً يومياً يهدد حاضر شعبه ومستقبله النضر.
ومن جهة أخرى ثمة تراجع كبير وخطير في دور المثقف العراقي الذي هزل كثيراً عن مثقف الماضي، بفعل الهزائم المتلاحقة وسقوط القيم والايديولوجيات، وآليات التحول وطبيعة المتغيرات، وعمليات الارهاب والتدجين والاغواء وشراء الذمم والتهديد، واضطهادات الكهان الجدد ورجالات التابو من الاصوليين والسلفيين والوهابيين والتكفيريين، الذين لهم اساليبهم في استخدام اسلحة القهر والقمع والارهاب الفكري. علاوة على ذلك هناك قوى سياسية ودينية تساهم في تغييب دور النخب المثقفة في الشارع العراقي بهدف دفع المجتمع الى القبلية والعشائرية والعصبية المذهبية والطائفية البغيضة.
ان اخراج العراق من محنته وأزمته الراهنة يتطلب من القوى اليسارية والمدنية العراقية الارتقاء في نضالاتها الى مستوى المهام الوطنية، وتوسيع قاعدة الجبهة اليسارية العراقية المناهضة للاحتلال والفاشية والارهاب الديني وفق برنامج يساري تحرري قادر على احداث الاصلاح والتغيير وتعبئة القوى الحية الفاعلة في المجتمع العراقي لمواجهة قوى الارهاب والتخلف والعمالة، واستعادة دور المثقف في اداء دوره الفاعل بما يخدم المجتمع العراقي. فدور المثقف الواعي العضوي هو دور تعبوي وتحريضي ومقدس في حمل رايات العدل والحق والنزاهة والخير ومشعل التغيير، ومجابهة كل من يغذي القتل والفتنة الطائفية والتطرف الديني والفكري، والوقوف بوجه السلطة والمؤسسة الحاكمة التي تريد وتسعى الى تهميش دور المثقف واقصاءه عن ساحاتها، وكذلك التجاوب مع الاستحقاق الانتخابي لاحداث التغيير المرتجى والمامول الذي ينشده العراقيون عبر صناديق الاقتراع والممارسة الديمقراطية بدعم قوى الاصلاح والتغيير، قوى اليسار والتقدم والمدنية، المدافع الأمين المعبر عن اهداف وآمال وطموحات الطبقات الكادحة المسحوقة والمهمشة في المجتمع. فالبديل الديمقراطي هو الخيار الوحيد امام شعب العراق، التواق والمتعطش للعدالة والحرية والديمقراطية والطمانينة والهدوء النفسي والرخاء الاقتصادي.