من بدع الجنائز
تاريخ النشر: 19/12/13 | 11:27من فضل الله علينا أن بيَّن لنا الخيرَ مِن الشر، والتوحيدَ من الشرك، والهُدى من الضلال، والحقَّ من الباطل، والسُّنة من البِدعة، والحلال مِن الحرام، والفَرْض من الواجِب، والمستحبَّ من المكروه، والمباح مِن غيره، وبذلك أكملَ الدِّين، وأتَمَّ على عباده النِّعمة، فله الحمد والمنَّة؛ قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾:المائدة:3.
ولكن أكثر الناس عن نهْج الدِّين القويم مائلون، وعن طريقِه معوَّجون، وعن اتِّباع نبيِّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- منحرِفون، فلقد زادوا في الدِّين ما لم يأذنْ به الله، وما ليس لهم به حُجة ولا بُرهان، وإنما حمَلَهم على ذلك الجهل في الدِّين، واتباع الهوى، والتبعية للأعداء، والتقليد الأعمى للآباء؛ ﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾: الزخرف: 22- 23.
فشوَّهوا ببِدعهم صورةَ الدين النقية، وسوَّدوا صفحته الناصعة، ومِن هذه البدع ما يلي:
– ما يسمُّونه بالإسعاد:
وذلك بأن تقوم المرأة بالنواح على الميِّت، فتقوم معها نساءٌ أُخريات يساعدْنَها على البكاء والنواح، وهذا مِن فعل الجاهلية وعاداتها التي جاء الشَّرْع فأبطلها؛ فعن أمِّ سلمةَ – رضي الله عنها – قالت: لَمَّا مات أبو سلمة، قلت: غريب، وفي أرْض غربة؛ لأبكينَّه بكاءً يُتحدَّث عنه، فكنتُ قد تهيأتُ للبكاء عليه، إذ أقبلتِ امرأة مِن الصَّعيد -عوالي المدينة- تريد أن تُسعدني، فاستقبلها رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وقال: (أتُريدين أن تُدخلي الشيطانَ بيتًا أخْرجَه الله منه؟ – مرَّتين)، فكففت عن البكاء، فلم أبكِ".
وعن أنس – رضي الله عنه – أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – أخَذ على النِّساء حين بايعهن ألاَّ ينُحْنَ، فقلنَ: يا رسول الله، إنَّ نساءً أسعدتنا في الجاهلية أفنسعدهن؟ فقال – صلَّى الله عليه وسلَّم: (لا إسعاد في الإسلام).
-: الأذان عند القبر عند دفْن الميت:
قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن – رحمه الله: "الأذان عندَ القبر بِدعة مُنكرة، ما أنزل الله بها مِن سلطان، ولا فعَلَه أحد ممَّن يُقتدَى به".
– تلقين الميِّت والقراءة على القبر:
المقصود بتلقينه: تذكير الميِّت بعد دفْنه بالشهادتين، وما سوف يُسأل عنه: "مَن ربُّك؟ ما دِينك؟ من نبيك… إلخ".
قال ابنُ القيم رحمه الله تعالى: "وكان إذا فرَغ من دفْن الميت قام على قبره هو وأصحابه، وسأل له التثبيت، وأمرَهم أن يسألوا له التثبيت، ولم يكن يجلس يقرأ عندَ القبر، ولا يلقِّن الميت كما يفْعَله الناس اليوم".
– قراءة "الفاتحة" و"يس" وغيرهما:
قال سماحة الشيخ ابن باز- رحمه الله تعالى: "لا تُشرع قراءة (يس) ولا غيرها مِن القرآن على القبر بعدَ الدفن، ولا غير الدفْن، ولا تُشرع القراءة في القُبور؛ لأنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لم يفعلْ ذلك، ولا خلفاؤه الراشِدون – كلُّ ذلك بدعة".
وقال العلاَّمة ابن عثيمين – رحمه الله تعالى: "قِراءة الفاتحة على الموتى لا أعلمُ فيها نصًّا مِن السُّنة، وعلى هذا فلا تُقرأ؛ لأنَّ الأصل في العبادات الحظْر والمنع، حتى يقومَ دليل على ثبوتها، وأنها مِن شرع الله – عزَّ وجلَّ".
– وضْع الشجر، أو جَريد النخل على القبر:
قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله تعالى: "لا يُشرَع غرْس الشجر على القبور، لا الصبَّار ولا غيره، ولا زرْعها بشعير أو حنطة، أو غير ذلك؛ لأنَّ الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – لم يفعلْ ذلك في القبور ولا خلفاؤه الراشدون – رضي الله عنهم – أمَّا ما فعَلَه مع القبرين اللذين أطْلَعه الله على عذابهما من غرس الجريدة، فهذا خاصٌّ به – صلَّى الله عليه وسلَّم – وبالقبرين؛ لأنَّه لم يفعل ذلك مع غيرهما، وليس للمسلمين أن يُحدِثوا شيئًا من القُرُبات لم يشرعْه الله – عزَّ وجلَّ".
– الاجتماع في مكان للتعزية:
قال ابنُ القيم -رحمه الله تعالى: "وكان مِن هديه – صلَّى الله عليه وسلَّم – تعزيةُ أهلِ الميِّت، ولم يكُن من هديه أن يجتمع للعزاء، ويقرأ له القرآن، لا عندَ قبْره ولا غيره، وكل هذا بِدعة حادِثة مكروهة".
وقال ابنُ عثيمين- رحمه الله تعالى: "والتعزية في الحقيقة ليستْ تهنئة، كما ظنَّها بعضُ العوام يحتفل بها، ويُوضَع لها الكراسي، وتُوضَع لها الشموع، ويحضر لها القرَّاء والأطعمة، لا، التعزية تسليةٌ وتقوية للمصاب أن يصْبِر".
– اتخاذ الضيافة مِن الطعام من أهل الميِّت:
والمستحب أن يُعد جيران الميت طعامًا، ثم يبعثوا به إلى أهل الميت؛ لحديث عبدالله بن جعفر – رضي الله عنه – قال: لما جاء نعْيُ جعفر – رضي الله عنه – قال النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم-: (اصنعوا لأهل جعفر طعامًا؛ فإنَّه قد جاءهم ما يشغلهم).
– جعْل المصاحِف عند القبور للقراءة للأموات:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى: "وأمَّا جعْل المصاحف عندَ القبور لمن يقصِد قراءة القرآن هناك وتلاوته، فبِدعة منكَرة، لم يفعلْها أحدٌ مِن السلف".
– وقْف الأوقاف لتلاوة القرآن وتَثويبه للميِّت:
قال الألباني- رحمه الله تعالى: "مِن البدع وقْفُ الأوقاف سيَّما النقود لتلاوة القرآن العظيم، أو لأنْ يصلي نوافل، أو لأن يُهلل، أو يُصلي على النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – ويُهدي ثوابَه لرُوح الواقف أو لرُوح مَن زاره".
– استئجار مَن يقرأ القرآن للأموات:
قال شيخُ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى: "استئجار الناس ليقرؤوا ويُهدوه إلى الميِّت ليس بمشروع، ولا استحبَّه أحدٌ من العلماء".
– الختْمة على هيئة الاجتماع وتثويبها:
قال العلاَّمة ابن عثيمين – رحمه الله تعالى: "اجتماع الناس في البيوت للقِراءة على رُوح الميت لا أصلَ له، وما كان السَّلَف الصالح -رضي الله عنهم- يفعلونه… والاجتماع عندَ أهل الميت وقراءة القرآن ووضْع الطعام، وما شابه ذلك؛ فكلها من البِدع.
– رفْع القبور وتجصيصها:
فعن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي عليُّ بن أبي طالب – رضي الله عنه -: ألاَ أبعثُك على ما بعثني عليه رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ألاَّ تدَعَ تمثالاً إلا طمستَه، ولا قبرًا مشرِفًا إلا سوَّيْتَه".
وعن جابر – رضي الله عنه – قال: "نهَى النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – أن تُجصَّص القبور، وأن يُكتب عليها، وأنْ يُبنى عليها، وأن تُوطأ".
قال ابنُ القيم- رحمه الله تعالى: "ولم يكُن مِن هديه – صلَّى الله عليه وسلَّم – تعليةُ القبور ولا بناؤها بآجُر، ولا بحجر، ولَبِن، ولا تشييدها، ولا تطيينها، ولا بناء القباب عليها، فكلُّ هذا بِدعة مكروهة مخالِفة لهديه – صلَّى الله عليه وسلَّم – فسُنَّته – صلَّى الله عليه وسلَّم – تسويةُ هذه القبور المشرِفة كلها، ونهَى أن يُجصَّص القبر، وأن يُبنى عليه، وأن يُكتب عليه، وكانتْ قبور أصحابه لا مشرِفة ولا لاطِئة، وهكذا كان قبرُه الكريم، وقبر صاحبيه، فقبره – صلَّى الله عليه وسلَّم – مُسنَّم مبطوح ببطحاء العرصة الحمراء، لا مبنيّ ولا مطيَّن، وهكذا كان قبرُ صاحبيه، وكان يُعلّم قبر مَن يريد تعرُّف قبره بصخرة".
– تخصيص زيارة المقابر يوم وليلة العيد:
قال العلامة ابن عثيمين- رحمه الله تعالى: "والخروجُ إلى المقابر في ليلة العيد ولو لزِيارتها، بدعةٌ؛ فإنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- لم يرِد عنه أنه كان يخصِّص ليلة العيد، ولا يوم العيد لزيارة المقبرة، وقد ثبَت عنه – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنه قال: (إيَّاكم ومُحدَثاتِ الأمور، فإنَّ كل محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)، فعلى المرء أن يتحرَّى في عباداته وكلِّ ما يفعله مما يتقرَّب به إلى الله – عزَّ وجلَّ – أن يتحرى في ذلك شريعة الله تبارك وتعالى".
– الذِّكرى الأربعينية:
قال العلامة ابن باز- رحمه الله تعالى: "الأصلُ فيها أنها عادةٌ فِرعونيَّة، كانت لدَى الفراعنة قبلَ الإسلام، ثم انتشرتْ عنهم وسرَتْ في غيرهم، وهي بدعة مُنكَرة لا أصلَ لها في الإسلام".
ولم يثبت عنِ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – ولا عن أصحابه – رضي الله عنهم – ولا عن السَّلَف الصالح إقامةُ حفل للميِّت مطلقًا، لا عندَ وفاته ولا بعد أسبوع، أو أربعين يومًا، أو سنَة من وفاته، بل ذلك بِدعة.
وبِدع الجنائز أكثرُ ممَّا ذكرنا، ولكن هذه أشهرها -فيما نعتقد- فيجب على المسلم أن يتَّبع ولا يبتدع، وأن يسيرَ على ما سارَ عليه رسولُ الله – صلَّى الله عليه وآله سلَّم – وصحابته الكِرام، وعلماء الأمَّة الربَّانيون الذين ساروا ويسيرون على ما سار عليه رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم.