جولة أدبية مع “دع المقادير تجري في أعنّتها”
تاريخ النشر: 13/10/16 | 0:00قال الشاعر:
دع المقاديرَ تجري في أعَنّتها *** ولا تبيتنّ إلا خاليَ البالِ
ما بين غَمضةِ عَين وانتباهتها*** يغيّر الله من حالٍ إلى حالِ
…
من الأبيات التي تتردد على ألسنة الناس ولا نعرف قائلها تمامًا هذان البيتان أعلاه.
..
ورد في ألف ليلة وليلة (الليلة 303) على لسان أبي محمد الكسلان:
“اضطجعت في مكاني من التعب، فبينما أنا مضطجع متفكر في أمري وإذا أنا بهاتف أسمع صوته ولا أرى شخصه وهو يقول هذين البيتين:
دع المقادير تجري في أعنتها *** ولا تبيتن إلا خالي الـبـال
ما بين طرفة عين وانتباهتها *** يغير الله من حال إلى حال”
لم يذكر الكتاب (مجهول المؤلف) من قائل البيتين.
في أثناء بحثي وجدت أن أقدم ما وصل إلينا في هذا المعنى ما قاله الطُّغْرائي:
لا تسهرن إذا ما الرزق ضاق ونَمْ *** في ظل عيش رقيق ناعم البال
فبين غفوة عين وانتباهتها *** يقلّب الدهر من حال إلى حال
..
غير أن الثعالبي في (التمثيل والمحاضرة) يذكر أن البيت التالي هو لأبي دلف الخزرجي:
هي المقادير تجري في أعنّتها *** واصبر فليس لها صبر على حال
كما تردد البيت التالي له في مصادر أخرى:
يومًا تريش خسيس القوم ترفعه *** نحو السماء ويومًا تخفض العالي
..
ثم قرأت لابن نُباتة المصري (ت. 1366م) على نفس الوتر :
و خلّ بالٍ برجوى الطيف مشتغلاً *** ولا تبيتنّ إلا خالي البال
ما بين غمضة عين وانتباهتها *** يقلّب الهجر من حال إلى حال
..
اعتبر عبد الله فكري (ت. 1889م) في كتابه ” نظم اللآل في الحكم والأمثال”(1) البيت الأول منهما من بين الحكم والأمثال السائرة ولخصه بقوله:
“خل القدر يفعل ما يشاء، ونم مستريح البال”.
..
يبدو أن الشعراء أكثروا من التنويع على هذين البيتين اللذين أصبحا ملكًا عامًا، وذلك إما بتغير قافيتهما نحو قول الشاعر عبد الله الصيرفي (ت 1904م):
ودَعْ أمورك تجري في أعنتها *** وظُنّ خيرًا ولا تسأل عن الخَبَرِ
ما بين غمضة عين وانتباهتها *** يغير الله من عسر إلى يُسُرِ
من هؤلاء أيضا الشاعر المصري صالح مجدي (ت 1881م) في قوله من قصيدة له:
وهو الذي إن يشا يذهب بقدرته *** ينقّل الدهر من حال إلى حال
دع المقادير تجري في أعنتها *** ولا تكن يائسا من نيل آمال
..
وقد خمّسها الشاعر ابن شيخان السالمي (ت. 1927)
تجعل النفس حَسرى إلْفَ أَنّتِها *** من المقادير إذ جاءت برَنّتها
وتصبحنَّ مُراعاً من أسنّتها *** دع المقادير تجري في أعنّتها
ولا تبيتن إلا خاليَ البالِ
…
وللمقادير أحكام بعادتها *** تقضي على كل حال باستحالتها
في أسرع الوقت تغيير لحالتها *** ما بين غمضة عين وانتباهتها
يبدّل الله من حال إلى حالِ
…
لاحظ التغيير في الفعل (يغيّر) – يقلّب، يصرّف
…
ملاحظة:
من الطريف أن عددًا من المواقع على الشبكة ينسب الشعر إلى شخصية مجهولة – (مسفر بن المهلهل الينبغي)، وتذكر له أبياتًا كنت قد سمعتها من حكّاء في طفولتي، أضعها أمامكم للاطلاع، ولإتمام الصورة وشيوعها:
فكن مع الناس كالميزانِ معتدلاً *** ولا تقولن ذا عمي وذا خالي
فالعم من أنت مغمورٌ بنعمتهِ *** والخالُ من أنت من أضرارهِ خالِ
ولا يفك الرأس إلا من يـركبه *** ولا ترد المنايا كثرة المالِ
…
ومن المواقع من نسب الشعر للزير سالم في قصته الشعبية المشهورة:
…
الزير أنشدَ شعراً من ضمائره *** العز بالسيفِ ليس العزُ بالمالِ
المالُ يبني بيوتاً لا عماد لها *** والفقرُ يهدِمُ بيتاً سقفه عالي
دَعْ التقاديرَ تجري في أعنتها *** ولا تبيتنَ الا خاليَ البالِ
ما بين لحظة عينٍ وانتفاضتها *** يغيرُ اللهُ من حالٍ الى حالِ
أ.د فاروق مواسي
صح السان من قال هذي البيت
قائل الابيات هذه الامام علي بن ابي طالب عليه السلام وهي ابيات شهيرة وموجودة في ديوانه الشعري