يحدث الآن: عن النّائب عودة، وسياط اللّوم..
تاريخ النشر: 11/10/16 | 6:50“..والنّاخب الّذي قرّرَ منحَ صوتِهِ للقائمة المشتركة قبل سنتين من الآن، من حقّه أن يبدي رأيا، لكن، ليس من حقّهِ المطالبة باستعادةِ صوتِهِ، ولا بتمثيلِهِ في جنازةٍ لمجرّدِ أنَّهُ انحازَ للميِّتِ في لحظاتِهِ الأخيرة. لا قيمة أخلاقيّة تحكُمُ أطراف هذه المعادلة..”
العاصفة الّتي ثارت في أعقاب تصريحات النّائب أيمن عودة بشأن عدم مشاركتهِ في جنازة شمعون بيرس، آخر المَهندسين الفعليّين لمشروع الشّرق أوسط الجديد، والحرّاس الفعليّين لحُلُم دولة إسرائيل الممتدّة من البحر إلى النّهر، لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالضّرورة ولا بالواجب، ومن المناسب أن يتمّ إخراجها من إحراجات العتب والمساءلة لدى جمهور المتدافعين والمتسائلين. ولننطلق من فرضيّة تقول، لا استحقاقات لرجال الدّولة علينا كانوا من كانوا.
والنّاخب الّذي قرّرَ منحَ صوتِهِ للقائمة المشتركة قبل سنتين من الآن، من حقّه أن يبدي رأيا، لكن، ليس من حقّهِ المطالبة باستعادةِ صوتِهِ، ولا بتمثيلِهِ في جنازةٍ لمجرّدِ أنَّهُ انحازَ للميِّتِ في لحظاتِهِ الأخيرة. لا قيمة أخلاقيّة تحكُمُ أطراف هذه المعادلة، أصوات = خدمات بمستوى تنازلات قيميّة أبدا. والأصواتُ الّتي لا تزالُ عالية نُطالِبُها بالبراءةِ من ذِمّةِ الصّراخ، ومن منطق الإدانة والإتّهام.
لن نتوقّف طويلا لنعترف، أنّهُ أسبوعُ الأحداث الغريبة، وممّا لا يجوز فيهِ أن نُعزّي في رجُلٍ كان سببا في دفنِ أعداد هائلة من اللّحم الفلسطيني في قانا لبنان، أبريل 1996، لمجرّد أنّهُ فلسطيني، كي يبنيَ جِسراً يعبرُ منهُ لرئاسةِ الحُكومة، وفشل. كلّ ذلكَ يحدثُ، في خضمّ معمعةٍ واسعة يحتلُّ فيها احتجاج الوزيرة ميري ريجف على قصيدة محمود درويش وخروجها من موقع صوتِهِ وكلامِهِ، موقع الصّدارة. في أجواء عنصريّة كهذه، وبرعايةِ حكومة يمينيّة بامتياز، عنصريّة بامتيازات، تشرّعُ كلّ ما يخدمُ ولاءها لحُلُمِ الدّولة يطالبوننا بتأبين الرّجل!
يموت الرّجل، ونحنُ في طريقنا لوضعِ أكاليل غارٍ على شاهداتِ قبورٍ لشهداء كانت سياسة العنفِ البوليسي، والقتل المتعمّد آليّتها الفاعلة مع فلسطينيّي الدّاخل. سياسة ذهب ضحيّتها في أكتوبر 2000 ثلاثة عشر شابا من المثلّث والجليل. فلمَ ذاكرتنا قصيرة إذن؟ لمَ نملكُ ذاكرة دجاجة تنسى وجعَ الحبِّ بعد أن يعبرَ من منقارها إلى مريئها؟
لا أملكُ تفسيرات كثيرة لما نحن عليهِ الآن! أهيَ ضمائرنا الّتي تهبّ فجأة كي تُعلِنَ رهبةً حقيقيّة من جلّادها، أم أنّه عشقنا اللامتناهي للتّراجُعِ والخفّة، وفرض واقعِ السّلامِ الوهمي بيننا وبينهم؟ واقعٌ نريدُهُ زاهيا ينافسُ محطّات انكسارِنا، وهزيمتنا في دولة لا تريد أن تعترفَ أنّا شركاء أصليّين في أرض نهضت عليها، وكبرت وتقزّمنا نحن، تاريخا وجُغرافيا، حُلُما، وواقعا..
ودعوني لا أسترسل كي لا أحشر جميع المفاصل السّوداء في واقعنا الفلسطيني في عروة ضيّقة بطلها رجل حاول أن يصنع سلاما، وفي لحظة ما تراجع وندم، ثمّ تقدّم وخسر. ودعوني لا أضيفُ مشاركة الرّئيس الفلسطيني محمود عبّاس لسلبيّات هذه المداخلة، ذلك لأنّي أفهم إملاءات الواقع الفلسطيني الصّعب في السّلطة الفلسطينيّة، وأفهم الخيط الدّقيق الّذي تتحرّك وفقه سياسة هذه السّلطة ورئيسها. ليس في نيّتي انتقاد خطوته ولا إدانتها، لكنّي لن أحتفي بها. هي خياراته ضمن الرّصيف الضيّق الّذي تركته الحكومة الإسرائيليّة للسّلطة الفلسطينيّة وسط وابل الأزمات الّتي ترعفها عليها. وأنا على يقين أنّ اتّخاذ قرار كهذا تكتيك يخصّ الرّئيس وحده وسياسته الذّاتيّة تجاه شكل تدوير العلاقة بينه وبين شريك مُر. وعليه لم أحتف بردود الفعل العربيّة والفلسطينيّة الّتي أدانت مشاركة أبو مازن، بل ومثّلت فيها على نحو بشع لا يرتقي لأخلاقيّات شعب يعرف أصول اللّياقة والرّد في أحلك ظرف.
لقد فلحت تنويحات القاصي والدّاني الصّحافة العربيّة حدّ اتّهام الرّئيس الفلسطيني بالعمالة والخيانة، ما لا أستسيغه، ولا أقبله معيارا لعلاقاتنا الثّنائيّة عربيّا وفلسطينيّا، ودون حق.
وعودة على بدء لن أحتفي بفكرة المزاوجة بين موقف النّائب عودة كرئيس للقائمة المشتركة الرّافض للمشاركة، وموقف الرّئيس عبّاس الّذي شارك فيها ضمن تركيبة وفد كامل. حبّذا لو توقّفنا عن مشروع الإدانات، وعدنا قليلا إلى الخلف كي نتأمّل بوعي كامل صورة ما كان عليه الشّارع الأسبوع الماضي لنفهم أبعاد ما حدث!
موقف: رجاء بكريّة