لماذا تراجع دور المثقف
تاريخ النشر: 21/12/13 | 1:13جرت العادة ان تتطلع الشعوب وترنو المجتمعات في اوقات المحن والأزمات والتحولات العاصفة الى دور انقاذي للمثقفين، باعتبارهم حبل نجاة للمجتممعات الساكنة الخاملة، وكنوع من الاقرار بوظيفتهم ودورهم الريادي الخلاصي في حمل مشعل التغيير وقيادة المجتمع من الوجهة الثقافية والتأثير فيه، وقيادة العمل الوطني والكفاحي الثوري، والوقوف في صدارة الاحداث وطليعة النضال والصفوف الامامية، والاسهام في اعادة بناء وتأسيس الوعي النقدي وتوليد الأفكار الجديدة، وتجديد القيم الثقافية والفكرية والمجتمعية وتجذيرها، التي يفترض انهم الأقدر على بنائها وتذويتها، فضلاً عن الـتأثير في الشأن العام للمجتمع سعياً لتغيير الواقع السياسي السائد والقائم.
وعلى امتداد التاريخ البشري لعب المثقفون دوراً طليعياً وريادياً وتعبوياً هاماً في مجتمعاتهم وقيادتها والتاثير فيها، ولكن للأسف الشديد ان دور المثقفين والنخب الطليعية في عصرنا آخذ بالتراجع والانحسار الى حد التلاشي، وبرز ذلك جلياً خلال انتفاضات وثورات ما يسمى بـ "الربيع العربي"، وقد غاب دورهم في المناخ السياسي والاجتماعي في اوطاننا العربية. فلماذا تخلى المثقفون عن دورهم في قيادة المجتمع والتأثير فيه، ومقاومة الراهن، وقيادة التغيير، والمساهمة في اصلاح المجتمع والسياسة وتطويرهما، وابتعادهم عن الصف القيادي التنويري الى التماهي مع فكر المؤسسة وسياستها..؟!.
يجب ان نعترف بان المثقف في زمن العولمة والتكنولوجيا أصبح ينقاد وراء ما يريده الناس وفق اذواقهم وأفكارهم، وبات رهينة لما يريدونه. وأصابه اليأس والقنوط بعد فشل المحاولات في التصدي للواقع والسباحة ضد التيار واحداث التغيير المطلوب والمنشود في المجتمع، فآثر الانسحاب والوقوف على الرصيف والهامش. وهنالك مثقفون غابوا عن ساحة الفعل والمواجهة مع السلطة وراحوا يبحثون عن مصالحهم الذاتية والشخصية واختاروا الهروب والتقوقع في بروجهم العاجية، ومنهم من تم تدجينهم وترويضهم وشرائهم بالمال النفطي وادخالهم الى الحظيرة ودوائر السلطة، ما ادى الى تكاثر نخب السلطة ومثقفي المؤسسة في البلدان العربية.
وفي ظل الانعطافة الكبيرة التي تشهدها شعوبنا العربية، فإن مجتمعاتنا بحاجة ماسة الى مثقفين عضويين، يمارسون دورهم الخلاصي الانقاذي الجذري والقيادي في الدفاع عن قضايا الامة ومطالب شعوبها، وحمل شعارات ومشاعل الحرية، ورفض الاستبداد والغبن والاضطهاد والقمع، والمطالبة بالتغيير والكرامة الانسانية والعدالة الحقة. وليكن للمثقف الصوت المدوي المجلجل في نقد السياسات التي تقترن بالديكتاتوريات والممارسات القمعية القهرية والتعسفية، التي لا تحترم حقوق الانسان وحريته وكرامته، والمشاركة في عمليات البناء والتحول الديمقراطي، وتأسيس مجتمعات مدنية حضارية فاعلة في الحياة الانسانية عمادها وقوامها العدل والمساواة والحرية والديمقراطية، وارساء تقاليد سياسية وفكرية قائمة على التعددية واحترام الرأي الآخر والقبول بالاختلاف، وسواها من الأفكار التي تسهم في تأصيل وتعزيز قيم حضارية وديمقراطية منبثقة من قلب أمتنا العربية الاسلامية وتراثها الحضاري، في اطار التفاعل مع الثقافات الانسانية الأخرى والاستفادة من منجزات العصر والحضارة وتطوراتها.
لان المعادلات قد تغيرت ولن تعود الى الوراء وتسيطر قوانين اخرى المصالح الشخصيه والمحسوبيات….