ثنائية الشباب ولجنة المتابعة : إلى أين
تاريخ النشر: 22/12/13 | 4:56منذ وَعَيْتُ ووقفتُ على طبيعة الأزمات التي تعاني منها الأمة الإسلامية من المحيط إلى المحيط، وفي قلبها الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، وقفت على سببين دفعا بالأمة إلى هذا الحضيض والانحطاط…
أولهما، تخليها عن الأسباب التي كانت سببا في نهضتها.. فلا يختلف اثنان على أن أمتنا العربية ما كان لها أن تحتل مكانتها في صدارة العالم على مدى قرون من غير دينها الذي أسَّسَ لحضارةٍ وسياسةٍ ومدنيةٍ ملأت فضاء العالم عبقا ورَوْحًا ورَيْحانًا.
ثانيهما، سقوط الخلافة الجامعة لشتات الأمة السياسي، ووقوع الجغرافيا والشعوب العربية والإسلامية (الديموغرافيا) تحت سيطرة وسطوة الاستعمار الصليبي الحديث الذي ما ترك وطننا العربي والإسلامية إلا بعد أن اطمأن تماما أنه سَلَّمَها لمجموعة من العملاء، حكموا برأيه وبطشوا برأيه وساسوا البلاد والعباد برأيه، مقابل تعهده بالحفاظ على سلطانهم وحماية عروشهم.. ما عاد للشعوب في هذه المعادلة من مكان، وما عاد لأحلامهم وطموحاتهم من موضع ولا موطئ قدم…. كان ذلك كله مقدمةً لضياع البلاد والمقدسات والحقوق، كما كان مقدمةً لاستبدادٍ وفسادٍ فَرَّخَ في كل زاوية في حياة الأمة حتى لا تكاد ترى إلا السواد أنَّى نظرتَ… هزائمٌ وتخلفٌ وأمِّيَّةٌ وجوعٌ ومرضٌ وشتاتٌ وفُرْقَةٌ واختلافٌ وصراعٌ، وفوق كل ذلك ضياعٌ تحولت معه الأمة إلى غثاء كغثاء السيل لا ثقل لها في ميزان الحضارة ولا السياسة…
(1)
أخطر ما أصاب الأمة هو حرص أنظمتها على شل حركة شعوبها، فلا تسمح بأي هامش إلا في حدود ما يخدم مصالحها وأجنداتها التي لا مكان فيها لحرية تنظيم أو كلمة ولا لديمقراطيةٍ أو تعدديةٍ أو تداولٍ سلميٍّ للسلطة، حتى انفجرت براكين غضب في بعض مواضع من عالمنا العربي ما زالت تصارع على البقاء في مواجهة أذرع أخطبوط دولة الاستبداد العميقة ومن يدعمها من دول الفساد والاستبداد القائمة…
تخيلتُ وضعًا فيه استفاقتْ أنظمةُ الاستبدادِ من غيبوبتها السلطوية فاتفقت مع شعوبها على تقاسم الأدوار، فمنحت قواها الحية دعما كاملا في التحرك الحر على الساحتين الداخلية بناء وإبداعا، وعلى الساحة الخارجية جهادا ونضالا لتحرير الأرض والمقدسات والأوطان المغتصبة، في مقابل عدم التعرض لمبدأ استمرارها في ممارسة السلطة… ماذا كان يمكن أن يصبح عليه حال الأمة ؟؟؟!! لا شك أن حالها كان يمكن أن يكون أفضل من حالها اليوم بكثير…المصيبة في أنظمة العرب الحالية أنها أنظمة استبداد من جهة وأنظمة خنوع وخضوع وارتهان مهين للقوى الخارجية بما لا يخدم مصالح الأمة العليا من جهة أخرى… بكلمات بسيطة، أنظمة استبداد ودكتاتورية بلا كرامة وطنية ولا إرادة حرة ولا قرار مستقل، فماذا نتوقع منها غير الذي نراه ونتابعه من انحطاط لا مثيل له في كل الدنيا…
(2)
نحن جزء من الأمة العربية والإسلامية ومن الشعب الفلسطيني، وإن شاءت الأقدار أن نعيش ظروفا تختلف عنها سياسيا وموضوعيا، إلا أنني ألحظ أننا قريبون جدا من ممارسة ذات اللعبة الخطرة، وَعَيْنَا ذلك أو لم نَعِيَهُ… عندنا شعب وهو الجمهور العربي أو المجتمع العربي بكل مكوناته، ولدينا نظام حُكم محلي ممثلا في البلديات والمجالس المحلية، وعندنا نظام قطري ممثلا في لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية…
كيف لنا أن نصف العلاقة بين (النظام الحاكم) وبين الشعب في حالتنا نحن داخل الخط الأخضر… يجب ألا ننسى ونحن في خضم هذا النقاش أن شعبنا العربي (مجتمعنا العربي)، وحُكمنا المحلي والقطري، محكوم هو بنفسه بدولة إسرائيل وحكوماتها وسياساتها، الأمر الذي يؤثر على أدائنا مقابل طموحاتنا… إلا أن هذه الحقيقة يجب إلا نعلق عليها عجزنا الغريب عن إدارة أزماتنا واختلافاتنا بشكل يُفَوِّتُ الفرصةَ على الحكم المركزي (اليهودي) من الإجهاز علينا..
اخطر ما يواجهنا اليوم من خلال متابعتي لوضع نضالنا الجماعي ضد (مخطط برافر) أو قضية (رمية) أو غيرها من القضايا التي لا تنتهي، هو أن تتحول خلافات واجتهادات مكونات مجتمعنا العربي إلى حالة من الصراع، بدل أن تخلق فيما بينها حالة من التعايش وتقاسم الأدوار والانسجام الايجابي، الأمر الذي يحافظ على اندفاعها دون عوائق وبعيدا عن المعارك الجانبية التي علمنا التاريخ أنها لن تكون إلا على حساب الكل الشعبي ولن تستثني أحدا…
(3)
الذي دفعني إلى مكاشفة الجميع بما يجيش في صدري الجدل الذي نراه ونرصده منذ فترة حول ثنائية لجنة المتابعة/ الحراك الشبابي، ودورهما في حمل الهم الوطني الجمعي، وكيف…
اعتقد أننا تجاوزنا الحد المسموح به من الاختلاف في آليات النضال، عندما علا الصراخ والخلاف بين الأطراف حتى كدت أخشى على قضايانا كلها في ظل قعقعة الطبول التي تضربها الأطراف المتصارعة والمتنازعة….
(4)
لا بد من وقفة مع الذات، وتغليب المصلحة الوطنية العليا، ومن ثم البحث عن الوسائل التي تضمن الانسجام بين كل الاجتهادات وتحويلها إلى روافد يغذي بعضها بعضا، وان تراءى للبعض أنها متناقضة… الذكاء يفرض علينا تقسيم الأدوار بذكاء بشكل يضمن للجميع العمل ضمن منظومة نضال نحرص دائما على ألا تتصادم… هل هذا ممكن ؟؟؟ نعم ممكن….
(5)
إن نحن أعطينا الشباب وهم من كل المؤطرين في الأحزاب والحركات وفي قلبها الإسلاميون والوطنيون والقوميون واليساريون، ومعهم قطاعات واسعة غير منتمية رسميا لأي من من الأطر القائمة، أن نحن أعطيناهم الفرصة أن يمضوا في طريقهم النضالي تحت مظلة من التنسيق في حده الأدنى، إذا ليس من الحكمة دائما أن تكون الأحزاب والحركات دائما في المشهد، كما انه ليس من الضروري أن يكون الشباب دائما في المشهد، كما قد يكون من الحكمة أن يعمل الطرفان معا أحيانا، وان يعمل كل منفردا أحيانا أخرى.. وهكذا.. وهكذا.. ان نحن فعلنا ذلك فقد كسبنا المعركة، إذ أن المعركة التي لا شباب فيها مآلها الفشل…
(6)
على الشباب أن يعرفوا قدر الأحزاب والحركات والمؤسسات العاملة في إطار لجنة المتابعة، كما عليهم أن يعترفوا بأهميتها جميعا في إطار نضالنا المشروع لتحقيق أمانينا الإسلامية والوطنية، ويجب أن يقللوا قدر المستطاع من انتقاداتهم السلبية لها، فلا يشك احد في إخلاصها وان اختلف البعض مع بعض اجتهاداته…
كما أن على الأحزاب والحركات ولجنة المتابعة أن يجدوا لغة التفاهم مع الشباب حول مشروع نضالي شامل يجد فيه الجميع مكانهم دون غضاضة
ودون انتقاص ودون صدام… يجب أن نجد المعادلات التي يتقدم بناء عليها البعض ويتأخر الآخر، ويتأخر البعض ويتقدم الآخر، كما وفيها احتمال أن يتقدم الجميع أو أن يتأخر الجميع.. الكل خاضع لموازين دقيقة لا نحيد عنها، تقدم الصالح العام فقط دون غيره، وخصوصا الأجندات الحزبية والحركية، والتي إن قُدِّمَتْ أفشلتْ كل جهودنا وعرقلت كل تحركنا الجماعي، وهذا في عقيدتي مُحَرَّمٌ ولا يجوز بحالٍ من الأحوال…
(7)
بدون ذلك سيهددنا الخطر جميعا، ولنا في الجهاد والنضال الفلسطيني لمائة عام ما يكفي لنتعلم الدرس قبل فوات الأمان..