قالوا شعرا عن الشعر
تاريخ النشر: 20/10/16 | 11:02ثمة اهتمام بما قاله الشعراء في موضوع الشعر أو عنه، وما زلت أذكر أنني التقيت كاتبًا قبل نحو عشر سنوات في مكتبة الأستاذ ماهر الكيالي في عمّان- المؤسسة العربية للدراسات، وطلب مني هذا الكاتب أن أزوده بما قلت شعرًا عن شعري، لأنه يعكف على إصدار كتاب جمع فيه ما قاله كل شاعر وصل إلى مخزونه، ويكاد يفرغ منه.
لا أذكر اسم الكاتب، ولا أعرف إن كان الكتاب قد صدر.
ويا ليت مشروعه يُنجز!
هذا الموضوع جميل بحد ذاته، وسأقدم لكم ما تيسر لي وأذكره من هذا الشعر:
يقول حسان بن ثابت:
وإنما الشعر لبُّ المرء يعرضه *** على المجالس إن كَيْسًا وإن حُمُقا
وإن أحسن بيت أنت قائله *** بيتٌ يقال إذا أنشدتَه صَدَقا
(ديوان حسان بن ثابت، ص 169)- دار بيروت للنشر.
إذن فشاعرنا حسّان لا يرى “أعذب الشعر أكذبه”- هذا القول المأثور، بل يراه أصدقه.
غير أن هذا البيت الثاني ورد أيضًا في شعر طرَفة، حيث يقول:
ولا أَغير على الأشعار أسرقها *** عنها غَنِيتُ وشرُّ الناس من سرقا
وإن أحسن بيت أنت قائله *** بيتٌ يقال إذا أنشدتَه صَدَقا
(ديوان طرفة بن العبد، ص70)
بل هناك من نسبه لزهير بن أبي سُلمى. (ابن عبد ربه: العقد الفريد ج5، ص 326)
جدير بالإشارة إلى أننا نجد هنا وهناك بدلاً من لفظة (أحسن):
(أفضل) أو (أشعر).
أما الفرزدق فيرى أن كرام النفوس هم الذين يصدرون الشعر الكريم، ولذا فشعر نُصَيَْب الأسود هو شر بحد ذاته، وبالطبع فهذا رأي غير موضوعي:
وخير الشعر أكرمه رجالاً *** وشرُّ الشعر ما قال العبيد
قرأنا بعض الروايات التي تشي بأن الشعر يُزري بأبناء الملوك شأن ما روي عن امرئ القيس (حال الجريض دون القريض)، وصولاً إلى الشافعي بدافع ديني:
ولولا الشعر بالعلماء يُزري *** لكنت اليوم أشعر من لبيد
لكن الشافعي ظل يقول الشعر، ولم يكفّ عنه بسبب هذه الدعوى التي ادعاها..
أعود إلى بيت حسان:
وإنما الشعر لبُّ المرء يعرضه *** على المجالس إن كَيْسًا وإن حُمُقا
فأجد أبا تمّام ينسج على المنوال نفسه:
ولو كان يفنى الشعر أفنته ما قَرَت *** حياضُك منه في العصور الذواهبِ
ولكنه فيض العقول إذا انجلتْ *** سحائب منه أُعقبتْ بسحائب
في موقف آخر أجد أبا تمام يصف الشعر (شعره) بعد أن خلع عليه الممدوح خِلعة:
حسنُ هاتيكَ في العيون وهذا *** حسنه في القلوب والأسماع
فحسن الشعر في القلب وملء السمع، بينما كان حسن الخلعة في النظر، فانتصر بذلك للشعر.
على ذكر أبي تمّام: كم كنت أردد قوله إعجابًا، وهو يصف علاقة الشعر بالمكارم:
ولولا خِلالٌ سنّها الشعر ما دَرى *** بُغاةُ العلا من أين تُؤتى المكارمُ
يُرى حكمةً ما فيه وهو فكاهةٌ *** ويُرضى بما يَقضي به وهو ظالم
و كان ابن الرومي – معاصره- قد قال:
أرى الشعر يُحيي الناسَ والمجدَ بالذي *** تُبقّيـه أرواح له عطراتُ
وما المجدُ لولا الشعرُ إلا معاهدٌ *** وما الناس إلا أعظم نخرات
ورد في كتاب (العقد الفريد):
“يصف الراجز الشعر:
إنما الشعر بناءٌ *** يبتنيه المبتنونا
فإذا ما نسّقوه *** كان غثًّا أو سمينا
ربما واتاك حينًا *** ثم يُستصعبُ حينا”
(العقد الفريد ج 5، ص 327)
لا أدري لماذا جُعل هذا الشاعر راجزًا هنا، والشعر من مجزوء الرمل.
لا أنهي جولتي في الأدب القديم دون أن أصحب المتنبي في قراءته للمستقبل أنه سيكون على ألسنة الناس، حيث تتكرر قراءته ومطالعته، ويُنظر في شعره، وينام هو ملء جفونه عن شواردها.
بل أزعم أن الشعراء في رؤاهم الشعرية المتباينة يتفقون على أستاذية أبي الطيب وعلوّ قامته وقيمته:
وما الدهر إلا من رواة قصائدي *** إذا قلت شعرًا أصبح الدهر منشدا
فسار به من لا يسير مشمِّرا **** وغنّى به من لا يغنّي مغرّدا
أجِزْني إذا أُنْشِدْتَ شِعراً فإنّمَا *** بشِعري أتَاكَ المادِحونَ مُرَدَّدَا
ودع كل صوت غير صوتي فإنني *** أنا الطائر المحكيُّ والآخر الصدى
لندع المتنبي يصرّح مزهوًّا:
أنا الذي نظر الأعمي إلى أدبي *** وأسمعت كلماتي من به صمم
ونختم بقول لأبي فراس الحمْداني في تعريف شعري جامع:
الشعر ديوان العرب *** أبدًا وعنوان الأدب
لَمْ أعْدُ فِيهِ مَفَاخِري *** ومديحَ آبائي النُّجُب
لنأت إلى العصر الحديث:
نبدأ برأي شوقي في الشعر إذ يحدد موضوعاته:
والشِّعرُ إن لم يكن ذكرى وعاطفة *** أو حكمة فهو تقطيعُ أوزانِ
ب. فاروق مواسي